دير الأحمر تحتضن أكثر من عشرة آلاف نازح

أكثر من عشرة آلاف مواطنٍ من البقاع الأوسط، نزحوا إلى بلدة دير الأحمر هربًا من جحيم الصواريخ الإسرائيلية، التي لا توفّر بشرًا ولا حجرًا ولا شجرًا، إلّا وتُمعن في قتله. مواطنون من مدينة بعلبك والنبي شيت وسرعين شرقيّ المدينة، إلى بلدة شعث ومحيطها في البقاع الشماليّ، إلى بلدات شمسطار وطاريّا وبوداي وفلاوي غربيّ بعلبك، لجأوا إلى بلدة دير الأحمر، حيث استقبلهم أهل الدير، بالترحاب في بيوتهم فضاقت بضيوفها، ليفتحوا لهم صالات كنائسها ومدارسها الست، ويقدّموا لهم كل الخدمات الضروريّة، من مأكل ومشرب وفرش وأغطية ووسائد وأدوية ومختلف مستلزمات العيش.

لنزوح أهالي بعض البلدات البقاعيّة، إلى بلدةٍ ذات لون طائفيّ واحدٍ، وفي هذا الظّرف المأسويّ بالذات، دلالة وطنية وإنسانية بالغة، في التضامن والوحدة، وتأكيد العيش، لِما لهذه المنطقة من تاريخٍ اجتماعيٍّ وصلاتٍ مجتمعيّةٍ متجذّرةٍ في حياة وذاكرة المواطنين، فالمنطقة نأت بنفسها زمن الحرب والأحداث الأهلية والطائفيّة عمّا عصف بلبنان ولا تزال.

هم أهل الدار ونحن الضيوف

كلّ ما في دير الأحمر استنفر وتجهّز للقيام بما يلزم “خدمةً لأهلنا وتوفيرًا لِما يحتاجونه، لأنّهم هم أهل الدار، ونحن الضيوف”، يقول إيلي جعجع ابن الدير، وعضو لجنة الطوارىء. ويشير في حديث إلى “مناطق نت” إلى “أنّ القيادة في القوات اللبنانيّة أعطت الأوامر منذ اليوم الأول للحرب، بفتح بلدة دير الأحمر بكاملها أمام النازحين من مناطقهم، وتأمين كلّ المساعدات لهم، لأنّ الواجب الإنسانيّ والوطنيّ والأخلاقي فوق كلّ اعتبار، وأنّ اليوم هو يوم التضامن والتآزر، والوقوف إلى جانب إخوتنا في الوطن والإنسانيّة بوجه ما يقاسونه في هذه الأزمة والمحنة”.

أكثر من عشرة آلاف نازح من البقاع الأوسط لجأوا إلى بلدة دير الأحمر

ويلفت جعجع إلى أنّ في البلدة لجنة طوارىء للأحداث المستجدّة، “استُنفرت منذ بداية الحرب، إلى جانب خدمات النائب الدكتور أنطوان حبشي، ومطرانيّة البلدة والجمعيّات الأهليّة والتطوعيّة، وأجهزة القوات والصليب الأحمر اللبناني وجمعيّة كاريتاس، وغيرها، وذلك لتأمين احتياجات أهلنا وإخوتنا الذين وفدوا إلينا جرّاء العدوان الإسرائيلي على مناطقهم.”

أعداد النازحين وتوزّعهم

ويشرح جعجع كيفيّة توزّع النازحين على المراكز والمنازل في البلدة فيقول: “بدأ توافد النازحين إلى بلدتنا بشكلٍ مضطردٍ وسريعٍ، إذ صارت عائلاتهم تصل ساعةً بعد ساعةٍ، لا بل جماعاتٍ جماعاتٍ، حتى وصل عددهم إلى حوالي ثمانية آلاف نازحٍ ثابتٍ، ونحو أربعة آلاف متحرّكين، تبعًا للتطورات العسكريّة على مناطقهم، إذ يذهبون في ساعات الهدوء، ثم يعودون وقت اشتداد القصف، لذلك لا يمكننا حصر العدد بشكل دقيق”

ويضيف: “لقد استقبلت منازل البلدة بدايةً، حوالي خمسة آلاف شخصٍ، موزّعين على نحو ألف منزل، وحين فاقت الأعداد قدرة المنازل في الاستيعاب، جرى فتح صالات الكنائس والمدارس الرسميّة، كي لا يكون أيّ شخصٍ بلا مأوى، لأنّ قرارنا وخطّتنا ألّا نازحًا خارج سقفٍ وبلا تأمين حاجياته”.

