زيادة أقساط المدارس الخاصة تنهك جيوب اللبنانيين
في العام الماضي، دفع نقولا الشامي مبلغ 1350 دولارًا أميركيًّا و26 مليون ليرة لبنانيّة عن كل ولد من ولديه بدل أقساط مدارس، الأوّل في الصف الثامن والآخر في الحادي عشر. أمّا هذا العام، فلم يبقَ الرقم كما كان عليه في العام الماضي، إذ ارتفع إلى 1950 دولارًا عن كلّ ولد، فيما بقي المبلغ اللبنانيّ ثابتًا على رقم الـ 26 مليون ليرة. هذه الزيادات في الأقساط لم تقتصر على ثانويّة “البلمند”، حيث يتعلّم أولاد الشامي، وإنّما شملت جميع المدارس الخاصّة التي قرّرت رفع أقساطها على أمل أن ينعكس ذلك على رواتب وأجور الموظّفين والهيئات التعليميّة.
زيادة أقساط مستمرة
تؤكّد رئيسة اتّحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصّة في لبنان، لما الطويل، في حديث لـ”مناطق نت” أنّ ارتفاع الأقساط لهذا العام يراوح ما بين 50 إلى 120 في المئة مقارنةً مع العام الماضي”. وتُشير إلى أنّ “اللافت أنّ هناك ثباتًا بسعر صرف الدولار، وبالتالي فإنّ الكلفة التشغيليّة ثابتة، ومن ناحية أخرى لا يصرّحون عن رواتب وأجور الأساتذة والمعلّمات”. وتوضح الطويل أنّ “هذه الأقساط مبالغ فيها، وهي تختلف جدًّا من مدرسة إلى أخرى على رغم تقارب المستوى التعليميّ بينها”.
يُجمع معظم المطّلعين على قطاع التعليم في لبنان، على وجود قرار لدى المدارس برفع أقساطها، وهذا ما يؤكّده رئيس مجلس إدارة مدرسة الأكاديميّة الحديثة للتعليم، حاتم حلاوي، إذ قال في حديث لـ”مناطق نت”: “طالما يجب زيادة الرواتب والأجور للموظّفين والأساتذة والمعلّمات، وهي تشكّل 70 في المئة من موازنة المدارس، فمن الطبيعيّ أن ترتفع الأقساط، ولا يمكن إعطاء الهيئة التعليميّة حقوقها من دون ارتفاع الأقساط”.
وتوقّع حلاوي “ارتفاعًا في الأقساط العام المقبل كي تعود إلى مستواها الطبيعيّ، لأنّ الرواتب يجب أن تعود إلى ما كانت عليه أيضًا”. ويلفت حلاوي إلى أنّه “على رغم هذه الزيادة في الأقساط إلّا أنّها لم تصل إلى القيمة نفسها التي كانت عليه قبل الأزمة الاقتصاديّة. في حينه كان معدّل الأقساط في مدارس الجنوب نحو 3500 دولار أمّا السنة الحاليّة فهي نحو 2000 دولار”. يُتابع: “المصاريف التشغيليّة ترتفع من عام إلى آخر، مثل الكهرباء وكذلك الرواتب والأجور، أيّ عدنا إلى ما كنّا عليه قبل الأزمة”.
إقبال مرتفع
ويوضح حلاوي أنّ “الإقبال جيّد، ويبدو إلى غاية الآن أنّ أهالي الطلّاب متفهّمون لهذه الزيادات، مع العلم أنّ هناك إحجامًا موقّتًا عن تسجيل الطلّاب في منطقة الجنوب بسبب الأوضاع الأمنيّة”.
هذا الإقبال يتّضح من خلال دراسة أجرتها “الدوليّة للمعلومات” تُبيّن نزوح حوالي 73 ألف طالب من المدارس الرسميّة إلى المدارس الخاصّة بين العام 2020 والعام 2023. وفي هذا السياق، يلفت الباحث في “الدوليّة للمعلومات”، محمّد شمس الدين، في حديث لـ”مناطق نت”، إلى أنّ “هذا النزوح جاء على الرغم من أنّ أقساط المدارس الرسميّة شبه مجّانيّة بينما أقساط المدارس الخاصّة ترتفع من عام إلى آخر”. ويُفسّر شمس الدين هذا السلوك بأنّ “المواطن اللبنانيّ يهتمّ بالتعليم ويسعى إلى حصول أبنائه على تعليم جيّد على الرغم من التكاليف الإضافيّة”.
