سوريات عاملات في الزراعة بقاعًا.. إجحاف ومعاناة
في كلّ يوم عمل موسميّ، تخرج لاجئات سوريّات عاملات في القطاع الزراعيّ من خيمهنّ، عند ساعات الصباح الأولى، إلى حقول الزرع المختلفة في البقاع، في مجموعات اعتادت زراعة المواسم وقطافها وحصادها، منذ أن قدمن إلى لبنان في العام 2011 وما بعده، هربًا من الحرب في بلادهنّ وما تخلّلته من قتل وعنف وتدمير وتهجير في جميع الاتّجاهات، وكان لبنان من نصيبهنّ، حيث يعشن ظروف لجوء قاسية، من قلق وخوف وفقر واستغلال، لعلّ هذه الحال تتبدّل يومًا ما.
“لم يكن خيارنا”
قدمت خواطر (23 سنة)، لاجئة سوريّة إلى لبنان قبل 10 سنوات، أيّ منذ كانت طفلة في عمر الـ13 وهي حتّى الآن لا تزال تعمل في الزراعة، حيث تسكن في منطقة برّ الياس الواقعة في البقاع الأوسط (شرق لبنان) والتي يطلق عليها عاصمة النزوح السوريّ. تقول لـ”مناطق نت”: “أتيت إلى لبنان بسبب الحرب، واضطررت إلى العمل بغية مساعدة عائلتي المؤلّفة من أربعة أشخاص. أتقاضى مبلغ 300 ألف ليرة عن كلّ يوم عمل، لمدة ستّ ساعات أو أكثر، ولا يكفينا هذا الأجر لتلبية حاجاتنا الأساسيّة” إلى جانب ما يجنيه أفراد عائلتها والذين يعملون أيضًا في الزراعة.
وتضيف: “هناك بعض المكافآت التي نحصل عليها أحيانًا من أصحاب الأراضي، وتكون على شكل أموال إضافيّة، وذلك بحسب رضاه عن أعمالنا كمزارعات”.
إنّها المرّة الأولى التي تعمل فيها خواطر وذلك بسبب الحرب، فلو أنّها بقيت في بلدها الأمّ سوريّا، لما كانت اضطرت إلى خوض مثل هذه التجربة المرهقة، على حدّ تعبيرها. ومثلها لاجئات سوريّات كثيرات، عاملات في القطاع الزراعيّ، أجبرتهن ظروف الحرب واللجوء إلى بلد مجاور على العمل في ظروف ليست لائقة ولا عادلة من أجل جني الأموال وتأمين لقمة عيشهنّ وعائلاتهنّ ليس أكثر، والمؤسف أنّ بعضهنّ يعجزن عن تحقيق هذا الأمر في أحيان كثيرة.
برقبتي مسؤوليّة أربعة أطفال
مريم، هي كذلك واحدة من لاجئات قدمن إلى لبنان مع أزواجهن بداية الحرب في سوريّا، وهي اليوم وحيدة، تتحمّل مسؤوليّة إعالة أطفالها الأربعة، وتتراوح أعمارهم بين أربع سنوات و12 سنة، تقول لـ”مناطق نت”: “منذ 10 سنوات وأنا أعمل في القطاع الزراعيّ في البقاع، في برّ الياس حيث أسكن في أحد المخيّمات أو وخارجها، بحسب ما تسمح لي الفرصة ساعية إلى رزقي أينما كان”.
وتضيف: “اتقاضى 300 ألف ليرة بدل أتعاب كلّ يوم عمل لستّ ساعات، أيّ ما يعادل 3.3 دولار ليس أكثر، وهي لا تكفي إطعام أطفالي الأربعة، بعد أن تركنا والدهم وتزوج بأخرى، وباتت جميع متطلّباتهم، من طعام وملبس وطبابة، برقبتي ومسؤوليّتي لوحدي”.
