رغم إنذارات الإخلاء.. صامدون في صور ومنطقتها
ما إن أعلن الجيش الإسرائيلي، صباح اليوم الثلاثاء، عن البدء بعملية عسكرية برية في لبنان حتّى حسم عدد كبير من أهالي مدينة صور وجوارها قرارهم بالنزوح إلى الداخل اللبناني. فعلى الرغم من الزعم بأن العملية البرية محدودة ولكن “الإسرائيلي كذاب، ويمكن يعمل عملية إنزال بصور متل حرب الـ2006، وبكل الأحوال القصف الإسرائيلي على المدن الجنوبية حيزيد كتير”، بحسب محمد شرف الدين الذي قرر الانتقال مع عائلته إلى مناطق بعيدة عن دائرة القصف الإسرائيلي.
وبالرغم من أن البيانات الإسرائيلية المتلاحقة والتي تدعو فيها سكان وبلدات القرى الجنوبية إلى تركها حفاظًا على سلامتهم وفق زعمها، إلا أنّ ذلك لم يُفرغ تلك البلدات من جميع سكانها، فقد قرر عدد كبير من المواطنين البقاء في منازلهم رغم آلة القتل الإسرائيلية اليومية التي تحاول ترهيبهم وإبعادهم.
أسباب هذا البقاء متعددة ومختلفة ولا يمكن حصرها، فالبعض فضل البقاء بناءً على تجربة غير مشجعة عاشها خلال حرب تموز 2006، والبعض الآخر يرى في بقائه نوعاً من الصمود والتحدي ولإيمانه بقدرته على تقديم المساعدة في الإغاثة وإطلاق المبادرات الفردية، فضلاً عن أسباب أخرى متنوعة.
وبطبيعة الحال ثمة غياب للأرقام والإحصاءات الدقيقة لأعداد المواطنين الذين قرروا البقاء في مدينة صور وقضائها، وهذا ما يؤكده نائب رئيس إتحاد بلديات صور ورئيس بلدية برج رحال، حسن حمود، في حديث لـ”مناطق نت”، مشيراً إلى أن التقديرات تُشير إلى وجود نحو “30 بالمئة من أهالي بلدات وقرى صور لم يغادروا بلداتهم، في حين ترتفع هذه النسبة قليلاً في المدينة”. في المقابل، كل من تحدثوا لـ “مناطق نت” قالوا إنها لا تتجاوز أكثر من 10 بالمئة وفق تقديراتهم.
خيارات صعبة
يصف حمود الوضع بأن “هناك حالة خوف كبيرة والعدو الإسرائيلي يتعمد إلحاق الأذى واستهداف مبان سكنية مستخدماً حجج واهية، لذا فإن المواطنين يتوقعون كل شيء من هذا العدو”. ويلفت إلى “أننا شهدنا عدّة حروب خاضها لبنان مع إسرائيل إلا أن مستوى التدمير وأصوات الانفجارات هذه المرة أقوى والحالة التي نعيشها صعبة جداً”.
ويؤكد حمود أن “المواطنين ليس لديهم كثير من الخيارات، فالإمكانات محدودة والمدارس غير مجهزة”، مُشيراً إلى أنه “عندما نزح أهالي البلدات الحدودية إلى منطقة صور واجهنا كثيرًا من العراقيل كي نستطيع تأمين حاجيات المهجرين وكان المجتمع يُساهم في ذلك”.
ويلفت إلى أنه بحسب معرفته من خلال تواصله مع أهالي البلدة الذين نزحوا إلى المدارس فإنهم لم يتمكنوا من الحصول على الحاجات الأساسية من فرش وغيرها، موضحاً أن “ذلك لا يعدّ تقصيرًا من أهالي المناطق التي استقبلتهم ولكن ذلك يعود إلى ضعف إمكانات الدولة واعتمادها على الجمعيات والمبادرات”. ويؤكد حمود أن “هذا الأمر دفع كثرًا من المواطنين الذين ما زالوا في القرى الجنوبية ولا يملكون موارد مالية تمكنهم من استئجار منزل إلى البقاء في بلداتهم”.
خوف من انقطاع المواد الأولية
ويوضح حمود أن “برج رحال تعرضت لغارتين أسفرتا عن استشهاد شخصين، وهذا ما دفع معظم العائلات إلى النزوح”. ويلفت إلى أن “أصحاب الصيدليات الثلاث وضعوها بتصرف كشافة الرسالة، وهناك أحد متاجر السمانة ما زال يفتح أبوابه ولكن هناك خوفًا كبيرًا من انقطاع المواد الغذائية بسبب صعوبة النقل من بيروت إلى الجنوب”.
البعض فضل البقاء بناءً على تجربة غير مشجعة عاشها خلال حرب تموز 2006، والبعض الآخر يرى في بقائه نوعاً من الصمود والتحدي ولإيمانه بقدرته على تقديم المساعدة في الإغاثة
ويُشير إلى أن “أزمة البنزين بدأت تظهر، فجميع محطات البنزين مقفلة أبوابها وعندما انتشر خبر عن إمكانية أن تفتح احداها أبوابها سرعان ما اصطف المواطنون أمامها”، موضحاً أن “هناك خوفًا من فتح محطات البنزين نظراً إلى تجربة حرب تموز 2006 حيث تعمّد العدو إلى استهدافها”. ويقول إن “المستشفيات كانت تستخدم المولدات الخاصة بسبب انقطاع التيار الكهربائي، إلا أن التواصل مع شركة الكهرباء دفعها إلى تأمين خط توتر عال لها”.
