زيتون الجنوب لمن استطاع إليه سبيلاً
ينقل إعلام العدوّ الإسرائيليّ حالة تململ وقلق في صفوف مستوطنيه، تحديداً أولئك الذين فرّوا من المستوطنات الشماليّة عند الحدود اللبنانيّة، تاركين حياتهم خلفهم، جرّاء ما يجري على الجهة المقابلة من الحدود، في الجهة اللبنانيّة، إذ لا يزال أبناء بعض القرى يمارسون حياتهم بشكل طبيعيّ، ولو بالحدّ الأدنى، فيقطفون موسم الزيتون وكأنّ حرباً لم تحصل، خصوصاً في المناطق التي تبعد عن الحدود بضعة كيلومترات أو أدنى بكثير.
القطاف في الجنوب الحدوديّ
في المناطق الحدوديّة، الجنوبيّة اللبنانيّة، يعاني سكّان البلدات الممتدّة على طول الشريط الفاصل بين لبنان وفلسطين المحتلّة، من عدم تمكّنهم من قطف محصولهم من الزيتون على نحو آمن. ففي بلدة مارون الرّاس (بنت جبيل) على سبيل المثال، لم يتمكّن غالبيّة أبناء البلدة من التوجّه إلى كرومهم بسبب ما تتعرض له تخوم البلدة من قصف مدفعيّ ورشقات رشّاشة من المواقع الإسرائيليّة.
يقول المزارع علي علويّة، الذي حاول مرّة الوصول إلى كرمه: “لم أتمكّن بسبب إطلاق الرصاص الإسرائيليّ، من داخل المواقع المطلّة على الجهة اللبنانيّة، نحوي”. مشيراً في حديث لـ “مناطق نت” إلى “أنّ مغادرة السكّان بيوتهم إلى خارج البلدة، “ضرَبَ” موسم الزيتون، وكذلك زراعة التبغ”.
المزارع علي علوية: لم أتمكّن من الوصول إلى كرمي بسبب إطلاق الرصاص الإسرائيليّ، من داخل المواقع المطلّة على الجهة اللبنانيّة، نحوي. إنّ مغادرة السكّان بيوتهم إلى خارج البلدة، “ضرَبَ” موسم الزيتون، وكذلك زراعة التبغ.
يختلف الوضع في حولا (مرجعيون) بعض الشيء. يؤكّد فؤاد طاهر أنّه لم يترك البلدة بالرغم ممّا يجري على الحدود. ويضيف في حديث لـ “مناطق نت”: “يختلف موسم الزيتون هذا العام عن العام الماضي، فالحمل قليل، ما يجعل قطافه أصعب، خصوصاً في ظلّ الوضع الأمنيّ القائم اليوم على الحدود”. مشيراً إلى “أنّ الأهالي قطفوا محصولهم في الكروم الواقعة حول منازلهم، أمّا الكروم المنتشرة على تخوم البلدة فهناك صعوبة كبيرة في قطافها”.
“نحن بحالة حرب”، يقول طاهر، مشدّداً على “أنّ الوضع الأمنيّ سبّب أيضاً بانخفاض أعداد العمّال الذين يشتغلون في موسم القطاف، ما جعل أجرة العامل اليوميّة تصل إلى حدود 20 دولاراً. كما أنّ العمل يجري ببطء وحذر، حيث يقصد السكّان كرومهم لساعتين أو ثلاث ساعات في النهار فقط”.
وفي ما يتعلّق بكلفة عصر الزيتون، يُشير طاهر إلى “أنّ المعصرة في حولا سعّرت عصر كيلوغرام الزيت بـسبعين سنتًا، أيّ ما يزيد قليلاً على 10 دولارات للصفيحة الواحدة زنة 15 كيلوغراماً”. بينما بلغت في ربّ ثلاثين (مرجعيون) بحسب “أبو حسن”، الذي قصد بلدته من بيروت للّحاق بالموسم، بما تيسّر، 10 دولارات للصفيحة الواحدة، وبلغ سعر “الغالون” الفارغ نحو 3 دولارات.
في القرى الحدوديّة تتساقط حبّات الزيتون على الأرض، وربّما من “محاسن الصدف، أنّ الموسم الحاليّ ليس كثيف الإنتاج كما الموسم الماضي، وبرغم ذلك، من تمكّن من الوصول إلى بستانه لم يقصّر، سواء أكان الحمل مئة كيلوغرام أو عشرة كيلوغرامات”، بحسب فؤاد طاهر.
زيتون حاصبيّا .. مليونا شجرة
تشتهر زراعة الزيتون في منطقة حاصبيّا منذ عشرات السنين، وفيها بحسب إحصائيّات التعاونيّات الزراعيّة نحو مليوني شجرة زيتون، بعضها من أشجار الزيتون المعمّر الذي يعود إلى العهد الرومانيّ.
وقد برزت أهمّيّة هذه الزراعة في حاصبيّا من خلال الإهتمام الإستثنائيّ للخبراء الإيطاليّين الذين زاروا لبنان أكثر من مرّة في سبيل فحص الزيت “الحاصبانيّ” والتعاون مع جمعيّات لبنانيّة في مجال التدريب وتطوير زيتون حاصبيّا، فبالنسبة إلى هؤلاء يُضاهي زيت حاصبيّا وزيتونها جودة الزيت الإيطاليّ.
