زينب عثمان من ذوي الإعاقة مرشّحة لبلديّة بعلبك بمشهدها المأزوم

في مدينة تختلط فيها الهياكل التاريخيّة بخراب السياسات اليوميّة، تبرز زينب عثمان كوجه نسائيّ مختلف في مشهد الاستحقاق الانتخابيّ. عثمان المرشّحة إلى عضويّة المجلس البلديّ في بعلبك، تحمل معها صوتًا نسويًّا حقوقيًّا، وحقوق ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصّة، ضمن لائحة يتمثّل فيها الشباب والنساء على حدّ سواء، في محاولة لإحداث خرق في نظام بلديّ محكوم منذ سنوات بالزبائنيّة والشلليّة.
“أحمل القضايا بقلبي وعقلي”
لا تضع عثمان ترشّحها في خانة استثنائيّة، بل تراه امتدادًا لمسار طويل بدأ منذ العام 2005 حين باشرت بالدفاع عن حقوق ذوي الإعاقة. تقول في حديثها إلى “مناطق نت”: “أضع قضايا الناس على عاتقي، أحملها في قلبي وعقلي. قضايا النساء وذوي الإعاقة والعدالة الاجتماعيّة ليست شعارات، بل ما أعيشه وأكافح من أجله”.
تنادي زينب بقضيّة المرأة المتزوّجة من أجنبيّ والمنتَهَك حقّها في منح جنسيّتها اللبنانيّة لأبنائها، وتسعى نحو وطن العلمانيّة والعدالة الاجتماعيّة والديمقراطيّة.
زينب ناشطة حقوقيّة منذ العام 2005 مع الاتّحاد اللبنانيّ للمعوَّقين حركيًّا، وفي العام 2008 بدأت النشاط السياسيّ بالانضمام إلى الحراك الشعبيّ، وكانت حاضرة في مفاصل الحراك اللبنانيّ في الـ 2011، والـ 2015، والـ 2019. في كلّ محطّة، كانت تنضج قناعتها بأن التغيير لا يمكن أن يأتي من الخارج وحسب، بل من صلب المؤسّسات. تحمل هاجس تغيير النظام الطائفيّ المقيت، وكذلك محاربة الأفكار النمطيّة المسبَقة حول بعلبك.
مسار متعدّد لهدف واحد
تحمل عثمان شهادة دراسات عليا في العلاقات الدوليّة والحقوق، وتجمع بين أكثر من مهنة، إذ تعمل في الصحافة الاستقصائيّة، وتدرّس القانون في المعاهد التقنيّة، وتمتهن التعليق الصوتيّ منذ العام 2016. وخلف كلّ هذا التنوّع، توحّدها قناعة واحدة: “النضال من أجل عدالة اجتماعيّة حقيقيّة”.
تقول عثمان: “إنّ قرار ترشّحي لم يكن فرديًّا بالكامل، عديد من الأشخاص شجّعوني على ذلك، بالإضافة إلى هيئات شعبيّة من داخل الحراك ومجموعات نسويّة رأيت فيها صوتًا يمثّلني”.
عن السبب غير المباشر لترشّحها، تذكُر القضايا الحقوقيّة والسياسيّة التي تؤمن بها، حيث إنّ المدينة عبر البلديّات المتعاقبة أصبحت في القعر والقاع بسبب الفساد المستشري، كما قضيّة وصول النساء إلى مراكز صنع القرار، وقضيّة الإعاقة حيث ما من بيئة دامجة بسبب عدم تأهيل المدارس والجامعات، وما من احترام للمواثيق الدوليّة في هذا المجال والتي صادقت عليها الدولة اللبنانيّة دون تطبيق لذلك، ما يحرم ذوي الاحتياجات الخاصّة من حقّ التعلّم، وكذلك حقّ الانتخاب إذ إنّ هذه المدارس مراكز للاقتراع.
تنتقد زينب الواقع البلديّ الحاليّ في بعلبك، وتصفه بـ “الفشل المتراكم”. وتشير إلى أنّ المدينة، على رغم ثرواتها، تعاني من حرمان مزمن وديون متراكمة، “بسبب الفساد وسوء الإدارة
عن رؤيتها الشخصيّة تتحدّث زينب عن بلديّة أكثر شفافيّة أكثر استقلاليّة وأكثر عدالة اجتماعيّة، تعمل على جميع الصُعد “أن نعود لأيّام العفويّة والبرَكة”.
بلديّة بعلبك غنيّة لكنها فقيرة بخدماتها
تنتقد زينب الواقع البلديّ الحاليّ في بعلبك، وتصفه بـ “الفشل المتراكم”. وتشير إلى أنّ المدينة، على رغم ثرواتها، تعاني من حرمان مزمن وديون متراكمة، “بسبب الفساد وسوء الإدارة. بعلبك واحدة من أغنى البلديّات، لكنّها من أفقرها خدماتيًّا”.
وفي هذا الصدد تشير عثمان إلى غياب الشفافيّة، وتحويل المال العام إلى صفقات ترضية لا تخضع للقوانين. وتتحدّث عن ملفّات عالقة مثل ملفّ معمل الفرز الذي تحوّل إلى مطمر، وهبات غذائيّة لم تصل إلى مستحقّيها، وأعضاء مجلس بلديّ استقالوا أو أُقيلوا بصمت ومن دون توضيح.
الرؤية والواقع
عن رؤيتها لـ “بعلبك مدينتي” تقول زينب: “هي بعلبك خالية من الفساد؛ ناس عندهم ضمير، لا يرخّصوا أنفسهم للمال”. تعلّق على أداء آخر مجلس بلديّ فقط، إذ تعتبر أنّه فشل في كلّ شيء. تحلم بالمساءلة والمحاسبة وبِلَملمة خراب الهيكل، ورؤيتها “تفعيل القرار البلديّ وتمكين أبناء بعلبك من إدارة شؤونهم بأنفسهم بعيدًا من الفساد والمحاصصة، من خلال مجلس بلديّ يعمل بشفافيّة وكفاءة، ويضع مصلحة المدينة فوق أيّ انتماء حزبيّ أو طائفيّ”.
“ما من مياه للشرب، وما من مكان جيّد للسكن، والعقارات توزّع كَحُصص ترضية، ثكنة “غورو” لا نستطيع تحويلها إلى مركز للمحافظة، بحيث أنّ ساكنيها مخالفين ولا يرضون بالخروج منها. النفايات تملأ الشوارع، والأرصفة احتلّها التجار ولا احترام لأيّ تنظيم مدنيّ، والتلوّث السمعيّ البصريّ يملأ الأجواء” تقول زينب.
وتضيف زينب “كثيرون يقولون لنا إنّ البلديّة مفلسة فماذا ستنجزون في حال الفوز؟ السؤال: هل نترك السرقات ونتغاضى عنها؟ هل نترك البلديّة التي تقسّم فيها مدّة ولايتها المكوّنة من ستّ سنوات إلى ولايتين إرضاءً للعائلات؟ هل من الممكن التغاضي عن البلديّة المحسوبة على جهة واحدة لنحو 21 سنة؟”.
أسئلة بلا أجوبة
تسأل زينب: “هل ننسى المياه غير المطابقة للمواصفات الصحّيّة في أكبر أربع أحياء بعلبكيّة؟ هل ننسى انقطاع المياه السنويّ عند مطلع كلّ صيف؟ هل ننسى قلّة الهبات الأجنبيّة للبلديّة بسبب انعدام الثقة بها؟ والحصص الغذائيّة التي وهِبَت لبعلبك في إبّان الحرب ولم توزّع على أحد؟”.
عثمان: أرى في ترشّحي خطوة أولى نحو كسر الحلقة المفرغة، وعلى رغم أنّ هجرة أبناء المدينة أفقدني كثيرًا من الأصوات، لكن من بقي في بعلبك يقاوم من أجل الحياة
وتتابع “هل ننسى معمل فرز النفايات الذي أصبح مطمَرًا وما من حقّ وصول للمعلومات في قضيّته؟ يوجد صفقات بالتراضي، ولا يطبَّق قانون الشراء العام وقانون مكافحة الفساد، وهنا نسأل: أين هو رئيس البلديّة الأسبق فؤاد بلّوق؟ لماذا أقيل من دون أن يتمّ التعاطي بشفافيّة مع الناس ليعرفوا سبب الإقالة وإن كان يجب محاسبته؟ لماذا لا يعرف الناس سبب استقالة أعضاء من المجلس البلديّ السابق، دون فتوى أو حكم مسبق؟ يجب أن يفهم الشعب ماذا يحصل”.
الترشّح كفعل مقاومة
تعترف عثمان أنّ طريق التغيير صعب، وأنّ أيّ محاولة إصلاحيّة ستُقابل بمحاولات إفشال. “لا أعد بالمعجزات”، تقول، وتتابع: “أرى في ترشّحي خطوة أولى نحو كسر الحلقة المفرغة، وعلى رغم أنّ هجرة أبناء المدينة أفقدني كثيرًا من الأصوات، لكن من بقي في بعلبك يقاوم من أجل الحياة”. وتضيف: “في ظلّ هذا الفراغ، الترشّح هو فعل مقاومة، وبمجرّد وصول وجوه جديدة إلى المجلس البلديّ يعني فتح نافذة في جدار سميك”.
في بلد ما زال يُدار بعقليّة الحصص والمحسوبيّات، تطرح زينب عثمان سؤالًا كبيرًا: “هل يمكن أن يأتي التغيير من داخل المؤسّسات؟ وهل لصوت نسويّ جريء، مثقّف، ورافض للزبائنيّة، من مكان في مجلس بلديّ مأزوم؟”. لا تعد زينب بإنجازات سريعة، لكنّها تؤمن بأنّ المساءلة تبدأ من الداخل، وأنّ المعركة تستحقّ أن تُخاض، مهما كانت كلفتها.