نوع من الصمود
من جانبه، قرر ميلاد طرزي البقاء في بيته الكائن عند مفرق العباسية (مدخل مدينة صور) مع زوجته وابنه، في حين أن ابنته غادرت برفقة زوجها إلى بيروت. وعن سبب بقائه، يقول طرزي: “هناك خياران إما الموت أو أن نعيش بكرامتنا”، مشيراً إلى أنه “يتعاون مع بعض الأصدقاء من أجل تأمين بعض الأدوية من الصيدليات في القرى وتوزيعها في مدينة صور “.
ويعتبر طرزي أن “دوره يكمن في مساعدة المواطنين على الصمود”، وتحدث عن أنه منذ يومين كان يقصد بلدة القليلة لتأمين بعض الأدوية فصادف وجود جريح بعد استهداف البلدة ما دفعه إلى مساعدته ونقله إلى مستشفى جبل عامل.
رفض تكرار تجربة النزوح
من ناحيتها، تُعدد شاديه مصطفى، القاطنة في بلدة معركة الجنوبية، المحال التي ما زالت تفتح أبوابها على رغم كل المآسي التي تعانيها البلدة، “فكل شي ميسّر، تعاونية الساحة فاتحة والخضرجي بعدو فاتح والفرن بعدو شغّال”. وتلفت مصطفى إلى أنه على غير العادة “التيار الكهربائي لم ينقطع بتاتاً ولا حتّى ل_ 10 دقائق”.
وتؤكد مصطفى أن أهلها غادروا البلدة إلا أنها جرّبت النزوح في حرب عام 2006 ولا تُريد تكرار التجربة بل تُفضّل البقاء في منزلها. وبحكم عملها كمساعدة صيدلي فإنها تقوم بفتح الصيدلية التي تعمل فيها عدّة ساعات خلال النهار وتكون بذلك قد أدّت دورها وواجبها الطبي والإنساني في هذه الحرب.
النزوح مستمر
أما علي حجازي فقد قرر الانتقال من بلدته طيردبا إلى مدينة صور وليس إلى الداخل اللبناني وذلك “لأنني لا أحب أن أقصد أي شخص إذ إن هذا الأمر يؤذيني كثيراً”. كما يواظب حجازي على تقديم برنامجه الإذاعي الذي اعتاد على تقديمة على أثير إحدى الإذاعات المحلية.
يؤكد حجازي أن “هناك مشهدين مختلفين بين صور والقرى المحيطة، فمثلاً في مسقط رأسه طيردبا هناك خوف كبير بعد تعرضها لغارات ولم يبقَ فيها سوى عدد قليل جداً من المواطنين الذين ربما لم يختاروا النزوح بناءً على تجارب سابقة، بينما في مدينة صور هناك نوع من الأمان إذ لم يتم استهداف المدينة لغاية الآن”.
وفي الوقت عينه، يؤكد حجازي أن “صور عادةً فيها حياة، في حين أنها اليوم تُعاني والطرقات خالية معظم الوقت باستثناء المواطنين الذين يقصدون الخروج لشراء غرض معين”. ويلفت إلى أنه “لغاية اليوم يمكن أن تجد جميع حاجياتك في المدينة، باستثناء مادة البنزين التي يصعب إيجادها”. ويقول حجازي: “إن كثيرًا من المواطنين ما زالوا يغادرون باتجاه المناطق التي يمكن اعتبارها أكثر أماناً”.
مبادرات فردية
وفي السياق، يرفض الشاب داني قبيسي أن يكون مكانه في ظل هذه الظروف في بيروت بل “مكاني هنا بين الناس وواجبي يحتّم أن أكون بينهم، فأنا خضعت إلى دورات إسعافات أولية وأستطيع مساعدة الناس، بعد أن نقلت أهلي إلى بيروت قررت العودة إلى الجنوب”. ويلفت قبيسي إلى أن “مبادرته في تجميع الأدوية وتوزيعها مجاناً على المواطنين، والتي بدأتها منذ نحو خمس سنوات، أصبح ملزماً بتطويرها وتعزيزها في الوقت الراهن”.
ويُضيفةقبيسي أن “أحد أصحاب الصيدليات أبقاها بعهدتي لتأمين الأدوية للمواطنين، كما قدّم لنا أحد الأشخاص محلًا في “شارع أبو ديب” في صور وحولناه إلى مركز لتجميع وتوزيع الأدوية مجاناً”. ويوضح أن “المشهد في ضواحي صور مبك جداً وصعب كثيراً”.
ويؤكد قبيسي أنه “يمكن الانتقال داخل صور عبر سياراتنا الخاصة ولكن الوصول الى القرى والبلدات المحيطة غير ممكن سوى من خلال الجمعيات الإسعافية”.