“سُفَر رمضان” تُرهق النساء وتزيد الأعباء

“لقد وضعت على باب البرّاد عبارة: – أنا لست أمًّا مثالية- وهي رسالة لكلّ امرأة، فأنتِ لستِ خارقة، اهتمّي بصحّتك، وحاولي الموازنة بين عملك وحياتك الأسريّة. وإذا لم يكن العمل ضروريًّا، فخفّفي عن نفسكِ”. هذا ما قالته ناديا أحمد لـ “مناطق نت” وعبّرت من خلاله عن رفضها حصر المهام المطبخيّة بالمرأة، والتي تتضاعف مع شهر رمضان. لكنّ كلام ناديا لم يسرِ على فاتن التي تأخذنا من خلال عدسة هاتفها إلى عالم من الألوان في سفرتها الرمضانيّة، فتوثّق شغفها وإبداعها، من خلال صور أطباق شهيّة وحلويّات عصريّة، غزت قلوب متابعيها على “التيك توك” و”الإنستغرام”.

لم تنسَ فاتن جارتها، ففي كلّ يوم، يطرق صحنٌ مُزخرف بابها، لوحة فنّيّة من الفاكهة والقشطة البلديّة. وما هي إلّا ساعات حتّى تطلب الجارة الوصفة، وفي اليوم التالي، يعود الصحن ممتلئًا بصنف جديد، عادة لبنانيّة أصيلة لا تعرف التوقّف.

خلف هذه اللوحة الرمضانيّة الجميلة، تقف نساء لبنان في مطابخهنّ ساعات طويلة، يبدعن بصمت ومحبّة. تقول فاتن، الأربعينيّة المفعمة بالحياة: “كمّ من مرّة أحرقت يديّ أو جرحتها من دون أن أشعر وأنا أحضّر الإفطار”. تضيف لـ “مناطق نت: “كلّ ما نراه في شهر رمضان من بهجة ولمّات عائليّة وعزائم متبادلة هو من صنع المرأة. هي ترى في هذا الشهر فرصة لإظهار إبداعاتها، وبخاصّة إذا كانت متفرّغة لأسرتها وبيتها”.

أعباء مضاعفة وجهود جبّارة

على عكس فاتن، تتحدّث ماغي، وهي أمّ لثلاثة أبناء، عن عبء مضاعف يقع على عاتق المرأة بسبب الاعتماد الكامل عليها فتقول لـ “مناطق نت: “حتّى لو لم تكن عاملة، فالاستعداد لرمضان يتطلّب جهودًا جبّارة. بالكاد خرجنا من الحرب، وما زلنا نصلّح الأضرار في بيوتنا، لذلك لم نتمكّن من تحضير الأطباق الرمضانيّة الأساسيّة كالمعجّنات والكبّة كما كنا نفعل سابقًا”. وتتابع ” يُضاف إلى ذلك مسؤوليّات التسوّق التي تستنزف الوقت والجهد، لأنّنا بتنا ندخل إلى أكثر من متجر بحثًا عن أسعار ملائمة.”

لم تستيقظ زينة على رنين المنبّه “أخذتها النومة”. تضحك وهي تقول لـ “مناطق نت”: “يا حرام، الكلّ ضلّوا بلا سحور! شعرت بالذنب قليلًا، ولكن في الوقت نفسه، لا أريدهم أن يعتمدوا عليّ بهذا الشكل. زوجي إذا لم أُحضر السحور إلى غرفة النوم، يصوم من دون أن يأكل أو يشرب! حتّى أولادي، وهم شبّان تجاوزوا الـ 20، لا يعرفون شيئًا عن تحضير الطعام. كنت أتمنّى لو كان لدي ابنة فتاة، لتكون إلى جانبي وأعلّمها كل ّ شيء”.

على عكس ما قالته زينة عن الدور المنوط بالمرأة خلال شهر رمضان من أنّه واقع صعب، إذ تبقى مسؤوليّة المطبخ حكرًا عليها، فتتضاعف الأعباء خلال هذا الشهر، نظرًا إلى الخصوصية التي يتميّز بها، وما يقتضيه من تحضير يوميّ لأصناف وأطباق معيّنة تستلزم وقتًا وجهدًا كبيرين”.

ترفض سناء، وهي أمّ لأربعة شبّان وفتاة، أن تتحمّل وحدها وابنتها مسؤوليّة الاستعدادات الرمضانيّة. وتتابع لـ “مناطق نت”: “منذ بداية الشهر، ومثل كلّ عام، نوزّع الأدوار. زوجي يتسوّق، وأنا أطبخ، والأولاد يحضّرون المائدة، ويتناوبون على غسل الأطباق”. تسأل سناء: “لماذا يجب على الأمّ أن تفعل كلّ شيء؟ يجب وضع حدود وتوزيع المهام”. وتردف: “عندما كان الأولاد صغارًا، كانت لديّ عاملة تساعدني في المنزل، ولكن بعد تدهور الوضع الاقتصاديّ، اضطررت إلى الاستغناء عنها، وتفاهمت مع زوجي على كيفيّة التعاون للحفاظ على تماسك الأسرة”.

