ريما خشيش: لا أستطيع تخيّل نفسي خارج الفن

صوتها هادئ. في اتّصالٍ هاتفيّ، تحدّثنا معها، وكان صوتها كفيلًا بأن يُشعرنا بالأمان لنطرح ما نشاء من أسئلة. وعلى رغم هذا الاطمئنان الذي تبثّه عبر نبرتها الدافئة، تبقى الصرامة حاضرة، وكأنّها تنبع منّا نحن، ولا تتقصّد هي بفرضها. وفي النهاية، إنّ التي نحاورها هي ريما خشيش!
سألناها مباشرة عن صباحاتها:
-
ما أوّل ما تفعلينه في الصباح؟
– أستيقظ باكرًا جدًّا، وأذهب لأمارس مهنتي في التعليم. وإن لم تكن لديّ حصص تعليميّة، أتوجّه مباشرةً إلى النادي الرياضيّ.
-
ما الأغنية التي لا تملّين سماعها أبدًا؟
– من الصعب أن أحصر ذلك في أغنية واحدة، لكن غالبًا ما أستمع إلى أغاني وألحان محمّد عبد الوهاب.
-
أين هو مكانكِ المفضّل للغناء؟
– بيروت، بالطبع. لا يهمّ أين يكون المسرح، سأشعر دومًا أنّه بيتي الثاني.
-
بدأت مشوارك الفنّي طفلة… هل تعتبرين ذلك خطأ بمعايير اليوم؟
– ليس هناك ما هو أبيض بالكامل أو أسود بالكامل. الأمر يعتمد على طريقة تعامل الأهل مع موهبة طفلهم.
بالنسبة إليّ، لم أشعر يومًا بأنّ الأمر أثّر سلبًا في طفولتي.
صحيح أنّني تحمّلت بعض المسؤوليّات في سنّ مبكرة، لكن إذا ما قارنتُ هذه المسؤوليّة مع الإيجابيّات التي اكتسبتها بفضل دخولي المجال الفنّي منذ الصغر، فالكفّة تميل حتمًا إلى الإيجابيّات.
الفضل في ذلك يعود إلى والديَّ، اللذين أكّدا لي منذ البداية أنّ الغناء سيكون نشاطًا أمارسه إلى جانب دراستي.
كان الغناء، بالنسبة إليّ كطفلة، أشبه باللعب…
هو الشيء الذي يجلب لي السرور.
-
ماذا تقولين للمبتدئين في مجالك؟
– الله يعينكن!
في هذا المجال، قد تبدو بعض الأمور سهلة، لكن، أن يجد الفنّان مساره الحقيقي، فهذا أمرٌ بالغ الصعوبة.
-
ما الشيء الذي لا تستطيعين العيش من دونه؟
– الطبيعة… وأشجارها.
-
لو لم تكوني فنانة، ماذا كنتِ لتكوني؟
– لا أستطيع تخيّل نفسي خارج الفن.
ربّما كنتُ أختار أن أكون عازفة إيقاع!
لكن ليس خارج البيئة الفنّيّة، لا أستطيع تخيّل ذلك.
-
لماذا غابت ريما خشيش عن الأضواء، وما السبب؟
– لم أغب، أنا أعمل طوال الوقت. لكنّ الفرص لتقديم أعمالي داخل لبنان قليلة وصعبة.
قدّمتُ عديدًا من الأعمال في الخارج، وكان من الصعب تقديمها هنا. لا يمكنني تحمّل عبء الإنتاج والموسيقى وجميع التفاصيل وحدي. غالبًا، حين أُقيم حفلات في بيروت، أتحمّل كلّ المسؤوليات من الألف إلى الياء.
سيكون أمرًا جميلًا لو تواصل معي قيّمون عى أحد المهرجانات ودعوني لتقديم حفلة.
أمّا بالنسبة إلى المقابلات الإعلاميّة، فأنا لا أحبّ الظهور الإعلاميّ. مذ كنت صغيرة، شاركت في كثير من المقابلات، واليوم، لا أجد فيها متعة. خصوصًا في ظلّ قلّة المنصّات الإعلاميّة التي أجد أنّها تُشبهني أو تعبّر عنّي، ولا أحبّ الظهور إذا لم يكن لديّ ما أقوله أو حفلة أتحدّث عنها.
-
هل تغيّرت بيروت، أم ما زالت تشبهك؟
– تغيّرت بيروت، وأنا أتغيّر معها.
ما زلت أُحبّها، ولا أقوى على العيش بعيدًا عنها.
-
ماذا تعني لكِ الخيام؟ هل لديك ذكريات فيها؟
– لم تكن لديّ كثير من الذكريات في الخيام عندما كنتُ طفلة، لأنّ والديّ تركا البلدة وأنا ما زلت صغيرة. معظم ذكرياتي عنها بُنيت على القصص التي كانا يرويانها لي، وكانا كثيرَي الحديث عنها، ربّما لأنّهما حُرِما منها.
في وقت لاحق، اقتنيتُ أنا وزوجي بيتًا “خربة” في الخيام، وبدأت أزورها بشكل متكرّر. في حينه، اكتشفت كم أنا متعلّقة بهذه البلدة، على رغم أنّني لم أعش فيها فعليًّا- وبالجنوب عمومًا.
في الحرب الأخيرة، شعرت بأنّ تعلّقي بالجنوب أقوى ممّا كنت أظنّ. كأنّ جذوري مربوطة به، على رغم أنّني لا أملك كثيرًا من الذكريات فيه، ولم أعش فيه بشكل مستقرّ. هذا التعلّق غير مفهوم بالنسبة إليّ، ولا أستطيع تفسيره… لأنّني كما قلت، لم أقطن في الجنوب بشكل مستقرّ، ولم أبنِ ما يكفي من الذكريات فيه.
منذ نحو سنتين، وفي منشورٍ له على منصّة «فيسبوك»، وصف المصمّم المسرحيّ والسينوغراف والأكّاديميّ وليد دكروب ريما خشيش بـ «ملاكٍ أبيض يُبحر على غيمةٍ من البنفسج». وعلى رغم أنّنا لم نلتقِ بها، بل تحدّثنا إليها عبر الهاتف، كان صوتها وحده كافيًا لنشعر بروح تلك الملاك البسيطة والوقورة، التي تهبط إلى الأرض بحثًا عن الفنّ، وموسيقى عبد الوهاب، وعن الأشجار الحنون. هي التي تجول في بيروت، فتُحبّها على رغم مآسيها، وترأف بها، كما ترأف بنا ريما خشيش… بصوتها.