هوّة بين الأقساط والدخل
ويوضح شمس الدين أنّ ” أقساط المدارس الخاصّة ارتفعت هذا العام بنسبة 50 في المئة و100 في المئة، وهي تراوح ما بين 1500 دولار بالحدّ الأدنى وصولًا إلى 11 ألف دولار في بعض المدارس، وحوالي 70 في المئة من الطلّاب سيتوجّب عليهم دفع قسط سنويّ يبلغ 3500 دولار إلى 4500 دولار”. ويُشير شمس الدين إلى أنّ “هذه الأرقام تُبيّن أن أقساط المدارس الخاصّة ارتفعت بحيث عادت تقريبًا إلى مستويات ما قبل الأزمة، في حين أنّ دخل أكثر من 70 في المائة من اللبنانيين يبلغ نحو 50 في المائة عمّا كان عليه قبل الأزمة في أفضل الأحوال. وهذا ما يُظهر وجود هوّة كبيرة بين أقساط المدارس ودخل اللبنانيّين”.
محمد شمس الدين: أقساط المدارس الخاصّة ارتفعت هذا العام بنسبة 50 في المئة و100 في المئة، وهي تراوح ما بين 1500 دولار بالحدّ الأدنى وصولًا إلى 11 ألف دولار في بعض المدارس
ويضيف “إنّ المواطن اللبنانيّ يحاول تغطية العجز من خلال تحويلات خارجيّة من الأقارب أو الاستدانة أو بيع موجودات وعقارات، لأنّه يدرك أهمّيّة التعليم”.
أقساط مجحفة
وعلى رغم هذا النزوح الكبير نحو التعليم الخاص، فإنّ “هذه الأقساط مجحفة إذا ما قارنّاها بمدخول المواطن اللبنانيّ، إذ لم يعد يستطيع أحد إدخال أولاده إلى المدارس الخاصّة سوى الميسور مادّيًّا”، بحسب الشامي الذي يلفت إلى أنّ “الأهل عادةً ما يكون لديهم أكثر من ولد واحد في المدرسة”.
وبرأي الشامي أنّ “هذه الزيادات تكون مناسبة في حال كانت المدارس ستقوم بإعطاء الهيئة التعليميّة زيادات، أمّا إذا لم يتمّ إنصاف الأساتذة فتكون الزيادات غير عادلة”. ويؤكّد أنّ “المستوى التعليميّ تراجع مع الأزمة الاقتصاديّة، فكثير من الخبرات التعليميّة قرّرت الهجرة إلى دول أخرى، لذا يجب أن يكون هناك تحسينات برواتب الأساتذة من أجل رفع المستوى التعليميّ”.
التفاف على القانون
وفي السياق، تجد الطويل أنّ “كثيرًا من المدارس لا تلتزم بالقانون الذي يُحدّد كيفيّة احتساب الأقساط، لأنّ تحديد الأقساط لا يتمّ مع نهاية العام الدراسيّ، وإنّما بعد دراسة الموازنة من قبل الهيئة الماليّة في لجنة الأهل في خلال الفصل الأوّل من العام الدراسيّ”، موضحةً أنّ “المدارس تقوم بتحديد الأقساط قبل إجراء موازنة سنويّة”.
وتتّهم الطويل “معظم المدارس بأنّها ترفض تطبيق المادّة الرابعة من القانون 1515 المتعلّقة بإجراء قطع حساب مع نهاية العام الدراسيّ. ومعظم المدارس لا تصرّح عن المبالغ التي تتقاضاها بالدولار الأمريكيّ، إذ لا يقومون بإدخالها في الموازنة، وتكون تحت عنوان مساعدة أو مساهمة أو صندوق دعم”، مؤكّدةً أنّ “الموازنة تقتصر على مبالغ زهيدة يتقاضونها بالليرة اللبنانية، وهذا التفاف على القانون”.
وتوضح الطويل أنّ “الدولة قامت بخطوة خاطئة في تحديد سقف 1200 دولار أمريكيّ كمنح للقطاع العام، إذ إنّها بهذه الخطوة تقول للمدارس الخاصّة إنّه يمكنكم زيادة اقساطكم”. وتقول: “على مدى سنوات سابقة كان هناك كثير من المدارس، مثل العرفان والمقاصد، التي يتوجّب عليها متراكمات لصندوق التعويضات بالمليارات، وبعد ارتفاع سعر الصرف تمكّنوا من سدادها على سعر صرف 1500 ليرة لبنانية، مع العلم أنّ هذه الأموال كان قد دفعها الأهالي ولم تصل إلى صندوق التعويضات في حينه”.
وعن دور لجان الأهل، تختم الطويل أنّ “عديدًا من المدارس تقوم بتعليب لجان الأهل من دون إجراء انتخابات مراقبة من قبل وزارة التربية، كذلك فإنّ انتخاب لجنة أهل غير خاضعة للإدارة يعرّض أولاد أعضاء لجنة الأهل للطرد من المدرسة أو يتمّ الضغط عليهم بطرق شتّى”.