راميا الحدودية المدمّرة تحت قبضة اللصوص

كأن لم يكفِ بلدة راميا الحدوديّة الواقعة في قضاء بنت جبيل، ما خسرته من أرواح وممتلكات على يد العدوّ الإسرائيليّ، الذي سوّى بيوتها جميعها بالأرض، حتّى تأتيها أخبار السرقات التي بدأت تتعرّض لها وتطال ما تبقّى من حطام المنازل. لكن الخطير في الأمر هو ما تعرّض له زيتون البلدة المعمّر الذي يمتدّ مئات السنين ويعتبر إرث البلدة الزراعي. هذا الإرث خسرت البلدة جزءًا منه جرّاء تعرّضه لأضرار جسيمة خلال الحرب من تجريف واقتلاع، ثمّ جاءت أيادي اللصوص لتصيبه بالصميم وتحوّله إلى حطب للتدفئة، وقسم منه للبيع.
ما تعرّضت له راميا النائية التي لم يبقّ فيها غير سبعة منازل صامدة إلى جانب مبنى المدرسة الرسميّة، لم يقتصر على البلدة وحسب، بل تعرّضت له معظم قرى وبلدات المنطقة الحدوديّة المدمّرة، منذ تاريخ انتهاء هدنة الـ 66 يومًا في الـ 18 من شباط (فبراير) الماضي، وهذا ما يعاني منه الأهالي النازحون عن بلداتهم، والذين لم يستطيعوا حتّى الآن إيجاد حلول لتلك الظاهرة التي يخسرون معها ما تبقّى من حطام منازلهم وممتلكاتهم.
سرقات هنا وهناك
وعلى الرغم من انتشار الجيش اللبناني في القرى الحدوديّة، بالتزامن مع مرور سنة على اتّفاق وقف إطلاق النار الهشّ، لم تتخلّص كثير من بلدات القرى الحدودية من تلك الآفة الكبيرة، والخارجة عن كلّ منطق أخلاقيّ ووطنيّ، بخاصّة وأنّ هؤلاء السارقين واللصوص، يكملون ما نهبه جيش الاحتلال الإسرائيلي، وتحديدًا أشجار الزيتون الضاربة بالتاريخ في أراضي وهضاب راميا وعلما الشعب ويارين والضهيرة وسواها.
وراميا المجاورة لإحدى النقاط السبع المحتلّة (تل بلاط) خالية من أهلها، فمنازلها التي يبلغ عددها نحو 600 منزل سوّيت بالأرض، والبلديّة تفتقد إلى الحدّ الأدنى من مقوّمات العمل، فكيف تستطيع حماية الممتلكات، ومنع ما يحصل من تجاوزات في البلدة؟

يقول رئيس بلدية راميا عبّاس عيسى إنّه “منذ انتهاء الحرب، نواجه سرقات متعدّدة للممتلكات العامّة والخاصّة، بدأت بسرقة البيوت المهدّمة وطالت العدد الزراعيّة، النوافذ، الأبواب، تمديدات الكهرباء، ثمّ انتقلت إلى دور العبادة كالمساجد والحسينيّات، إضافة إلى المدرسة الرسمية”.
يتابع عيسى لـ “مناطق نت”: “لقد ناشدنا الجيش والمخابرات في المنطقة لأجل منع الآليّات الكبيرة من الدخول إلى البلدة، لكن لم نلقَ أيّ نتيجة، ولم تتحقّق مطالبنا ومناشداتنا”.
أضاف عيسى “من جانبنا كبلديّة قمنا بجولات للوقوف على أوضاع البلدة وما تتعرّض له من سرقات، وقد تمكّنّا من إلقاء القبض على شخصين، كانا يقومان بقطع أشجار الزيتون المعمّرة، يعود عمر بعضها إلى مئات السنين، فتقدّمنا بدعوى قضائيّة ضدّهما، وهذا ما نستطيع فعله كبلديّة”.