تشتهر زراعة الزيتون في منطقة حاصبيّا منذ عشرات السنين، وفيها بحسب إحصائيّات التعاونيّات الزراعيّة نحو مليوني شجرة زيتون، بعضها من أشجار الزيتون المعمّر الذي يعود إلى العهد الرومانيّ.
تُعتبر تربة حاصبيّا ومناخها من أبرز العوامل التي تؤدّي إلى هذه النتيجة الممتازة. وبحسب أحد مزارعي المنطقة هاني حديفي فإنّ “التربة البيضاء تغلب في حاصبيّا، وهي معروفة بحبّها لأشجار الزيتون”.
يختلف إنتاج الزيتون في حاصبيّا، الكثيرة التضاريس، بحسب موقع انتشاره، وهو غالباً ما يكون غزيراً في عام، وضئيلاً في العام التالي، وبحسب حديفي فإنّه “هذا العام كان قليل الزيت، بسبب موجات الحرّ التي ضربت لبنان”.
مَن تمكّن من أهالي حاصبيّا قطاف محصوله فقد فعل، بينما ينتظر الباقون، خصوصاً ممّن يمتلكون أراضٍ عند الأطراف، هدوء الوضع الأمنيّ للقطاف، علماً أنّ الوقت المثاليّ للقطف هو بين نهاية تشرين الأوّل ومنتصف تشرين الثاني. ويقول حديفي لـ “مناطق نت”: “في هذا الموسم كانت النسبة الأسوأ، إذ إنّ كلّ عشرين كيلوغراماً من الزيتون أنتجت نحو كيلوغرامين ونصف الكيلو زيتاً، أيّ نحو 120 كيلوغراماً لكلّ تنكة زيت”.
“لم تكبُر حبّة الزيتون البلديّ في حاصبيّا كما ينبغي هذا العام”، يقول حديفي، مشيراً إلى “أنّ الحبّة الإيطاليّة مناسبة للرصّ أكثر، وذلك بسبب الحرّ والعطش، إذ إنّ غالبيّة الزيتون في حاصبيّا زراعته بعليّة”.
بالنسبة إلى العاملين في قطاف الزيتون، فقد تحدّد في حاصبّيا حصول الرجل العامل على يوميّة تتراوح ما بين 12 و15 دولاراً، والمرأة التي تعمل باللّمّ ما بين 8 دولارات و12 دولاراً، على أن تُباع صفيحة الزيت الطازجة بـ 110 دولارات إلى 125 دولاراً، بينما القديمة من الموسم الماضي بـ 100 دولار أميركيّ، علماً أنّ زيت حاصبيا ولو كان من الموسم الماضي فإنّه يبقى بجودة مرتفعة، بحال كان توضيبه سليماً.
تراوحت أجور العاملين في قطاف الزيتون، في حاصبّيا ما بين 12 و15 دولاراً يومياً، والمرأة التي تعمل باللّمّ ما بين 8 دولارات و12 دولاراً.
تصريف زيت حاصبيّا إلى الخارج
بحسب رئيس “الجمعيّة التعاونيّة لزراعة الزيتون في حاصبيا” رشيد زويهد “طريقان أمام مزارعي الزيتون في حاصبيّا لتصريف إنتاجهم، فبعدما كانوا في السابق، أيّ قبل نحو عشر سنوات، يصرّفون قسماً من إنتاجهم إلى مؤسّسة الجيش اللبنانيّ، باتوا اليوم أمام خيارين اثنين، إمّا التصريف الفرديّ بالمفرّق لمن يرغب من المزارعين، فتُباع الصفيحة أو التنكة بحوالي 120 دولاراً أميركيّاً كمعدّل عام، وإمّا بيعهم لإحدى الشركات التي تعمل على تصدير الزيت إلى الخارج، وهنا يصبح السعر دون مئة دولار بقليل، كون البيع يكون بالجملة”.
ويضيف: “إحدى الشركات هذه، حصلت على ستّة آلاف صفيحة زيت من الموسم الماضي، وعلى 500 صفيحة حتّى اليوم من زيت الموسم الحاليّ، وبالتالي فلا مشكلة تصريف إنتاج بالنسبة للمزارعين ومالكي الأراضي”.
ويتابع زويهد في حديث إلى “مناطق نت”: “إنّ نسبة حمل زيتون هذا الموسم في حاصبيا تصل إلى نحو 40 بالمئة مقارنة مع حمل الموسم الماضي، وأنّ كلّ 70 كيلوغراماً إلى 100 كيلوغرام زيتون تنتج تنكة زيت واحدة، وذلك بحسب موقع الأرض”.
ويضيف زويهد الذي يمتلك معصرة “على البارد”: “إنّ الزيت يتمّ استخلاصه تحت ظروف درجة حرارة عاديّة، ما يضمن المحافظة على جودته، وهي طريقة أنجع بكثير من استخلاص الزيت تحت درجات حرارة أعلى نسبيّاً، تؤدّي إلى زيادة كمّيّته لكن بجودة أقلّ. وإنّ عدداً من المواطنين يدفعون ثمن العصر بالزيت لا بالمال، حيث تحصل المعصرة على نصف كيلو من الزيت مقابل عصر 20 كيلوغراماً من الزيتون”.
ترك الوضع الأمنيّ على الحدود اللبنانيّة مع فلسطين المحتلّة بصمته السلبية على موسم الزيتون هذا العام، لكنّ ذلك لم يمنع أصحاب الرزق من محاولة قطف الموسم، على أمل أن تستقرّ الأوضاع قريباً فيمكنهم تفادي ضياع زيتون القرى الحدوديّة وزيتها.