“روبن هود” في الضاحية.. هذا ما تفعله سيمارد!
زهير دبس
سيمارد رندة حرب… قد يبدو الإسم غريباً لكنه بالتأكيد ليس إسماً فنياً أو مركباً أو وهمياً.. إنه إسم حقيقي صاحبته هي إبنة محلة تحويطة الغدير في منطقة برج البراجنة، أما لماذا تحمل هذا الإسم الغريب فلذلك قصة نرويها لاحقاً.
حكاية معلمة اللغة الإنجليزية سيمارد مع العمل الاجتماعي والخيري لم تبدأ مع دخولها إلى صفحة «مساحة حب ودعم للنساء» التي انضمت إليها فور تأسيسها بل يعود ذلك إلى وقت طويل وهي حكاية نشأت عليها منذ كانت في عمر السبع سنوات، وهي نهج سار عليه الوالد طوال حياته ووجدت سيمارد نفسها في صلبه. وعنه تروي الكثير من الحكايات.
الصفحة شكلت حالة دعم كبيرة لسيمارد التي تقوم بأعمال خيرية متعددة وأنشطة متنوعة بهدف دعم عملها ومنها فرز «البلاستيك» وتوزيع إعاشات وإفطارات وحملات تبرع وغيرها الكثير.
«روبن هود التحويطة»… «لأجل عمل الخير ورضا ربي وبرّ أمّي أحيا».. عبارتان زيّنت سيمارد صفحتها على الفايسبوك بهما، وهما لم يأتيا من فراغ، بل من مشهد سيمارد وهي تسير في شوارع منطقتها وملاقاة الناس لها، وهم ما أن يروها حتى يلاقوها بعطاءات عديدة متنوعة منها إعانات عينية أو مادية أو بلاستيك الذي تواظب على جمعه وتجيير ثمنه لأعمال الخير.
«لا أستطيع المشي على الطريق.. لا أصل» تقول سيمارد وتقسم بالله على ذلك.. الجميع يوقفونها لإعطائها أموالا، «طبات قناني» مساعدات عينية أو للسؤال عن مشاريعها الجديدة.. في السوبر ماركت يسألونها إن كانت الأغراض لها أو لعمل الخير، فإذا كانت لها فيتم احتسابها وإذا كانت لأعمال الخير يجري التبرع بها!
الدخول إلى منزل سيمارد حرب في محلة تحويطة الغدير في برج البراجنة لا يشبه الدخول إلى أي منزل آخر، فمشهد الأكياس المكدّسة سواء على الشرفة أو في غرف المنزل والتي تتنوع بين إعاشات وفرز «بلاستيك» يجعلك تشعر أنك في مستودع للمؤن وليس في منزل. الكل يأتي إلى هنا ويضع أغراضاً، ولكل واحد من هؤلاء كيس مكتوب عليه إسمه، والأكياس مصنفة، حفاضات، حليب، سكر، رز، بلاستيك وغيرها، ولا يهم ما إذا كانت سيمارد في المنزل لتتسلم ذلك أم لا. الجميع يعرف عمله ويعرف أن الأمانة قد وصلت.
تقوم سيمارد منذ ثلاث سنوات بعملية فرز مخلفات مادة «البلاستيك» وهناك أربع مناطق ترفدها بتلك المادة، حيث تقوم بجمعها على شرفة منزلها قبل ترحيلها إلى المعمل وبيعها ومن ثم تخصيص ثمنها للمساعدات الاجتماعية التي تتنوع بين عينية ومادية. الفكرة تقول سيمارد إنها بدأت من حاجة المدرسة التي تعلّم فيها إلى مادة «البلاستيك»، حيث صُودف أن والد المديرة يملك معملاً لذلك، فبدأوا تجميع «طبات» قناني المياه التي بدأت تتكاثر يوماً بعد يوم من المدرسة والمحيط، حيث خصصت سيمارد حاويتين يجمع فيهما حوالى ٢٥ كيلو من طبات القناني أسبوعياً. وفي المنزل هناك تجميع لـ «البلاستيك» ويشمل قناني وغالونات وجميع أنواع البلاستيك الصلب الذي يتم تجميع حوالى الـ ٣٠٠ كيلو منه شهرياً.
شكّلت صفحة «مساحة دعم وحب للنساء» رافداً قوياً لعمل سيمارد الخيري الذي تقوم به منذ فترة طويلة، وهي تقول إن النساء في الصفحة عزّزوا من طبيعة عملها بشكل كبير.
من المشاهد التي لا تنساها سيمارد عن والدها تقول إنه كان يخرج إلى زاوية الزاروب الذي يقع منزلهم فيه حيث دكان عمتها، فيشتري مجموعة من قناني العصير يضعهم في كيس ويسير في الشارع حيث يوزعهم على كل من يلتقيه. وهو ما تقوم به سيمارد الآن، فما أن تخرج من المدرسة حيث تعلّم حتى تقوم بالعمل نفسه من شراء لمجموعة من قناني العصير توزعهم في الشارع على عمال النظافة من جنسيات مختلفة. وتذكر سيمارد وصية والدها من أن «لا تنتظروا الفقير لكي يمد يده بل بادروا أنتم إلى مد أيديكم تجاهه». هذا السلوك لم يكن مقتصراً على الوالد تقول سيمارد «فوالدتي كانت تتفوق عليه في عمل الخير وهو ما نشأنا عليه وأصبح جزءاً من نمط حياتنا».