شكاوى بالجملة
إحدى المواطنات (فضّلت عدم ذكر اسمها) تعرضت لسرقة بعض ما تملك من أشجار زيتون معمّرة بالقرب من بركة البلدة، تقول إنّه “من الصعب أن يأخذ أحدهم حقّك، فلنا مع هذا الزيتون ذكريات منذ أيام أجدادنا”. وتتابع لـ “مناطق نت”: “صحيح أنّنا حزنّا كثيرًا على ما اقترفته يد العدوّ الإسرائيليّ من تدمير ممنهج بحقّ بلدتنا، لكنّ ما أحزننا أكثر هو أن يعتدي أحد من بيئتنا على أملاكنا ونحن خارج أرضنا، فذلك يُشعرنا بالقهر”. وتختم “لقد حذّرت مرارًا من وجود لصوص في البلدة”.
صالح: تمّت سرقة 35 نافذة من مبنى المدرسة الرسميّة إضافة إلى أسلاك الكهرباء. لقد فعلوا ما لم تفعله إسرائيل
من ناحيته يأسف ابن البلدة الناشط حسين صالح لما يحدث في قريته قائلًا “عدنا إلى راميا لنجدها مدمّرة كلّيًّا، باستثناء بعض البيوت والمدرسة، وبعض البنى التحتيّة وما تبقّى من شجر زيتون معمّر اقتلعه العدوّ الاسرائيليّ. ويتابع صالح لـ “مناطق نت”: “ولأنّ البلدة فارغة من أهلها، بالإضافة إلى عدم وجود الجيش وقوى الأمن في داخلها، فإنّ اللصوص يسرحون ويمرحون، ونحن لا يمكننا أن نتواجد طيلة الوقت لحراسة البلدة، بسبب الخطر المحدق بنا من العدو الإسرائيليّ”.
سرقة 35 نافذة مدرسيّة
ويضيف صالح “حاولنا في البداية السيطرة على الأمور ومعالجتها، وطلبنا من الجيش أن يقوم بمساءلة كلّ من يدخل إلى البلدة، ولا يسمح لأيّ شخص بالدخول إلّا إذا كان يحمل إذنًا مسبقًا من البلديّة، وإلّا سنعتبره سارقًا”.
عمّا طاولته السرقات يشير صالح إلى أنّه “تمّت سرقة 35 نافذة من مبنى المدرسة الرسميّة إضافة إلى أسلاك الكهرباء”. ويردف بغضب “لقد فعلوا ما لم تفعله إسرائيل. هناك أشخاص من البلدة وخارجها يقومون بتلك السرقات، وأكثر ما يحزنني أنّهم يدخلون كي يقطعوا أشجار الزيتون المعمّرة ويبيعونها حطبًا بأسعار زهيدة، إنّها خسارة كبيرة”.
وبطّاريّات الطاقة الشمسيّة
توجه المواطن حسين حسين ليتفقّد منزله الذي ما زال صامدًا على رغم تضرّره بسبب القذائف واقتحامه من قبل العدوّ لكنه وجده مسروقًا، وجد المنزل بلا نوافذ وبلا بطّاريّات الطاقة الشمسيّة جميعها قد سُرقت. يقول حسين لـ “مناطق نت”: “ليس هناك أيّ رادع يمنع اللصوص من السرقة، وفي الوقت نفسه لا يوجد أيّ دليل ضدّ أحد”. ويقترح حسين حلّاً لهذه الأزمة من خلال تكليف حارس من البلديّة يقف عند مدخل البلدة لمراقبة حركة دخول الناس والسيارات.
اقتلعوا الخزائن والنوافذ
ما أصاب منزل حسين أصاب منزل ابن البلدة أيضًا علي عواضة، الذي أشار إلى أنّه “تمّ اقتلاع النوافذ من منزله وخزائن الألمينيوم في المطبخ، وسرقوا: التلفاز، باب المرحاض، وموتور البراد”. يحمّل عواضة المسؤوليّة للقوى الأمنيّة والبلديّة، مقترحاً أن تتقدّم البلديّة بشكوى أمام القضاء بشأن السرقات والأعمال التخريبيّة التي يقوم بها البعض داخل البلدة.
ما تعاني منه راميا ينطبق على عديد من القرى والبلدات الحدوديّة المدمّرة، التي هجرها أهلها فأصبحت مرتعًا للصوص وتجّار الخردة والحطب، يسرحون فيها ويمرحون دون حسيب أو رقيب. يجري ذلك وسط عجز البلديات التي نزح قسم منها مع النازحين، وفي ظلّ إمكانيّات متواضعة لا تستطيع تلبية الحدّ الأدنى من الاحتياجات الأساسيّة لمتطلّبات القرى المنكوبة.



