راقص “السماح” البعلبكي رامي شيبان: الصوفيّة لسكينة الدراويش
يهبّ “البعلبكي” رامي شيبان، مع كلّ حدث يترك ألمًا أو جرحًا أو أثرًا في نفوس “الدراويش” من عامّة الناس، لتأدية رسالة “صوفيّة” عهدها على نفسه، بغية إرساء “المحبّة والسكينة” من خلال الدوران في رقصة “مولويّة” تُطلق عليها تسمية رقصة “السماح”، وتعرف لدى نطاق واسع من الناس برقصة الدراويش.
هكذا فعل رامي شيبان يوم انتفضت البلاد تحت عنوان ثورة السابع عشر من تشرين (2019)، وكذلك بعد انفجار المرفأ في الرابع من آب 2020، وأيضاً، في الأمس القريب، مع بداية العدوان على غزّة واستمراره أكثر من شهر، حيث أطلق من بعلبك، وبالتحديد من مخيّم الجليل، طاقة جسده بمواجهة الموت والدمار، مؤدّيًا رقصة “السماح” بمشاركة شابّة متطوعة، وسط حشد من “الدراويش” والأطفال على وقع موسيقى أغنية لـلفنّانة ناي البرغوثي. مشهد لا يوجد فيه قتلى وركام ونيران وشهداء، بل يعبّر عن سلام داخليّ ورسالة تدعو إلى المحبّة والسكينة والتضامن و”حقّ العودة” إلى فلسطين.
“إنّه اختيار بين المعقول والممكن” يقول رامي شيبان “المولوي”، ويردف في حديث لـ”مناطق نت”:”لقد فكّرت مليًّا قبل تنفيذ النشاط في مخيّم الجليل في بعلبك، بما يمكن أن يقدِّمه تضامنًا مع القضيّة الفلسطينيّة، حيث مشهد النار والدخان. ثم فكّرت في الإضاءة على حقّ العودة، فأضفت الكوفيّة إلى ثوبي المميّز، وارتدتْ صديقتي “موني” الزنّار الأحمر، ما يرمز إلى لباس الفلسطينيّات التراثيّ”.
تعاوَن جميع سكّان المخيّم مع رامي وموني، وحملوا الأعلام والكوفيّات ورحَّبوا بهما وبالفكرة. هي ليست المرّة الأولى لرامي في المخيّم، إذ قدّم في شهر رمضان الفائت عرضًا من دون مقابل مادّيّ، هذه عادته، يرقص دائمًا بلا مقابل. يقول رامي: “إنّ صداقة وطيدة نَشأت بيني وبين رجل من المخيّم اسمه “أبو جبل”، فصار مساعدي الأوّل وخصوصًا في عرضي الأخير”.
رقص السماح للدّراويش
من سعادة شيبان أنّ “رقص السماح في حضرة الدراويش هو أحد طرق التعبير من خلال الحالة الروحانيّة للفرد. هو نوع من أنواع الذِكر ويسمّى “المولويّة”، يهدف إلى الوصول للكمال المنشود من أجل التواصل مع الخالق. وحين يدور راقص الدّراويش ويرفع يده اليمنى تعبيرًا عن المناجاة، يكون أشبه بحركة الكواكب، أيّ حركة الوقت والزمن”.
تعود رقصة الدّراويش “المولويّة” إلى جلال الدّين الرومي وإلى عصر السلاجقة، وقد بدأ من “قونية” في تركيّا وانتشر في المغرب العربيّ، ثمّ في حلب وفي مصر وسواها. نُسب إلى الرومي أنه قد شَعر بـ”الله” في قلبه، فاحتضن قلبه لجهة الشمال حتّى لا يتركه الله، وقال: “وجدتك في قلبي ومنذ ذلك الوقت وأنا أدور حولي”.
تعود رقصة الدّراويش “المولويّة” إلى جلال الدّين الرومي وإلى عصر السلاجقة، وقد بدأ من “قونية” في تركيّا وانتشر في المغرب العربيّ، ثمّ في حلب وفي مصر وسواها.
لم يؤسّس الرومي في حينه أكّاديميّة منظّمة، ولكن ابنه هو من أقام المأوى والدروس وحَضَرات الذِكر. يؤكّد شيبان أنّ “هذا الرقص الصوفيّ يلامس كلّ المِلَل، وليس الملة الإسلاميّة فحسب، وهو رقص موجود في طرابلس وفي عكّار”.
وردًّا على سؤالنا عن سبب عدم إصابة مؤدّي رقص الدراويش بدُوارٍ، يقول: “إنّ للرقص تقنيّات كما للـيوغا تقنيّات، ففي حلقات الذكر يكرّر الراقص في داخله كلمة “هُو” أيّ “الله” بشكل متواصل، بعد أن يُخرِج منه الشحنات اليوميّة السلبيّة ويهيّئ نفسه، يكون في الحياة شخصًا مسالمًا، يساعد بلا مقابل، ينصر الحقّ ويزهق الباطل، وقد تتعب الأقدام من الدوران ولكنّ النفسَ تكون في وصولها للكمال”.
حبّ التصوّف والمتصوّفين
يعتبر شيبان أنّ من أسباب حبّه للمتصوّفين هو مفهوم “الحرّيّة” عند المتصوّف، فـ”الفتاة التي رافقتني في العرض وهي لا ترتدي الحجاب، تُحاسَب وفق نيّتها عند الله، فإن كانت نبيلة كان هناك قبول إلهيّ لما تقدّمه”.
بدأت فكرة الرقص “المولوي” تراود شيبان مع بداية الأحداث السوريّة، مع اتّساع دائرة القتل والانقسامات ومع تنامي الشروخ بين أبناء البلد الواحد، “فوجدت أنّ ما أفكّر به قد يزرع الخير في النفوس مهما اختلفت العقول”. ويضيف شيبان: “إنّ رحمة الخالق وَسَعت كلّ شيء، وهذه دعوته لتجاوز الأنا، ليقدر الجميع على المحبّة”.
في بداياته كان رامي مغرمًا بالدبكة البعلبكيّة، مثل كثيرين من أبناء مدينته، إلى أنّ تعرّف في عُمان إلى “مولوي” من تركيّا، ومن هنا شقّ طريقة إلى “رقص الدّراويش”. في البداية جرّب صُنع “تنّورة” ولم ينجح، ثمّ درَس عند أوّل استاذ للرّقص الصّوفيّ في مصر حسّان صابر. اليوم، بات شيبان يُعبّر عن أيّ مشكلة بالرقص كطريقة فُضلى، تمامًا كما فعل في خلال ثورة السابع عشر من تشرين، انفجار المرفأ في الرابع آب، الموالد النبويّة، عيد “القيامة”، في مركز سرطان الأطفال، ومع أحداث فلسطين الأخيرة.