بعد وفاة والدتها قرّرت سيمارد توسيع مشروع البر فبادرت إلى الاتصال بصديقاتها وعددهن ثمانية، فاقترحت عليهن المساهمة بمبلغ محدد كناية عن دولار في الأسبوع، وانتقين حالة اعتبرنها تستحق المساعدة العاجلة حيث خصصن لها المبلغ. وتقول سيمارد إن الفكرة توسّعت كثيراً وشملت جميع المعلمات في المدرسة حيث تعلّم وأيضاً أبناء المحلة حيث تقطن، فكبر المبلغ وكثر المستفيدين من حملة التبرّع وأيضاً تجاوز المنطقة وشكل المساعدة ليتوزع ويتنوع بحيث أصبحت مروحة المتبرعين وعطاءاتهم كبيرة وأيضاً المحتاجين التي شملت أشخاصاً من مناطق بعيدة ومتعددة وهي مساعدات وتبرعات عابرة للمناطق والطوائف «وصلنا إلى الكويخات في عكار.. نتلقى من وين ما كان ونعطي وين ما كان».
إضافة لمشروع الـ One Dollar بادرت سيمارد إلى اقتراح آخر هو One Item Project ويقضي باختيار غرض واحد من ضمن قائمة تضم عشرة أغراض تحددها سيمارد سلفاً وفق الحاجة المطلوبة. والسبب في ذلك هو لعدم تكرار الأغراض ذاتها.
مع الوقت تحوّلت سيمارد من إسم مميز إلى عنوان كبير في مجال المساعدات للمحتاجين وأصبحت حالة تشهد لها المنطقة والناس، فما أن تضع «بوست» على صفحتها على الفايسبوك وصفحة «مساحة دعم وحب للنساء» حتى تنهمر التقديمات وينتج عنه ورشة عمل غالباً ما تنتهي بما يشتهي المتبرعون. عن التأكد من طبيعة الحالات ومدى صدقيتها وصحتها تقول سيمارد «أذهب بنفسي للتأكد من ذلك أو أرسل شقيقتي أو بالتواتر بين المجموعة، فجميع من يعمل معي يتمتع بمصداقية عالية، فالشفافية هي شرط للعمل معنا». تتابع سيمارد «التجاوب معنا فاق التوقعات وفي شهر رمضان نقوم بعمل جبار أعجز عن وصفه، فنحن نوزع كل نهار أربعاء في ذلك الشهر ٩٠ كيلو دجاج وهي تقدمة من محلات عديدة أبرزهم «تشيكن حرب» وغيره. ونهار الجمعة نقوم بتوزيع ذبيحة خاروف، وأيام الإثنين والثلاثاء نقوم بتوزيع مؤونة وإعاشات بالإضافة إلى توزيع وجبات جاهزة يومياً نضعها أمام أبواب البيوت دون أن يعرف أصحاب البيوت مصدرها.
عن الذين يستحقون المساعدة والمعايير التي يتم وفقها تحديد الحالة تختصر سيمارد ذلك بالقول «من لا سند لها أو له أو لا معين».
وعن عددهم تقول «حملة مشروع الـ One Dollar تتيح لي مساعدة عشر عائلات بشكل دائم وأربع بشكل متقطع والمساعدة تشمل الأكل والدواء وأدوات الاستعمال المنزلية والشخصية». وعن عدد المساعدات التي تم توزيعها حتى الآن تقول إنها لا تعد لكن تلفت سيمارد إلى أنها بلغت في شهر رمضان وحده ٤٠٠ إعاشة، وأشارت إلى أنها تلقت في الأيام الأولى من شهر رمضان مبلغ ١٢٥٠٠ دولار. وعن السبب في ثقة الناس بها وتحولهم عن المساعدة للجمعيات تقول إن إحدى المتبرعات بادرتها بالقول عندما تعرّفت إلى منزلها «هيدي أول مرة بعرف مصرياتي وين عم بيروحوا».
«لا أتلقى أي مساعدة من أي جمعية وأرفض ذلك وعملنا لا علاقة له بالسياسة لا من قريب أو بعيد» هذا ما تقوله سيمارد وتعزو السبب في ذلك إلى أن «كل الجمعيات التي طرقنا أبوابها خذلتنا ولم تسمع لنا وجميعها متمذهب ومسيّس وتقديماتها محصورة بأشخاص محددين». تتابع «باستطاعتي الآن أن أتبوأ منصب معين في جمعية ما، لكني لا أريد ذلك ولا أريد أن يتحول العمل الذي أقوم به أنا ومجموعة كبيرة من الصبايا إلى جمعية ونفضّل أن نبقى كما نحن عليه الآن، فما نقوم به «تعجز عنه أكبر جمعية بشهادة كثيرين».
«بفضلك يا فرح اليوم في عيلة مكونة من خمسة أشخاص ناموا مرتاحين» هذا ما كتبته سيمارد على صفحتها عن أدمين صفحة «مساحة دعم وحب للنساء» فرح أبي مرشد وقالت عندما تم الهجوم على فرح واتهامها بالتشجيع على المثلية أصبت بالصميم، وكتبت على صفحتي: «اذكروا إسم فرح أبي مرشد جيداً لأنه سيصبح يوم القيامة عالياً».
وذكّرت سيمارد بالآية الكريمة قائلة: «وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله خيراً وأعظم أجراً». وختمت «إذا فرح أبي مرشد مش قبلي فايتة عالجنة أنا ما بدي فوت».