رجل بحجم الوطن لا تغيّبوه مرّتين!
المحامي كمال لحاف
في الواحد والثلاثين من آب عام 1978 فقد لبنان أحد أهم قاماته الوطنية والدينية والفكرية المؤثرة في المجالات كافة ليس في لبنان فحسب بل في المنطقة برمتها. وبفقدانه غاب عن خريطة لبنان الوطن عمامة لو قُدِّر لها لظلّلت بطياتها حدود الوطن كله.
تحت عباءته احتمى المسيحيون قبل المسلمون. وبخطابه المعتدل قاوم الحرب الأهلية ونارها وبحكمته أرسى مفهوماً مختلفاً للعيش المشترك والوحدة الوطنية.
أفكار موسى الصدر آنذاك لم تكن تتسع لها أمة العرب أنظمةً وحكاماً، ولم تكن قادرة على تقبُّل تلك الأفكار التي كانت تشكِّل خشبة خلاص للبنان من جحيم الحرب الأهلية، فالأنظمة العربية الدكتاتورية التي سعت بكل أجهزة استخباراتها إلى تأجيج نار الفتنة في لبنان وتحويله إلى ساحة صراع، لم تكن على استعداد للسماح لموسى الصدر ولا لأمثاله أن يأخذوا دورهم الوطني لإنقاذ بلدهم فاتخذ القرار.
الكلام عن موسى الصدر كقامة وطنية كبرى يستدعي الحديث عن قضيته التي تحوّلت أيضاً إلى قضية وطنية بامتياز والتي شاء القدر أن تكون طرابلس الغرب محطتها الأخيرة، فاختفت عمائم النور الناس في سجون الظلام، والمؤلم أن يُسجن ويُخفى مفكر حر على يد سجان مجنون مختل مجرم. وبالرغم من أن جنون القذافي قد دفعه إلى تغييب موسى الصدر إلا أننا على يقين أنه لو لم يكن فعلها معمر القذافي بالتنسيق مع الأنظمة العربية الدكتاتورية حينها لكان فعلها نظام عربي دكتاتوري آخر.
زنغة زنغة.. سقط القذافي في مجرور للصرف الصحي وبين الجرذان التي اعتاد نعت المنتفضين عليه في خطاباته الشعبوية. وبسقوطه تناقضت المعلومات حول ما اذا كان معمر القذافي أخفى السيد موسى الصدر أم لا زال الأخير معتقلاً في السجون الليبية. ولم تستطع قيادة حركة أمل من الوصول الى الحقيقة الكاملة عن حال قائدها. لكنها لم تفقد الأمل بمسك طرف خيط يؤدي إلى اكتشاف حقيقة ما حصل.
بين ليلة وضحاها اعتقلت القوى الأمنية اللبنانية النائب السابق حسن يعقوب نجل الشيخ محمد يعقوب رفيق السيد موسى الصدر والذي اختفى معه، بجرم خطف هنيبعل القذافي بعد ان استدرجه من سورية التي منحته حق اللجوء السياسي، حيث انقلب السحر على الساحر ودخل حسن يعقوب السجن ومعه دخل هنيبعل القذافي بتهمة كتم معلومات. وإذا سلمنا ان توقيف هنيبعل القذافي هو توقيف قضائي بإمتياز فلماذا كل هذة الضجة فيما يخص دعوة الوفد الليبي إلى القمة في بيروت، أو الإمتعاض من الطلب السوري الروسي من الرئيس بري اطلاق هنيبعل القذافي.
الرئيس بري الذي استجاب لـ «دمعة الحاجة» ومسحها بخروج النائب يعقوب، لن يخذل رغبة سوريا، فمدوِّر الزوايا وحياك الخفايا لن يقع في فخ ازدواجية المعايير، فعلى الرغم من ما يمثله سجن هنيبعل القذافي لجماهير حركة امل، إلا أن حجم قامة السيد موسى الصدر يجب أن تفرض مقاربة أخرى لناحية التعاطي في الأمور السياسية التي تتصل بقضيته حيث يجب أن تكون امتداداً لسيرة الصدرية الراسخة في الوجدان الوطني.
الرئيس بري يعرف أن حضور الوفد الليبي للقمة الاقتصادية المزمع عقدها في بيروت لا يقدم ولا يؤخر في حيثيات قضية الأمام الصدر، وهو لن يقبل بأي مقايضة كبُرت أو صغُرت بقضية مبدئية هي قضية الإمام المغيّب ولا بحضور وفد أو غيره أو بتصفية قضية الصدر بفرخ نظام القذافي. ولن يدخل في خصومة مع النظام في سوريا ليربح قشرة بصل، لكن الرئيس بري سيحتكم للمؤسسات القضائية التي سيكون لها كلمة الفصل بصياغة الحكم القضائي السياسي بقضية هنيبعل القذافي، وإذا كان للطلب السوري من علامات إيجابية ستكون مذيلة بتوقيع قضائي وليس بتوقيع الرئيس بري.
الحديث عن قضية الصدر يقودنا إلى السجال المحتدم على مواقع التواصل الإجتماعي بين مناصري حركة امل من جهة ومناصري التيار الحر من جهة أخرى على خلفية توجيه رئيس الجمهورية دعوى للوفد الليبي. وهنا من الاجدى على مناصري أمل التنبه بحكمة نبيههم أن لا يتخذوا من اسم موسى الصدر مادة للخلاف الطائفي الذي قضى إمامهم المغيّب وأيقونة دربهم وهو يحاول القضاء عليه. فلا تجعلوا من الإمام الصدر ومن قضيته مادة للغة لطالما نبذها الإمام، فمن غيَّب الإمام الصدر غيَّبه لانه دافع عن العيش المشترك والوحدة الوطنية فلا تنزلقوا بدفاعكم عنه إلى خندق المعارك الطائفية فاحفظوا عليه كما كان رجل بحجم الوطن فلا تغيّبوه مرّتين.