ترفض سناء، وهي أمّ لأربعة شبّان وفتاة، أن تتحمّل وحدها وابنتها مسؤوليّة الاستعدادات الرمضانيّة. تقول “منذ بداية الشهر، ومثل كلّ عام، نوزّع الأدوار. زوجي يتسوّق، وأنا أطبخ، والأولاد يحضّرون المائدة، ويتناوبون على غسل الأطباق”.
لا راحة قبل الإفطار وبعده

من الواضح أنّ حال سناء تعتبر استثناء بالمقارنة مع شهادات أخرى، تثني ناديا أحمد، مسؤولة قسم الروضات في إحدى مدارس بيروت الخاصّة، على أهمّيّة مناقشة هذا الموضوع، معتبرة أنّ “الصعوبات التي تواجه المرأة العاملة في رمضان تتجاوز حدود الاحتمال”. وتصف يومها الرمضانيّ قائلة: “أستيقظ في السادسة صباحًا لتجهيز الأولاد إلى المدرسة، إذ يبدأ دوامي من السابعة وحتّى الثالثة بعد الظهر، نظرًا إلى تقليل ساعات العمل في الشهر الفضيل”.

تتابع لـ “مناطق نت”: “أعود إلى المنزل قرابة الرابعة، وقبل تبديل ملابسي، أتوجّه مباشرة إلى المطبخ لإعداد طعام الإفطار دون أدنى راحة، وهو ما يحتاج وقتًا طويلًا. أحرص على إعداد الأساسيّات وتوفير الوقت عن طريق شراء بعض الأصناف الجاهزة، لكنّني على رغم ذلك أمضي معظم وقتي في المطبخ حتّى وقت الإفطار”.

تضيف “بعد ذلك، أقوم بتنظيف المطبخ وتجهيز بعض الأمور لليوم التالي، وسرعان ما يغلبني التعب. أستيقظ مجدّدًا على صوت المنبّه وأظلّ مستيقظة حتّى الصباح لإنجاز ما تبقّى من مهام المساء، فلا وقت للنوم أبدًا”. تتساءل ناديا: “رمضان شهر الروحانيّات، ولكنّني للأسف لا أجد وقتًا لنفسي، فأنا مكرّسة بالكامل لخدمة عائلتي ولا أعرف أيّ أجر أعظم، أهو أجر الصيام أم أجر خدمة العائلة؟”.

تختم ناديا “لم يعد عمل المرأة اليوم مجرّد إثبات للذات أو بحثًا عن الاستقلاليّة، بل أصبح ضرورة تفرضها الظروف المعيشيّة الصعبة، يدفعها للتعاون مع زوجها لتوفير حياة كريمة. ففي مجتمعاتنا الشرقيّة، لا تزال المرأة تتحمّل المسؤوليّة الأكبر في المنزل والأسرة، وغالبًا ما يأتي نجاحها في التوفيق بين دوريها المهنيّ والأسريّ على حساب صحّتها وراحتها.”

تحدّيات من نوع آخر

لا تقتصر التحدّيات على المرأة العاملة، فديالا، وهي أمّ لأربعة أطفال، فقدت زوجها إثر حادث سير أدخله في غيبوبة مدّة سبع سنوات، وتحديدًا عندما كانت في السادسة والعشرين من عمرها. تتحدّث ديالا عن تجربتها فتقول: “في مجتمعنا، هناك عديد من الأمّهات اللواتي فقدن أزواجهنّ لأسباب مختلفة، ووجدن أنفسهنّ أمام تحدّيات هائلة، إذ عليهنّ أن يكنّ أمًّا وأبًا في آن واحد، وأن يقمن بكلّ شيء بمفردهنّ، وبخاصّة في بلد مثل لبنان، حيث يجب أن نبذل جهدًا مضاعفًا للحصول على أبسط الحقوق”.

تتابع لـ “مناطق نت”: “التحدّيات في شهر رمضان تزداد صعوبة بالنسبة لي كامرأة غير عاملة، فأولادي في سنّ المراهقة، ومع الصيام والتعب من الدراسة، تكثر المشاجرات بينهم، وعليّ أن أتحلّى بالصبر والحكمة في التعامل معهم”. إنّ “معاناة المرأة التي تربّي أسرتها بمفردها كبيرة جدًّا، فوجود الأب، حتّى لو لم يقم بالأدوار التقليديّة كالطبخ والتنظيف، يخفّف عنها كثيرًا من الضغوط، على الأقل ستجد من يستمع إليها ويشاركها همومها” تختم ديالا.

توزيع غير عادل

يؤدّي النظام الاجتماعيّ القائم على التمييز بين الرجل والمرأة إلى واقع مرير تعيشه النساء، ما يدعونا إلى إعادة تقييم جذريّ للتوزيع غير العادل للمهام، والذي يضاعف الضغوط النفسيّة والجسديّة على كاهل المرأة، وبخاصّة في شهر رمضان الفضيل، حيث تحرمها من التمتّع ببركات وأجواء هذا الشهر.

وإذا كان الحلّ ممّا تعيشه المرأة من واقع ضاغط يشمل خطوات عديدة، إلّا أنّه يبدأ في إقدامها على رفض التنميط الذي يلحق بها، ويحصر دورها في التضحية الدائمة، ومن ثمّ يجعلها كالشمعة التي تحترق لتضيء طريق الآخرين، من دون أن تنعم بنورها.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى