صور المرشّحات والمرشّحين لهندسة أصوات الجماهير

يشي الكم الهائل من الصور المنتشرة بوفرة فوق الجدران وأعمدة الكهرباء وجذوع الأشجار أن ملامح ناس تلك الصور هي جزء لا يتجزأ من برامجهم الانتخابيّة كمخاتير أو أعضاء أو رؤساء بلديات. لكن للصورة منطقها الخاص الذي يتجاوز ببعض الأحيان حتى صاحب الصورة بالذات.
تفور ساحات المدن والضيع اللبنانية بالصور فضلًا عن تلك المنتشرة في الأحياء الداخلية وصور أخرى فوق زجاج السيارات وصولًا إلى صور ضخمة شاهدتها ملصوقة فوق خزانات المازوت والمياه.
يقال أن الصورة عادة ما تتغذى من وقعها على متلقّيها بشكل خاص، فتارة هي محل استحواذ وإعجاب وتارة أخرى محل قنوط ومطّ الشفاه وربما تكون محلّ استئثار بالبصر أو لا مبالاة لكنها في كل الأحوال تراها تعمل بجهد على ضبط النظرات عطفًا على إيقاع ما.
الصورة إن حكت
قد لا تفي تعابير صاحب الصورة حق وجاهته أو حق طموحه أو برنامجه الانتخابيّ وصور أخرى تراها تلبّي لقدرتها على شدّ النظر ما يفوق توقعات صاحبها.
غالبًا ما ترتبط الصورة بالزمن الثابت، بتلك اللحظة التي قد التُقطت بها إلا صور المرشّحين للانتخابات ذلك أن زمن الصورة عندئذ يقع في اليوم التالي لإعلان النتائج ولا سيما في حالة الفوز وما يلي ذلك من أيام.
يحاول المرشّحون عبر صورهم هندسة أنظار ناخبيهم بل وترتيب هذه النظرات بما يتطابق مع تلك الرغبة العارمة بالفوز، والصورة في هذا السياق قد تكون آداة ربح أو آداة هزيمة نكراء.
أبعد من الصورة
تسعى تلك الصورة الفخمة والمعلقة بكل أبهة وجلال إلى ترويض ليس فقط بصر الناظر إنما أيضًا ترويض مزاجه بما يتلاءم مع مزاج صاحب الصورة وبيانه الانتخابيّ المضبوط أو الفضفاض. فالصورة هنا قد تكون فخّ وقد تكون صنّارة صيد وقد تكون شتات مبعثر من الأفخاخ والصنّارات.
التمعّن في صور أكثرية المرشّحين ينمّ عبر بعض الملامح أن تلك الصور تقدّم نفسها كمحاولات جادة للإقناع وصور أخرى تراها للأسف الشديد أقرب إلى نداءات استغاثة
من النافل أنه من المستحيل امتلاك تاريخ العين عطفًا على دعوة الناظر إلى التحديق بصورتي كمرشّح بلدي أو اختياري أو إلى مجلس النوّاب، غير أن طموح المرشّح يسوقه إلى رغبة تملّك تاريخ العين ونظراتها السالفة والتالية وصولًا ربما – في عز احتدام المعركة الانتخابيّة – تملّك حتى إغماضات العين. فمنطق المنافسة يجرّ كل مستلزمات هذه المنافسة إلى ضروب من التصورات التي ليس لها ربّ!!
في قلب ساحة الضيعة
إنها الصورة المعلقة في قلب ساحة الضيعة والتي توقظ في صاحبها حنين الاستحواذ ليس على النظرات فقط إنما أيضًا على الأماني والرغبات… رغبات ناس ضيعته من الرجال والنساء.
فالتمعّن في صور أكثرية المرشّحين ينمّ عبر بعض الملامح أن تلك الصور تقدّم نفسها كمحاولات جادة للإقناع وصور أخرى تراها للأسف الشديد أقرب إلى نداءات استغاثة فضلًا عن تلك الصور التي هي بمثابة دعوة صريحة أو باطنية للتفاوض والهمس واللمز والكلام السري والقيل والقال وما يداخل العالم الجوّاني للضيع والأحياء من وشوشات وهمسات وحرتقات.
بالإجمال، يقال في الصور الكثير. فالصورة كما يرى بعض أهل الإختصاص قد تكون خارطة للهيمنة على الجماعات وقد تكون هدهدة بصرية فوق المشاعر والوجدان وقد تكون، إذا ما كان صاحب الصورة “عظيمًا”، وسيلة تطهير بصري والركون من ثم إلى رؤى من كل فجّ عميق أو من كل حدب وصوب… وأترك لقارىء هذه المادة حرية الإختيار.
صور الانتخابات
وبالعودة إلى فورة الصور في لبنان هذه الأيام، فإن المكان وبسبب كثرة هذه الصور يزداد اتساعًا ببعض الأحيان وبأحيان أخرى تراه محل ضيق شديد… وجوه تبث السكينة والفرح ووجوه أخرى تدفع المرء لإغلاق العينين أو – في حالة كان يقود السيارة – إلى تسكير الكيلو متراج بغية الفرار… مع الإحترام للجميع، كما يقال في هكذا مناسبات.
في أيام الانتخابات تكفّ الصور عن أن تكون أحداثًا مؤقتة تغشى الأبصار بل ترى كثرة هذه الصور ترهق النظر بما يكاد أن يكون لا تناهي الملامح والقسمات …والإبتسامات.
تكفّ صور السادة من المرشّحين والمرشّحات عن أن تكون رهن حدث عابر هو حدث الانتخابات بل تعمد هذه الصور إلى سَوْق المرء لأن يحسب نفسه هو محض العابر وهي – أي تلك الصور – محل ديمومة البقاء. حتى المكان، حتى تلك الجدران والساحات والأزقة والزواريب تراها بحضرة هذا الكم الهائل من الصور كأنها ضيوف والصور هي صاحبة المكان.
الصور بين المجاز والحقيقة
يخال المرء أن المكان بحضرة كل هذه الصور هو مجرد مجاز بينما الصور هي الحقيقة التي لا يرقى إليها الشك وقد استحوذتْ على الأبصار والفضاءات والأفئدة والألسنة والأسماع. إن الصورة قوية جدًا وليس من باب العبث أن طلب ذلك الإمبرطور في إحدى القصص من خدمه إزالة صورة الشلال من قصره لأن صوت ماء هذا الشلال يمنعه عن النوم بعمق. أما أنا، وبعكس ذلك الإمبراطور، أنام ملأ جفوني وإن كانت التأمّل الحْشوري في وجوه أصحاب الصور يقودني من غير قصدي إلى التجسّس على ما تخبىء تلك الصور من نوايا حسنة أو سيئة تاركًا المشهد بهذا السياق يقفز بحرية إلى عيناي الحذرتين.