دمار المنازل في صور يزيد معاناة العائدين
قرّر يوسف خضرا، صباح السبت الماضي، العودة إلى مسقط رأسه في مدينة صور، إلّا أنّ عودته لم تكن طويلة، بل استطلاعية لمعاينة ما تبقّى من منزله الذي استهدفه العدوّ الإسرائيليّ بغارة وحوّله إلى ركام، فأصبح غير قابل للسكن. قرّر خضرا العودة مجدّدًا إلى صيدا حيثُ كان ينزح مع عائلته عند أحد أقاربه. هذه هي حال الكثير من عائلات المدينة التي لم تعلم عند نزوحها أنها لن تجد منزلًا يأويها عند انتهاء الحرب.
كثيرة هي الأبنية والمنازل التي سوّيت بالأرض جرّاء الغارات الإسرائيليّة على مدينة صور، وأنّ قسمًا كبيرًا من المنازل تعرّض لأضرار كبيرة تحتاج إلى أسابيع أو أشهر كي تعود صالحة للسكن، فالمساحة المأهولة في المدينة صغيرة نسبيًّا، ويكاد لا يخلو شارع فيها لم يتعرّض لغارة إسرائيليّة وما نتج عن ذلك من دمار وخراب طال معظم المنازل المحيطة.
صعوبة إيجاد البديل
أمام هذا الواقع، يُشير خضرا، لـ”مناطق نت”، إلى أنّه قرّر البحث عن بديل، إلّا أنّ “العائق الأساس يتمثّل في تضرّر نحو نصف المنازل في المدينة”، مضيفًا أنّ “المنازل المتضرّرة تحتاج إلى ما لا يقلّ عن شهر من الأعمال والصيانة كي تكون صالحة للسكن، وهذا ما أدّى إلى وجود صعوبة كبيرة في إيجاد منزل للإيجار في الوقت الحالي”. إنّ جولة سريعة على أسعار الإيجارات تُبيّن ارتفاعها بشكل كبير نظرًا إلى زيادة الطلب وتراجع العرض.
يلفت خضرا إلى أنّه “لم يتمّ التواصل معه بعد بشأن إعادة الإعمار أو التعويضات، سواء من قبل الجهات الرسميّة أو الحزبيّة، ولكنّنا بانتظار ذلك”. ويشدّد على أنّ “علامات القصف الوحشيّ والدمار لأحياء المدينة بارزة بشكل واضح، فقد سعى العدو إلى تخويف وإرهاب المواطنين”.
ويتحدث خضرا عن أنّه واكب الاعتداءات الإسرائيليّة على الجنوب منذ العام 1978، “ولكن في هذه الحرب كان حجم الدمار مضاعفًا عشرات المرّات عن الحروب الإسرائيليّة السابقة”، مضيفًا “لقد استخدم العدوّ هذه المرّة أسلحة متطورة وأكثر فتكًا وتدميرًا وقتلًا للحجر والبشر والزراعة ومختلف أشكال الحياة”.
تصميم على العودة
من جانبه، قرّر عدنان زيدان، مغادرة لبنان قبل توسّع العدوان بنحو 15 يومًا إلى أنغولا حيثُ يوجد بعض الأقارب “بعد أن شعرت أنّ الأمور ستتطّور”، وفقًا لما قاله لـ”مناطق نت”. ويلفت إلى أنّ “هذا الغياب لم يمنعني من متابعة أخبار المدينة بشكل مستمرّ وعلى مدار الساعة من خلال التواصل مع الأقارب والأصدقاء”، ويوضح أنّ “حال المدينة في الوقت الحالي هي حال من القلق نتيجة الدمار الذي أصاب أجزاء كبيرة منها، فالدموع كانت عم تسبقنا”.
فقد زيدان منزله في الحرب، كما هو حال أخوته وأقاربه الذين يقطنون في الشارع نفسه حيث يقطن والذي استهدفه العدوّ الإسرائيليّ. يوضح أنّه لن يتنظر إعادة الإعمار وإنّما سيعود في أقرب وقت فـ “أنا أنتظر عودة بعض شركات الطيران إلى لبنان كي أتمكّن من العودة”. ويؤكّد أنّه سيعود “لو بدّي اقعد بالخيمة قدّام بيتنا، فالمدينة هي ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، ونريد أن نُعيد الجمال والحياة إليها”.
خضرا: في هذه الحرب كان حجم الدمار مضاعفًا عشرات المرّات عن الحروب الإسرائيليّة السابقة. لقد استخدم العدوّ هذه المرّة أسلحة متطورة وأكثر فتكًا وتدميرًا وقتلًا للحجر والبشر والزراعة ومختلف أشكال الحياة
وفي السياق عينه، يقول قاسم صفي الدين، الذي فقد منزله، في حديث لـ”مناطق نت”: “أنام في الوقت الحالي إمّا في السيّارة أو في نادي الملاكمة الذي أملكه على رغم تعرّضه لأضرار شديدة”. ويُشير إلى أنّه “عمل خلال الحرب على نقل الأهالي من وإلى المدينة، وكذلك تأمين احتياجات المواطنين الذين رفضوا النزوح”، موضحًا أنّ “عائلته نزحت إلى عبرا عند أحد الأقرباء، ولم تتمكّن من العودة نظرًا إلى عدم وجود مكان للسكن وعدم قدرتي على استئجار منزل”.
مبادرة رفع الركام
أمام مشاهد الأبنية المنهارة والركام المتناثر، قرّرت مجموعة من شباب المدينة المساهمة في تنظيفها من خلال إطلاق حملة “معًا لأجل صور” يوم الأحد المقبل. يشرح أحد مطلقي الحملة والناشط السياحيّ هشام نجدي، في حديث لـ”مناطق نت”، الهدف من هذه المبادرة فيقول: “هي محاولة لإزالة الزجاج والأتربة والعوائق، من أمام مداخل الأبنية ومواقف السيّارات، ومن أمام المحال والمؤسّسات التجاريّة، خصوصًا أنّ هطول الأمطار وقد أصبحنا في فصل الشتاء، سيؤدّي إلى إغلاق مياه الصرف الصحّيّ نتيجة هذه الترسّبات ممّا يؤدّي إلى تفاقم المشكلة”.
ويُشير نجدي، الذي يُدير “الصفحة الرسميّة لمدينة صور Tyre Page””، إلى أنّ “الفكرة جاءت باعتبار أنّه لا يمكننا البقاء مكتوفيّ الأيدي أمام مشاهد الدمار في المدينة”، مضيفًا “لقد تواصلنا مع البلديّة التي رحّبت بالمبادرة، بالإضافة إلى عدد من الجمعيّات الأهليّة التي قرّرت مواكبتنا في هذه الخطوة”.
ويشدّد نجدي على أنّ “معظم المبادرين والمتطوّعين تعرّضت منازلهم إلى الدمار أو الأضرار وتحتاج إلى جهد كبير، ولكنّ ذلك لن يمنعنا من الاهتمام بالمدينة التي نعتبرها بيتنا الأوسع”.