صابرين مروّة تشكيليّة جنوبيّة تُقاوم غربتها بالفن
مُبدعة بألوانها، بأفكارها التي جسدتها في اللوحات، بين الأبيض الناصع والبنّي الأسود، والأحمر القانيّ، والأخضر المُزهر، تُدخل صابرين مروّة الفرح إلى القلب المُعتّم في زمن الموت القاتم.
ثمّة 68 لوحة موّزعة بين الحجم الكبير والمتوسّط والصغير ومقاييس تتأرجح ما بين 50 و130 سنتيمترًا، تزرع فيها صابرين مروّة خيالاتها الفنّيّة لتخرج من الواقع الجميل إلى الأرض، الأرض الجنوبيّة الغالية. هي ابنة الزراريّة، القرية المُناضلة والمُجاهدة والبطلة، شريكة التاريخ العاملي المُوغل في النضال.
ثمّة 68 لوحة انطباعيّة ناعمة، هادئة، بخطوط لونيّة مُبهرة، وتدرّج اللون وسطوته على النظر والعين، إلى وحشية مُبهرة من ألوان ناريّة فاقعة.
صابرين مروّة خرّيجة معهد الفنون الجميلة العام 1997، انتقلت للعيش في إحدى البلاد الإفريقيّة. شابّة مُثابرة، جمعت ألوانها وأوراقها وتمّنت أن يُشاركها رفاقها وأصدقاؤها وعائلتها فرح المعرض الأوّل لها، وذلك في “قصر الأونيسكو” بيروت. وبيروت العاصمة التي لا تزال ترفض الخنوع، فكان الأمل يحدوها، مُجسّدًا بلوحتها التي تستهلّ بها المعرض.
فلسطين في الوجدان
تُقدّم صابرين لفلسطين الحصّة المُهمّة من رسوماتها، فترسم مُفتاح العودة، والأمّ التي انتظرت ابنها فعاد مُستشهدًا، وأطفال الحجارة، والعلم الفلسطينيّ الذي بات بعد السابع من تشرين الأول (إكتوبر) الماضي أشهر علم يُرفرف على أسطح الجامعات في العالم برمّته، ويحمله كلّ طفل في أقصى أصقاع الأرض.
سيرة المعرض والذات
صابرين، فنّانة مُميّزة، قلمها الملوّن وريشتها البيضاء نظيفة نقيّة، غير ملوّثة بخربشات عقيمة، ففي معرضها نرى الحروفيّات والطبيعة والمرأة والأرض والعامل والإفريقيّة والمنزل وما يحويه من حياة. تقدّم لنا معرضًا غنيًّا بجماله وموضوعاته، على رغم أنّه لم ينلْ حظّه من الدعاية والإعلام، ربّما لأنّ صيف بيروت احتفاليّ ومهرجانيّ و”هوبرجيّ” لا تأسيسيّ، تغيب عنه الثقافة ليحين أوان موسمها بدءًا من أواخر أيلول وأوائل تشرين.
اعتادت بيروت أن تُقسّم مواسمها، الخريف والشتاء للثقافة، والصيف للسفر والاحتفال، والربيع للثورات. منذ أن تخرّجت صابرين من الجامعة اللبنانيّة “معهد الفنون الجميلة” بشهادة دبلوم دراسات عليا في الرسم والتصوير في العام 1997، اهتمّت بدراستها في دار المعلمين وتخرّجت منه 1999، وتابعت إلى أن وصلت لتحقيق حلمها المتمثّل بتأسيس محترف أسمته “مُحترف فاطمة”، وهو يُعنى بالشؤون الفنّيّة، والافتتاح بات على الأبواب، حيث استقرّت في الجنوب منذ سبع سنوات، بعد هجرة دامت 15 سنة إلى أفريقيا.
صابرين، فنّانة مُميّزة، قلمها الملوّن وريشتها البيضاء نظيفة نقيّة، غير ملوّثة بخربشات عقيمة، ففي معرضها نرى الحروفيّات والطبيعة والمرأة والأرض والعامل والإفريقيّة والمنزل وما يحويه من حياة
عن سرّ اختيار اسم فاطمة للمحترف، تقول صابرين لـ”مناطق نت”: “إنّ فاطمة الزهراء قدوتنا، ويحمل كذلك اسم ابنتي فاطمة وهي من ذوي الاحتياجات والهمم، وسنحاول في محترفنا العمل لأجل هذه الفئة من الناس”.
خارج إطار الرسم انتسبت صابرين إلى جمعيّة الزراريّة الخيريّة، وأسّست جمعيّة (زينون الزراريّة ونحن) التي تُعنى بالشأن الثقافيّ في ضيعتها، إذ تحاول الجمع ما بين الرسم كهواية مُدمجة بدمها والتحضير للمشاركة في معارض، وبين خدمة المجتمع عبر جمعيّة بلدتها وجمعيّتها الخاصّة بها التي تركّز على الاهتمام بالمجتمع الجنوبيّ واللبنانيّ، وبخاصّة المرأة والمراهقين من الجيل الناشئ.
واقعيّة رومانسيّة
تأثرت صابرين في خلال دراستها الجامعيّة بأساتذتها، وفي طليعتهم “الفنّانة فاطمة الحاج والفنّان حسن جونيّ”. وتؤكّد أنّها تحبّ “المدارس الفنّيّة ككلّ، لكنّني أميل إلى المدرسة الواقعيّة والواقعيّة الرومانسيّة، حيث أنقل أحاسيسي، وأضيف ضرباتي، وأعبّر عن تفاعلي مع الألوان، أنا أحبّ الانطباعيّة”.
وبرأي صابرين “لا بدّ من أن يحمل الفنّ قضيّة، ويُعبّر عن هموم وقضايا مجتمعنا التي نعيشها، وأن يحمل رسالة في أن نقاوم من خلال الفنّ واللوحة، كقضية فلسطين”.
شاركت صابرين بمعارض جماعيّة عديدة، منها معرض “فسحة أمل” في النبطيّة، و”سمبوزيوم” في البابليّة، ومعارض في كلّ من صوفر و”على طريق القدس” ببيروت، وفي معارض دوليّة، منها معارض في أنقرة وتونس وأكرا وغانا.
وتشير صابرين إلى أنّ “هذا معرضي الفرديّ الأول، وفكرته تعود إلى ثلاث سنوات، وقد اكتمل هذا العام عدد اللوحات، وعلى رغم الظروف الحاليّة في لبنان والمنطقة ككلّ، رغبت في إقامة المعرض ليكون نوعًا من فسحة أمل وقوّة وقدرة وإيجابيّة، هو نوعٌ من الصمود والتحدّي، نحن كلبنانيّين نُقاوم بكلّ الأساليب المُتاحة”.
تختم صابرين مروّة حديثها فتقول: “الفنّ لم يعد يتبنّى قضايا مُهمّة، نحن نسير بانحدار شديد في عالم الفن، فالتسخيف هو السائد. ونحن نرى التفاهة على مختلف الأصعدة، وعلى كلّ المستويات. هناك بعض المحاولات وبعض الأمور المُضيئة، لكنّ المنحى العام يسير باتّجاه سلبيّ”.