وتكمل: “للأسف لا خيار آخر أمامي، لا يوجد أيّ حلّ لهذا الواقع حاليًّا ولا في المستقبل القريب، عليّ أن أعمل قدر المستطاع لنستمر في العيش هنا”. أمّا الأسوأ بالنسبة إليها فهو “أنّ العمل في هذا القطاع لا يشمل كلّ أيّام السنة وشهورها، وإنّما لمواسم محدّدة، وأيّام الإجازات لا أملك فيها مالًا أبدًا. أمّا تقديمات مفوّضيّة الأمم المتّحدة فإنّها شبه معدومة، فيها بعض الحصص الغذائيّة ليس أكثر”.
لماذا العاملات؟
لأنّهنّ الغالبيّة، النساء اللاجئات من الجنسيّة السوريّة، هنّ اللواتي يعملن في القطاع الزراعيّ في البقاع، بحسب مشاهداتنا هناك “معظمهن لم يكن العمل في الأرض خيارًا لهنّ، بل تمّ إلزامهنّ به، بعدما فرض هذا الأمر أصحاب الأراضي حيث نزحن إليها بقاعًا وشمالًا، كونهنّ منتجات أكثر وبأجر منخفض وأقلّ ممّا يتقاضاه الرجل العامل، من جهة، ونتيجة ثقافة اجتماعيّة سائدة حول دور الأنثى التي تخرج إلى ميادين العمل، ودور الذكر الذي في غالبيّة الأحيان يلازم خيمته عند سنّ معيّن ولا يعمل، من جهة أخرى” يقول الباحث في شبكة المنظّمات العربيّة غير الحكوميّة للتنميّة (ANND) أحمد مروّة لـ”مناطق نت”.
النساء اللاجئات من الجنسيّة السوريّة، هنّ اللواتي يعملن في القطاع الزراعيّ في البقاع، بحسب مشاهداتنا هناك معظمهن لم يكن العمل في الأرض خيارًا لهنّ، بل تمّ إلزامهنّ به
لكن في كلتا الحالتين، “الاستغلال هو السائد” يضيف مروّة، شارحًا: “فهنّ يعملن بشكل غير نظاميّ، أيّ لا عقود عمل ولا حماية اجتماعيّة ولا تغطية صحّيّة، حتّى إنّ إصابات العمل لا يتمّ الاعتراف بها، ويوم الإجازة المرضيّة يتمّ حسمه من أتعابها”.
وتعيش غالبيّة اللاجئات السوريّات العاملات في قطاع الزراعة إرهاقًا وقهرًا مضاعفًا عن غيرهن، بسبب العادات والتقاليد والبيّئة التي أتين منها، والتي تقول عادة بأن المرأة تتحمّل مسؤوليّة إعالة أولادها وحتّى زوجها، وقد صادفنا في أحيان كثيرة، حالات تكون فيها الأمّ والأطفال يعملون لتلبية الحاجات الأساسيّة للعائلة بينما الرجل (الزوج) يستريح في خيمته، وينتظر أجرة زوجته وأطفاله بعد عودتهم إلى الخيمة حيث يقطنون. وما يزيد من بشاعة هذا الواقع، أنهنّ لاجئات الآن، في ظروف معيشيّة صعبة للغاية، وبالتالي فإنّ الصعوبات والمسؤوليّات مضاعفة جدًا.
“جميعهنّ يعشنَ البؤس”
يروي مروّة، تفاصيل واقع تعيشه اللاجئات المزارعات، “هناك حالة صادفتها، وهي استثنائيّة، سيّدة لديها 11 ولدًا وبنتًا، تعمل في الزراعة، الرجل زوجها غائب لأسباب خاصّة، تُّعيل كامل أسرتها، ما عدا الكبار (ولد وبنت) بعد أن تزوّجا، تعاني ظرفًا صحّيًّا صعبًا للغاية، والأجر الذي تتقاضاه لا يكفي حتّى ثمن علاجها الأساسيّ، وعلى رغم ذلك فإنّها لم تنقطع عن الذهاب إلى عملها، إذ لا رفاهيّة لديها للتوقّف عن العمل أو أقلّه الحصول على إجازة مرضيّة في حال احتاجت إلى ذلك”.
“جميعهنّ يعشنَ البؤس” بحسب توصيف مروّة “لكنّهنّ راضيات ومتقبّلات لكلّ ما يجري، ربّما لأن لا حلول أخرى متاحة أمامهنّ. أعتقد أنّهنّ فقدن شعور الحلم وطموحاتهنّ باتت تقتصر على كيفيّة الاستمرار في هذه الحياة، وكيف يدبّرن الشؤون الحياتيّة اليوميّة ليس أكثر”. إنّه أمر مؤسف للغاية، ولكنّه واقعيّ وحقيقيّ إلى أبعد الحدود. ويلفت مروّة إلى أنّ “الأرض شكّلت أوّل تجربة حياة لهنّ، إذ يوجد فتيات لا يعرفن القراءة والكتابة، فهنّ لم يدخلن يومًا مدرسة”.
تحت رحمة الشاويش
يعدّد مروّة التحدّيات والصعوبات التي تواجهها النساء اللاجئات المزارعات، مثل المرض؛ إذ قليلة هي الحالات التي يتقبّل فيها صاحب العمل غيابهنّ ويتمّ استبدالهنّ فورًا، ثانيًا، ليس لديهنّ قوّة التفاوض بالأجور المدفوعة، التي في الأصل ثابتة ومنخفضة جدًّا، غالبيّتهنّ يعملن عبر الشاويش الذي يؤمّن العمل لهنّ، ويتقاضى ثلث الأجر (وهذا غير خاضع للتفاوض بل إنّه أمر ثابت)، أيّ 100 ألف ليرة لبنانيّة من أصل 300 ألف ليرة تدفع كبدل عمل يوم من الساعة الخامسة صباحًا وحتّى العاشرة صباحًا بمعدّل خمس إلى ستّ ساعات عمل تقريبًا، أمّا في حال كان العمل مباشرة، وليس عبر الشاويش، يتمّ دفع المبلغ كاملًا إلى زوجها كونه هو الرجل. يُذكر أنّ الشاويش هو المسؤول والمشرف على شؤون مخيّمات اللاجئين السوريّين.
هنّ مياومات، وعلى رغم عملهنّ في القطاع الزراعيّ إلّا أنّهنّ لا يحصلن على حاجاتهنّ منه، يقول مروّة: “هو أمر ليس متعارف عليه هناك، يخضع لكلّ صاحب أرض، في بعض الأحيان يتمّ الاتفاق على دفع جزء من المال والجزء الآخر كمنتوج. علمًا أنّ غالبيّتهنّ مسجّلات لدى المفوّضيّة، ويحصلن على مساعدات غذائيّة لا تكفي حاجاتهنّ الأساسيّة، خصوصًا في حال كانت الأسرة مؤلّفة من عدد أفراد كبير، ويعتمدن عادة على المراكز الصحّيّة والمستوصفات المتوافرة في المنطقة للطبابة وفي حال المرض”.
بالنسبة إلى العمر، “لا فئة عمريّة محدّدة لعمل النساء، لكنّ المؤكّد أنّهنّ يبدأن العمل في سنّ مبكرة أيّ بسنّ الأطفال وحتّى عمر الستّين، في أنواع أعمال مختلفة في المشاتل والمزارع”، بحسب مروّة الذي يعتقد “أنّ النساء اللاجئات المزارعات لن يتوقّفن يومًا عن العمل، على عكس الرجل”.
في الزراعة قبل النزوح
لطالما اعتاد العمّال من الجنسيّة السوريّة القدوم إلى لبنان، وخصوصًا إلى منطقة البقاع، في مواسم الزراعة والحصاد، ينصبون خيمهم ويسكنونها لأشهر قد تفوق بمجموعها نصف السنة. يقول نقيب المزارعين في البقاع أنطوان حويّك “اعتمد لبنان تاريخيًّا، في القطاع الزراعيّ، على العمالة السوريّة في عكار والجنوب والبقاع، يأتون فرقًا غالبيّتها من البدو، يقيمون عند أحد المزارعين لتأدّية جميع الأعمال الزراعيّة”.
ويضيف لـ”مناطق نت”: “كثيرة هي الزراعات التي يعملون بها وبحصادها أيضًا في البقاع، مثل القمح والبطاطا والخضار على أنواعها والبطّيخ والشمّام والأشجار المثمرة كالعنب والدرّاق والمشمش والتفّاح والإجّاص والكرز، وفي مواسم مختلفة، لكنّ هذا الأمر اختلف بحكم اللجوء السوريّ والذي جعل من هذه الفئة عمّالًا مقيمين دائمًا في لبنان”.
“في الوقت الراهن، يعمل عدد كبير من السوريّين في القطاع الزراعيّ، “لكن لا أرقام دقيقة، رسميّة أو غير رسميّة، يمكن الإستناد إليها في هذا الموضوع أو التأكّد منها”، وفق ما يؤكّد رئيس اللجنة الاقتصاديّة في غرفة التجارة والصناعة والزراعة في زحلة والبقاع طوني طعمة لـ”مناطق نت”.
تضارب في الأرقام
ويضيف: “إنّ عدد السوريّين العاملين في القطاع قبل الحرب في سوريّا، كان يقارب الـ500 ألف عامل موسميّ، فالعمالة السوريّة موجودة تاريخيًّا قبل النزوح السوريّ في لبنان، وهي أساسيّة”. أمّا الغالبيّة، فإنّها من النساء (عاملة حقل) والأطفال ذكورًا وإناثًا، وهذا ما يرفضه طعمة قائلًا: “من غير المقبول عمالة الأطفال ممّن هم تحت السنّ، ويتقاضون أجرة زهيدة للغاية”.
وتقدّر “الدوليّة للمعلومات” عدد العمّال السوريّين في لبنان بنحو مليون عامل في حدّ أقصى، ويشمل هذا العدد العاملين في قطاعات مختلفة، في حين يبلغ عدد العاملين السوريّين المعرّفين لدى منظّمات الأمم المتّحدة حوالي 450 ألفًا، وفق الأرقام المنشورة في الإعلام المحلّيّ.
ويعتمد القطاع بشكل كلّيّ على العمالة السوريّة، على اعتبار أنّ نسبة اللبنانيّين العاملين في الزراعة قليلة جدًّا وشبه معدومة، واليد العاملة المحلّيّة لا تقبل بامتهان أعمال الزراعة، وبالتالي لا بديل عن اليد العاملة السوريّة في هذا القطاع، على حدّ تعبير طعمة، معتبرًا “أنّ هناك ضرورة لإعادة تنظيم هذا القطاع كما في وقت سابق للأزمة السوريّة”.
وفي الآونة الأخيرة، ازدادت المطالبات من أفرقاء سياسيّين عديدين بترحيل السوريّين من لبنان، وسط تجاهل حاجة لبنان لشريحة واسعة منهم كقوّة اقتصاديّة. لا سيّما في ظلّ عدم التوافق الظاهر إلى العلن، بين السلطات اللبنانيّة ومنظّمات المجتمع الدوليّ في ما يتعلّق باللاجئين السوريّين.