إيلي جعجع: لقد استقبلت منازل البلدة بدايةً، حوالي خمسة آلاف شخصٍ، موزّعين على نحو ألف منزل، وحين فاقت الأعداد قدرة المنازل في الاستيعاب، جرى فتح صالات الكنائس والمدارس

ويؤكد جعجع “أنّنا نعمل ليل نهار، ونتواصل مع جهات عدة من أجل تأمين الحاجيّات المطلوبة على مدار السّاعة، ولن نبخل بأيّ شيءٍ لإبقاء الخدمات متوافرةً، حتى انتهاء الأزمة”. ويرى جعجع “أنّ كثافة النزوح البقاعيّ إلى منطقتنا، علامة إنسانيّة متجذّرة في التاريخ الاجتماعيّ الواحد، والصلات والروابط المجتمعيّة الضاربة في تاريخ منطقتنا، التي تحمل كلّ معاني الأخوّة والسلام والعيش الواحد على الدوام”.

شهادات نازحين

“نشعر وكأنّنا في بيوتنا، لا ينقصنا شيء، فأهل دير الأحمر غمرونا بمحبّتهم وخدماتهم وحسن استقبالهم لنا” تقول ليلى حميّة النازحة مع أولادها الأربعة من بلدة طاريّا غربيّ بعلبك إلى دير الأحمر، وتضيف لـ “مناطق نت”: “الحقيقة، لولا أهل الدير لكنّا إمّا في بيوتنا بانتظار موتنا الحتميّ، أو في السّيارات وعلى الطرقات، فبلدتنا تنال يوميًّا حصتها من القصف والصواريخ التي دمّرت فيها عشرات المنازل وقتلت الأبرياء، ولم يعد من مجال للبقاء فيها على الإطلاق”.

وتشير إلى أنّ ما يقدّمه أهل الدير من مساعداتٍ وضروريّات على مختلف الصعد “تجعلنا نخجل من أنفسنا، لأنّهم يشعروننا أنّنا في بيوتنا. حتى كلمة الشكر يرفضون سماعها منّا، وهم دائمًا يقولون لنا: أنتم أهل البلدة ونحن ضيوفكم”. وتختم حميّة بأنّ “في الأزمات والمِحن يُعرف أهل الشهامة والنخوة والحميّة، وهذا ما تجسّد في نفوس أهل الدير الذين أثبتوا عاداتهم وتاريخهم في أنّنا إخوة جميعًا في السرّاء والضرّاء، وأنا وعائلتي سنبقى في هذه البلدة حتّى انتهاء الحرب، إذ إنّها دار الأمن والأمان لنا.”

أمّا محمد العوطة من بلدة شعث في البقاع الشماليّ النازح مع عائلته فيؤكّد لـ “مناطق نت” أنّنا اليوم “عرفنا أنّ الوحدة الدينيّة والوطنيّة والاجتماعيّة، هي حقيقة لا شعارات وأقوالًا، فما يقوم به أهل الدير تجاهنا، لا يدلّ إلّا على أصالة المجتمع اللبنانيّ الواحد، وأنّ الاختلافات السياسيّة لا تستطيع ان تهدم مقوّمات الروابط الإنسانيّة بين جميع أبناء الوطن”.

ويضيف: “أنا قطعت مسافةً كبيرةً من بلدتي كي أصل إلى هنا، علمًا أنّني كنت أعتقد أنّ بلدتي آمنة بسبب الاختلاط الطائفيّ فيها، ولكن فوجئت بتعرّضها للصواريخ الاسرائيلية وهي من أهداف العدوّ، وأنا أدرك تمامًا أنّ أهل هذه البلدة هم أهلنا وإخوتنا وأنّنا من طينةٍ واحدةٍ ومن رحِم الوطن الواحد ولا يفرّقنا عن بعضنا إلّا الموت. كيف لا وقد لجأنا إليهم في عزّ الخطر وكانوا على قدر المسؤولية”. ويلفت العوطة إلى أنّ “ما يعانيه أبناء طائفتنا من قتلٍ ودمارٍ وتهجيرٍ على يد العدوّ الإسرائيلي، هو كارثة إنسانيّة بكلّ المقاييس، ولكن ما يواسينا هو احتضان إخوتنا لنا، وتخفيف مأساتنا بِما يستطيعون”.

وأخيرًا يدعو العوطة المجتمع الدوليّ وكلّ الجمعيّات الإنسانيّة الحامية لحقوق الإنسان، “إلى أن يفرضوا على العدوّ الإسرائيلي، وقفًا لإطلاق النار رحمةً بأطفالنا الذين لا ذنب لهم في هذه الحرب ولا قوّة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى