شمسطار “تستنسخ” انتخاباتها البلديّة بلا أفق للتغيير

تعدّ شمسطار البقاعيّة، البلدة الأولى في البقاع الأوسط من حيث عدد السكّان وعدد العائلات والكثافة الشعبيّة الناخبة فيها، إذ إنّها شكّلت قديمّا ولا تزال، مركز ثقلٍ انتخابيّ لعديد من نوّاب المنطقة وأسهمت في وصول كثيرين منهم إلى الندوة البرلمانيّة منذ العام 1972 وطَوال عهد الرئيس الأسبق لمجلس النوّاب صبري حمادة.
وشمسطار التي يتجاوز عدد الناخبين فيها، لهذا الموسم من الانتخابات البلديّة والاختياريّة، الـ 18 ألف ناخبٍ، تتميّز بحضورها الثقافيّ والعلميّ وإرثها الأدبيّ والسياسيّ والإعلاميّ والفنّيّ، وبمتخّرجين كثر من رجالات الأدب والسياسة والاقتصاد منذ عشرات السنين، إلى جانب ارتفاع عدد المتخصّصين فيها في الميادين الطبّيّة والهندسيّة والعسكريّة، وشتّى العلوم والمعارف.
واقع شمسطار الانمائيّ
على الرغم من وجود مراكز وإداراتٍ ومؤسّساتٍ رسميّةٍ في البلدة، كدائرة نفوس وفصيلة درك ومركز للأمن العام ومكتب بريد ومكتب لمصلحة المياه وسواها، إلى جانب وجود محكمةٍ شرعيّةٍ ومؤسّساتٍ تربويّةٍ وثقافيةٍّ وعددٍ من الجمعيّات والأنديّة الاجتماعيّة وشخصيّاتٍ رسميّةٍ مختلفةٍ، إلّا أنّها تفتقر إلى مختلف أنواع الخدمات، التي تشكّل أساسًا في نهضتها ونهضة سكّانها، وتوافر متطلّبات التقدّم والسير في مختلف مناحي الحياة عندهم، وتأمين مقوّمات البقاء والثبات في بلدتهم.

وعلى امتداد عقودٍ من الزمن وتعاقب كثيرين من رجالاتها والشخصيّات الفاعلة فيها من سياسيّين وحزبيّين على عديد من المراكز والمناصب الرسميّة، فإنّ شمسطار بقيت خارج دائرة الاهتمام والإنماء على مختلف الصّعد والمستويات. حتّى إنّ الهيمنة السياسيّة عليها منذ بداية التسعينيّات، حجبت عنها كثيرًا من المشاريع الإنمائيّة والخدماتيّة، كمشروع الإنارة على غرار مدينة زحلة، ومشروع توليد الطاقة الشمسيّة، ومشروع إنشاء محطّةٍ لتكرير المياه المبتذلة ومشاريع تنمويّة عدّة.
والبلدة المصنّفة كعاصمةٍ لبلدات وقرى غربيّ بعلبك، لجهة وجود الدوائر الحكوميّة فيها، وتعدّد أسواقها التجاريّة، وموقعها الجغرافيّ الذي يتوسّط المنطقة، لا تزال غارقة بالحرمان المزمن والإهمال المتعمَّد التي تفرضها إرادات سياسيّة وحزبيّة منذ أمدٍ بعيد.
القبضة الحزبيّة على قرارها
في انتخابات العام 1998، أي الانتخابات الأولى التي تمّت بعد انتهاء الحرب الأهليّة، شكّل “حزب الله” تحالفًا انتخابيًّا مع بعض وجوه البلدة الفاعلة، وعددٍ من عائلاتها لخوض معركة انتخاباتٍ بلديّةٍ، بوجه رئيس مجلس النوّاب الأسبق الراحل حسين الحسيني الذي كان يتولّى، يومها، رئاسة البلديّة منذ بداية الستينيّات. آنذاك رفع “الحزب” عنوان الانتخابات إلى مستوى “معركة كسر عظم”، وذلك بهدف إزاحة الرئيس الحسيني عن سلطة البلديّة، الذي كان يعدّه عائقًا أمام تقديم الخدمات والمشاريع الإنمائيّة للبلدة، وأنّه، أيّ الحزب، سيحرّر شمسطار من سلطة الحسيني مطلِقًا شعار “التغيير والإصلاح” على لائحته، واعدًا أبناء البلدة بتحويل بلدتهم إلى “جنّة”.
شمسطار كسواها من المناطق اللبنانيّة، تتحضّر للانتخابات البلديّة والاختياريّة بثوبها القديم، وروتينها السياسيّ المفروض قسرًا من القوى الحزبيّة المهيمنة على نفوس أبنائها.
ومنذ ذاك الحين، وبعد فوز لائحة “حزب الله” بالانتخابات البلديّة في ذلك الحين، لا يزال الحزب يمسك بقرار تشكيل اللوائح البلديّة في شمسطار بكامل أعضائها وتعيين الرئيس مسبقًا كما حصل في انتخابات الـ 2004 و الـ 2010 والـ 2016 المستمرّة حتّى هذا الموسم الانتخابي.ّ
بيد أنّ ما واجه “حزب الله” الرئيس الحسيني واعداً تحقيقه لم يحقّقه، ولم يفِ بتنفيذ وعدٍ واحدٍ من وعوده الإنمائيّة، ولم يَقم بأيّ مشروعٍ من المشاريع التي تخدم البلدة وأبنائها من النواحي الاقتصاديّة والاجتماعيّة والعلميّة.
لا مجال للتغير!
ما هو حاصل اليوم أنّ شمسطار كسواها من المناطق اللبنانيّة، تتحضّر للانتخابات البلديّة والاختياريّة بثوبها القديم، وروتينها السياسيّ المفروض قسرًا من القوى الحزبيّة المهيمنة على نفوس أبنائها، بغياب الإرادة الحرّة المستقلّة لديهم. وتخلّيهم عن تحمّل مسؤوليّة قرارهم الحرّ في ممارسة حقّهم الديموقراطيّ النابع من قناعتهم الذاتيّة دون الخضوع والارتهان لإملاءاتٍ حزبيّةٍ تسلبهم شجاعتهم في اختيار من يريدون.

وإذا كان المشهد الانتخابيّ فيها، حتّى الآن، يشير إلى أنّ “اللعبة” الحزبيّة القديمة لا تزال هي هي كما في السابق، وأنّ لا نيّةَ أو حتّى لا جرأةَ لأحدٍ على القيام بمواجهةٍ تنافسيّةٍ ديموقراطيّةٍ من شأنها أن تُحدث تغييرًا بنيويًّا في الذهنيّة الشعبيّة التي اعتادت على الانكفاء أو الهروب من مسؤوليّاتها تجاه مصلحة البلدة وجعلها فوق كلّ الاعتبارات والمحسوبيّات، فهذا يعني أنّ ما يُسمّى توافقًا في تشكيل لائحةٍ انتخابيّةٍ من لونٍ “ثنائيّ” واحدٍ مُطعَّمًا بأشخاصٍ في “الجيب” الحزبيّ هو تسلّل جديد للسيطرة على البلديّة عبر استخدام مرشّحين من عائلاتٍ “شمسطاريّة” وازنةٍ بهدف الالتفاف على بعض المعارضات العائليّة التي لا يصل صداها إلى أبعد من غرف الجلسات المغلقة.
وقُبيل موعد إجراء الانتخابات برز ترشُّح عدد من الأسماء لخوض المعركة الانتخابية، وحتى الساعة لم يظهر ما يدل على أنّ تلك الأسماء المرشّحة قد تكون في لائحة واحدة، على أن تتوضح الصورة كاملة عشية انتهاء مهلة تقديم طلبات الترشح.
إذاُ، شمسطار بلدة الأحزاب الوطنيّة والقوميّة والأفكار التقدّميّة واليساريّة حتّى منتصف الثمانينيّات، تسلخ ثوبها التحرّريّ وفكرها النضاليّ المنادي بالوقوف إلى جانب القوى الكادحة ومواجهة الاستكبار والاستئثار والعبوديّة مرّةً أخرى، وترتدي عباءة الوصاية والتبعيّة، متخلّيةٍ عن دورها الرياديّ القديم، راضيةٍ بقضاءٍ كتبته أيدي أبنائها بأنفسهم.