ضرورة اقتصاديّة
يختلف المعنيّون في لبنان، حول كيفيّة مقاربة مسألة العمالة السوريّة من منظور شرعيّ أو غير شرعيّ أو من منظور اقتصاديّ في ظلّ أزمة اللجوء والفوضى التي عاشها لبنان في هذا الخصوص. ويرى خبراء الاقتصاد أنّ هذا الملفّ تحديدًا يجب التعاطي معه من منطلق اقتصاديّ بسبب حاجة لبنان لليد العاملة السوريّة في القطاع الزراعيّ كما في القطاعات الأخرى مثل البناء والصناعات الغذائيّة وغيرها.
وهذا ما يؤيّده الخبير الاقتصاديّ بلال علامة، قائلًا في حديث مع “مناطق نت”: “إنّ العمالة السوريّة باتت ضرورة ولا بديل عنها من لبنانيّين أو جنسيّات أخرى، لذا يصعب الاستغناء عنها، وفي حال توافرت البدائل تكون كلفتها مرتفعة جدًّا على المزارعين وبالتالي على السلعة المنتجة التي تباع في السوق المحلّيّة”.
ويضيف: “تعدّ مسألة دخول اللاجئين سوق العمل اللبنانيّة أمرًا استثنائيًّا وخارجًا عن إطار الأنظمة والقوانين راهنًا، بمعنى أوضح، هم مسجّلون كلاجئين ولا يحقّ لهم العمل قانونًا. من هنا كانت مقاربة عملهم وفق معايير الشرعيّة وعدمها”.
يرى خبراء الاقتصاد أنّ هذا الملفّ تحديدًا يجب التعاطي معه من منطلق اقتصاديّ بسبب حاجة لبنان لليد العاملة السوريّة في القطاع الزراعيّ كما في القطاعات الأخرى مثل البناء والصناعات الغذائيّة وغيرها
ويشرح علامة كيف يختلف هذا الواقع كليًّا عن العمالة السوريّة النظاميّة الموسميّة، “التي كان يتمّ استقدامها إلى لبنان للمشاركة في المواسم الزراعيّة ومشاريع البناء قبل العام 2011، وكانت، أيّ العمالة، تُسجّل في خانة إجازات العمل الموسميّة التي تُمنح للعامل السوريّ بحسب مدّة المواسم”. وبرأي علامة أنّ “هذا النمط من العمل يجب المحافظة عليه لأنّه فعليًّا لا توجد بدائل لليد العاملة الموسميّة في لبنان. علمًا أنّ غالبيّة من يقوم بهذه الأعمال من النساء بسبب إنتاجيتهنّ العاليّة وكلفتهنّ المتدنّية”.
للاستفادة من العمالة السوريّة
من هنا، يعتبر علامة أنّه “لا بدّ من إعادة تفعيل نظام العمل الموسميّ وإعطاء هذه الشريحة من العمالة حقوقها وعدم منعها من ممارسة هذه الأعمال لأنّها مفيدة للاقتصاد، حتّى أنّ هذا الأمر يعود على الدولة بالإستفادة كونها تستوفي رسوم الإجازات المفروضة على العمّال الأجانب. وإلّا سيتعرّض القطاع إلى مشكلة نقص في اليد العاملة لا سيّما النساء.
“وهذا ما يفترض أن ينطبق حتّى على أولئك الذين يتواجدون في مخيّمات اللجوء، وعندما ينتهي عملهم الموسميّ، يعودون إلى حياتهم السابقة، ومن شأنه أن يحفظ كرامة العمّال وحقّهم في العمل من دون أن يشكّل عملهم مخالفة قانونيّة يعاقب عليها القانون، خصوصًا في ظلّ الواقع الذي يعيشون فيه”، وفق علامة، الذي يعتبر أنّ “على الأجهزة المعنيّة في الدولة اللبنانيّة تحريك هذه المسألة، لتنظيم هذا العمل، وعدم ترك العاملين رهينة خرق القوانين والفوضى والاستغلال الذي يمكن أن يستعمل للإساءة للعمالة السوريّة في القطاعات التي يشكّل وجودهم فيها حاجة للبنان.
