د. جميل الدويهي مؤسس”أفكار اغترابية”: الله هو الشاعر وأنا انتحل الصفة!!
حاوره زهير دبس
تأخذنا عبارة «الاغتراب» وفق التنميط اللبناني لتلك العبارة إلى عوالم الاقتصاد والاستثمار والمال، وتحيل المغتربين اللبنانيين على أدوات يُقتصر دورهم على ذلك. فالاختزال للمغترب بأنه «سائح صيفي» يأتي ليصرف الأموال فقط هو الصورة السائدة التي ترسخ عاماً بعد عام في أذهان اللبنانيين جرّاء الحديث المتكرر عنها باستمرار.
المغترب في أستراليا الدكتور جميل الدويهي إبن الشمال الذي أطلق منذ سنوات مشروع «أفكار اغترابية» كسر الصورة السائدة حول ذلك، فحضوره برفقة وفد اغترابي كبير إلى لبنان وإحياؤه العديد من الأمسيات الأدبية والشعرية في أكثر من منطقة لبنانية، أعادا تصويب الصورة من أن للمغتربين وجوها أخرى لها علاقة بالآداب والفنون وهم ليسوا فقط حقائب أموال ومشاريع استثمار. «مناطق نت» التقت الأديب الدويهي وحاورته حول مشروع «أفكار اغترابية» وعن أبرز الأنشطة التي قام بها.
بداية تحدث د. الدويهي عن مشروع «أفكار اغترابية» فقال «الفكرة اطلقتها بعد عودتي من لبنان الى استراليا في اواسط العام ٢٠١٤، وبالتوازي أنشأت موقعاً للأدب الراقي باسم «أفكار اغترابية» أيضاً. المشروع يهدف إلى نشر «الأدب الراقي والرفيع»، وتعميم الرؤية الحضارية وثقافة السلام والمحبة والخير، ومساعدة الأدباء على نشر أعمالهم سواء في موقع أفكار اغترابية أم في كتب، تحت عنوانين هما الابداع والرقي». أضاف الدويهي «لدي هم واحد وأساسي هو تظهير الأدب المهجري في أستراليا على حقيقته وقد نجحت في ذلك وبدأ الناس يقارنون ويحكمون. فأين أدبنا المهجري الذي يطبلون له من الرواية؟ وأين هو من القصة القصيرة؟ ومن الفكر؟ ومن أنواع الشعر الثمانية المعروفة عند العرب؟ وتساءل الدويهي «من استطاع ان يحشد الناس بالمئات في مهرجانات لا تجد لها مثيلاً في وطننا الام؟ فالناس ليسوا أغبياء وهم يسألون ويتساءلون ويحق لهم أن يتعجبوا من مفارقات غير مفهومة”.
«أفكار اغترابية» ليس جمعية ولا مؤسسة لها أطرها التنظيمية، بل هو مساحة للإبداع وللأدب الراقي. أنشطة عديدة أنجزت من خلال المشروع تمثّلت بالعديد من المهرجانات الأدبية الحاشدة في سيدني وملبورن، والجلسات الحوارية، وطباعة ٣٥ كتاباً في أقل من ٥ سنوات. فهناك العديد من الأدباء والشعراء الجدد نشروا أعمالهم من خلال مشروع «أفكار اغترابية».
تبقى الجدلية في مشروع «أفكار اغترابية» أنه اقترن بعبارة «للأدب الراقي في سيدني – أستراليا»، وهل هناك أدب غير راق؟ نسأل الدويهي الذي يجيب بحدة «طبعاً هناك أدب غير راق. هناك أدب الخلاعة والمجون والتهتك، وأدب هابط يختص بأجساد النساء، والعلاقات الجنسية. وهناك من يتبجحون بنصوص ما هي إلا «لزوم ما لا يلزم» ولا تضيف إلى الأدب».
«أنا ملتزم في مشروعي بالأدب الراقي، فليس تحت مظلة «أفكار اغترابية» أي نص فيه كلام يجرح الذوق، فكما الإناء ينضح بما فيه هكذا الاديب أيضاً» يقول الدويهي ويتابع «يؤسفني أن أرى كل يوم مقدار المديح والتطبيل لأدب ضعيف. فهناك من نجحوا في حشد الأنصار، ولو قارنت على الطاولة بين أدبهم والأدب الحقيقي لفضحتهم. وإن نجح هؤلاء في التباهي الآن، فالتاريخ سيلفظهم فيما بعد». نحن في افكار اغترابية نبارك كل عمل، لكننا عند الحكم على الأدب نزين بميزان العدل، ونضع أعمالنا أمام الناس، وهي جميع أنواع الشعر المعروفة، والرواية، والقصة القصيرة، والفكر، والتاريخ، والدراسة الاكاديمية، وباللغتين العربية والانكليزية، ونقول للنقاد: قارنوا إذا كنتم نقاداً حقيقيين!”.