يرعى قانون العمل الموسميّ يرعى العمالة الموسميّة التي تُعنى باستقدام عمّال للعمل في المواسم التي تحتاج إلى يد عاملة خارجيّة، إذ يُعطى العامل إجازة عمل بحسب الموسم الذي يعمل فيه، وهذه كانت محدّدة وموجودة للعمّال السوريّين الذين كانوا يأتون إلى لبنان لجني المواسم والحصاد وغيرها، وهو يطبّق في بعض الفنادق والمطاعم لاستقدام العمّال من أجل المساعدة في وقت الذروة والحاجة، وأكثر من كان يعمل في هذه المهن هم من الجنسيّة السوريّة والمصريّة وبعض الرعايا التي كلفة اليد العاملة فيها متدنّية نسبيًّا، ولكن بعد النزوح السوريّ تبدّلت هذه المعادلة وتقتصر القوانين التي تطبق اليوم على اليد العاملة الأجنبيّة بالإقامات السنويّة بعدما أهمل العمل بالنظام الموسميّ.
قطاع غير منظّم
من جهته، يؤكّد الخبير القانونيّ هاني الأحمديّة أنّ “القطاع الزراعيّ في لبنان مُهمل وغير منظّم، ليس فقط في ما يتعلّق باليد العاملة السوريّة، وإنّما يشمل أيضًا العاملين اللبنانيّين، نساء ورجالًا يعملون في الزراعة”.
ويضيف في حديث لـ”مناطق نت”: “تقصّدت الدولة، على مرّ العقود السابقة، ترك هذا القطاع على سجيّته، من دون أيّ تشريعات، أو تدخّلات من قبل السلطات المحلّيّة (البلديّات) والوزارات المعنيّة، العمل والزراعة. وبما أنّنا نعتمد على العمّال السوريّين بشكل كبير، باتت هذه الفئة من المهمّشين في لبنان”. يذكر أنّ السلطات اللبنانيّة تسمح للعمّال السوريّين العمل في الزراعة وكذلك في البناء والنظافة.
وهنا يميّز الأحمديّة بين اللاجئين/ات السوريّين/ات العاملين/ات في القطاع الزراعيّ، والمسجلين/ات لدى مفوّضيّة الأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين، والذين يستفيدون من تقديماتها وخدماتها، وبين الذين نزحوا إلى لبنان بسبب الحرب وهم غير مسجّلين ولا يستفيدون من مساعدات المفوّضيّة، وهذه الأخيرة، يشكّل العمل في القطاع مصدر رزقها الأساس والوحيد على الأغلب.
ويشرح الأحمديّة، كيف “أنّ العاملات السوريّات، وهنّ النسبة العاملة الأكبر في البقاع، لا يتمتّعن بأيّ حماية قانونيّة، لا يخضعن لأيّ تشريع، وإنّما لسلطة ربّ العمل فقط. هنّ مياومات، ولا يعملن بشكل دائم. علمًا أنّ تشغيل الحوامل وعمالة الأطفال تعدّ مخالفة قانونيّة وفقًا لقانون العمل اللبنانيّ الذي أغفل أمورًا وجوانب كثيرة أخرى تتعلّق بالعاملين/ات في القطاع”.
كيف يمكن حماية حقوق العاملات السوريّات؟
يجيب الأحمديّة: “عادة ما تحمي النقابات حقوق العمّال المنتسبين إليها، ولكنّ المشرّع اللبنانيّ، قال صراحة إنّه لا يجوز إنشاء نقابات أجنبيّة، وبالتالي من أجل الوصول إلى تحقيق هذا الأمر، لا بدّ بداية من معالجة هذا الشقّ عبر تطوير المشرّع للقوانين وتنظيم القطاع ككلّ، خصوصًا أنّ العمالة السوريّة تشكّل حاجة ضروريّة للبنان من الناحية الاقتصاديّة”.