مشروع «أفكار اغترابية» هو ثورة في أدب الاغتراب بحسب تعبير الدويهي الذي قال إنه بدأ في سيدني وأصبح معروفاً في العالم، «لكننا لا نقطع الصلة مع أي جهة أدبية أو ثقافية تعمل من أجل الكلمة النبيلة والحضارة. «أفكار اغترابية» هو فكرة تجاوزت الحدود ولم تعد محصورة في استراليا، ومن واكب زيارتنا الأخيرة إلى لبنان رأى كيف كان الاغتراب والوطن مجتمعين، من دون حواجز جغرافية ولا حدود مرسومة».
من يتابع الشأن الأدبي الاغترابي يجد أن فراغاً كبيراً على مستوى الأدب والثقافة وفي هذا الإطار يقول الدويهي «في أفكار اغترابية لا ندعي أننا نملأ فراغاً، أو نعوض عن خسارة في مرحلة. لكن العديد من النقاد من أصحاب الضمائر قالوا اننا نقلنا مركز الثقافة العربية إلى سيدني بدلاً من بيروت والقاهرة ودمشق، وأطلقوا علينا إسم النهضة الاغترابية الثانية. طبعاً نحن نفرح بهذا التقدير، ولا يخرجنا عن جادة التواضع والعمل الدؤوب من أجل تحقيق أهدافنا. لكن التواضع لا يعني أن نضع شمعة تحت مكيال، كما يطلب منا البعض لغايات وغايات. فنحن خرجنا بالأدب من إطار النوع الواحد. ولو نظرت إلى أعمالي ترى أنني لست شاعر تفعيلة ولا قصيدة نثرية ولا زجلية، ولا أنا روائي أو مفكر أو أكاديمي، أنا كل ذلك، وكتبي موجودة لمن يريد أن يطلع عليها». يضيف الدويهي «ظاهرة التنوع في أعمالي لم تأخذ حقها كما أخذ حقهم أدباء النوع الواحد. ولو كنت في لبنان لكان “أفكار اغترابية” كمشروع أدبي مهجري أصبح موضوعاً لأطروحات جامعية، لكن قدرنا أن نخسر دائماً بسبب الهجرة».
كيف يصف الدكتور الدويهي الحركة الأدبية والشعرية والثقافية في أوساط المغتربين في أستراليا؟ وهل راضٍ عنها؟ يجيب الدويهي «كيف أرضى عن حركة أدبية، واعمالي في عين الشمس، وهناك نقاد في أستراليا يكتبون عن كل شيء إلا عني؟ وهناك الكثير من وسائل الاعلام رفضت أن تغطي زيارتي إلى لبنان، وهي ظاهرة أدبية تاريخية؟». يتابع «كيف أرضى أن يتهافت النقاد على الترويج لأدب هزيل ويغضون النظر عن أعمال جليلة؟ هناك من يتعاطون في الشأن الأدبي في استرالبا لم يكتبوا عن أعمالي كلمة واحدة منذ العام ١٩٨٨».
«لقد كان الأدب في أستراليا قبل “أفكار اغترابية” في مكان واصبح بعده في مكان آخر».. هذا ما يقوله الدويهي ويستطرد «للنقاد رأي آخر لا يتفق مع هذه النقلة، وكأن المطلوب أن نبقى على ما كنا عليه. لأنني أبني لمئة سنة مقبلة و«أحاول ملكاً او أموت فنعذرا» كما يقول امرؤ القيس.
عن توصيفه لمستوى الحركة الشعرية والأدبية في أستراليا وهل لا زالت ترزح تحت وطأة الكلاسيكية أم أن هناك تجديداً في ذلك؟ يقول الدويهي «في أستراليا الكثير من الشعر والقليل من النثر. وأغلب الشعر من نوع الزجل، لكن بعض الشعراء طوروا وذهبوا إلى الشعر المنثور. وما نسبته ٩٩ في المئة من شعراء النثر لا يعرفون الأوزان ولم ينظموا عليها في حياتهم. الخلاصة أن هناك في العموم شعراء متخصصون بنوع واحد، وقلما نجد من ينوع. وهذه هي ميزة «أفكار اغترابية» الذي نجح في الخروج من إطار الالتزام بنوع واحد إلى فضاءات الشعر والنثر والفكر. فالناس في أستراليا لا يتحدثون عن جميل الدويهي كشاعر بل كشاعر الانماط الثمانية وكناثر ومفكر واكاديمي. وأنا أقول في كل مناسبة: الله هو الشاعر وانا منتحل صفة. فكل ابداع ليس منا بل من فضل الخالق علينا».
«بماذا يختلف الأدب المهجري عن سواه من الأدب؟ وهل هو مرتبط حصراً بالوطن الأم«؟ سؤال طرحناه على الدويهي الذي قال «لا يختلف الأدب في أستراليا عن غيره من أدب الانتشار، والمواضيع التي يتطرق إليها معروفة، وخصوصاً في شعر الزجل.، من حنين إلى الوطن، وغزل وحب ومواضيع اجتماعية». أضاف «يهمني كمؤسس لمشروع أفكار اغترابية أن أؤكد مرة أخرى على دور مشروعي في احتضان طاقات جديدة، ومد الجسور مع الحركات الأدبية والمثقفين في مختلف القارات، وإطلاق ثورة في التعبير والتنوع في المواضيع والأشكال، لأنني أؤمن بأن الأدب لا يقوم على نوع واحد».
عن الإضافة التي قدمها مشروع “أفكار اغترابية” يقول الدويهي «هو بشهادة الجميع مشروع حي ونابض بالعطاء، ولا يمر يوم إلا وفي جعبتنا عمل أو إنجاز نضعه بعهدة الدارسين للأدب الاغترابي. فزيارتنا إلى لبنان والمناسبات التي أقيمت لنا ومقدار المحبة التي غمرتنا في لبنان لم تأتِ من فراغ، بل لأن لنا سجلاً غنياً بالانجازات. والثابت أن الأدب ينمو في بيئة بعيدة ويغتني منها، وفي السنة الماضية نشرت قصة بعنوان “الابحار إلى حافة الزمن”، هي كناية عن مغامرة في غابة أسترالية. لقد زاوجت بين الأدب العربي والبيئة الاسترالية. وننتظر من النقاد أن يتناولوا أعمالنا، على الأقل في الفترات المقبلة.
اكثر من ٣٦ مؤلفا لدى الدويهي وعنها يقول «أطمح إلى المزيد، لا أتوقف لأن هناك من ينصحني بعدم الاكثار من النشر. هناك من يقدمون هذا النصح بنية طيبة وهناك من يقدمونه لفرملة المشروع. عندما أعود إلى أستراليا سأنشر لعدد من الأدباء الجدد، ثم سأنصرف لطباعة مجموعة فكرية بعنوان “هكذا حدثتني الروح”، وديوانين بالفصحى والعامية.
«كانت حركة الشعر في لبنان مهمة جداً» يقول الدويهي ويتابع «لقد رحل العملاق سعيد عقل لينطوي معه عصر أدبي مجيد. وأخشى وأنا أراقب بحس نقدي، أن نبتعد قليلاً عن دائرة الضوء». يضيف «أسمع شعراً في مناسبات يجهد أصحابه في توصيله ويبالغون في الإطالة والنحت المضني. وشتان بين قصيدة تنساب كالماء الرقراق وتدخل إلى القلب وقصيدة قدت من صخر، أو كجبلة باطون. بصراحة أقول: عندي خوف وله ما يبرره».
ينتمي د. الدويهي إلى مدارس مختلفة حسب تعبيره، ويقول «في أعمالي تجد الواقعية والرمزية والسوريالية والرومنطيقية… ولأنني كثير التنوع لا أحصر نفسي في مذهب واحد. ولست أخجل أن أقول: أتمنى أن أكون ذات يوم مدرسة يقتدي بها الآخرون . وهناك العديد من الأدباء حول العالم كتبوا محاكاة لأعمالي ونسجوا على منوال قصائدي».
ماذا بقي من لبنان في جعبة المغتربين اللبنانيين في أستراليا؟ سؤال ختمنا به لقاءنا بالدكتور الدويهي فأجاب «بقي معنا لبنان كله، فنحن سفراء لبنان في أصقاع الأرض».