طلاب البقاع بين الغارات والأون لاين

بعد أن بدأ العام الدراسيّ الجديد يوم الإثنين في الرابع من الشهر الجاري بناءً على قرار من وزير التربية عبّاس الحلبي وذلك وفق المناطق الآمنة بالدوام الحضوريّ والمناطق غير الآمنة للنازحين بالتعليم عن بُعدٍ (أون لاين) لا تزال نسبة المشاركة في الدراسة للطلّاب النازحين متدنّيةً لأسبابٍ موضوعيّةٍ عديدةٍ تشكّل عائقًا أساسًا أمام سير العمليّة التربويّة بالشكل الصحيح، وبالتالي تأثيرها السلبيّ المباشر على نوعيّة التعليم وجودته وكيفيّة إيصال المعلومات للتلامذة النازحين الذين يعيشون اليوم أسوأ لحظاتهم النفسيّة والفكريّة.

طلّاب غرب بعلبك

تضمّ منطقة غربيّ بعلبك عشرات البلدات وآلاف الطلّاب الذين نزحوا إلى مناطق مختلفة من لبنان، بدأوا تعليمهم عن بُعدٍ بنسبةٍ منخفضةٍ جدًّا، لا سيّما طلّاب مرحلة الروضات والحلقتيْن الأولى والثانية، ممّن تتراوح أعمارهم بين الأربع والـ 12 سنةٍ، متأثرين بتداعيات الحرب وأضرارها النفسيّة والأمنيّة عليهم، ما انعكس إحجامًا منهم، وعدم رغبةٍ في متابعة تعليمهم، وفق الوسيلة التي فُرضت عليهم وأجبرتهم على ما لا يرغبون به.

شهادات طلّاب

“مش قادر إتعلم وإفهم وصوت الطيّارة فوق راسي” يقولها التلميذ ع. ج. النّازح مع أهله من بلدة تمنين البقاعيّة، إلى زحلة، وهو متوتّر ويترقّب أن يسمع أصوات طائرات الموت الإسرائيليّة، وهي تدوي بين لحظةٍ وأخرى. يضيف لِـ “مناطق نت”: “أنا في الصفّ الخامس الأساسيّ، وعمري 10 سنواتٍ، لكن ما أشاهده وأسمعه بسبب الحرب جعلني أفكّر أكبر من عمري، حتّى أصبح همّي ليس الدراسة، بل البقاء حيًّا لأنّ تعويض الدروس ممكن، أمّا تعويض الرّوح فمستحيل”.

الطلاب النازحين بين تداعيات الحرب وأضرارها النفسية

ويشير إلى أنّ التعليم “أون لاين” في ظلّ الحرب صعب ولا يمكن أن يعطي نتيجةً، “فكيف يمكنني أن أفهم الدرس وقلبي يرتجف من الخوف، ونفسيّتي تعبانة، وأنا لست في منزلي لأكون مرتاحًا وفكري فاضي؟”. وأخيرًا يدعو ح. ج. وزير التربية والدولة اللبنانيّة للعمل على إيقاف الحرب “ساعتها برتاح نفسيًّا وبصير استوعب الدروس لإنّني أنا شاطر كتير وذكي ومتفوّق بالمدرسة.”

عدم القدرة على تأمين النتّ

وترى ز. د. وهي تلميذة في الصّف السابع الأساسيّ أنّ التعليم عن بُعدٍ يحتاج إلى هاتف أو آيباد “صحيح أنّه متوافر لدينا إلّا أنّه يحتاج إلى النتّ، إمّا من التلفون وهو مكلف، أو من الشبكة الموجودة في مركز الإيواء إن وُجّدت”. وتقول لِـ “مناطق نت”: “إنّ التدريس سيكون بين أربع وخمس ساعات يوميًّا، وهذا يتطلّب كثيرًا من الميغاوات وقد لا أستطيع تأمين الكلفة، لأنّ أبي عامل يومي، ومنذ بداية الحرب نزحنا وصرَفنا ما كان معنا، ونعيش، حاليًّا على المساعدات.”

وتضيف “لم أبدأ بعد بالتعلّم من مركز إيوائي على رغم مرور أيّام على بدء العام الدراسيّ لإنّني غير مستعدّةٍ نفسيّا، لكنّني سأبدأ بداية الأسبوع المقبل، وسأبذل قصارى جهدي للتفاعل مع الأساتذة والانسجام معهم حتىّ أحصّل شيئًا من معلومات الموادّ. وترى أنّ السنة الدراسيّة لن تكون بخيرٍ هذا العام، ولن يتمكّن الطلّاب من الحصول على كامل المنهاج وقد نكون نحن النازحين ضحيّة الحرب ويضيع عامنا الدراسيّ في حين تصل للطلّاب في المناطق الآمنة دراسةً طبيعيّةً وهذا سيؤثّر في النتائج والمستويات.”

تضمّ منطقة غربيّ بعلبك عشرات البلدات وآلاف الطلّاب الذين نزحوا إلى مناطق مختلفة من لبنان، بدأوا تعليمهم عن بُعدٍ بنسبةٍ منخفضةٍ جدًّا، لا سيّما طلّاب مرحلة الروضات والحلقتيْن الأولى والثانية

التعليم بالفيديوهات لا يُفيد

أمّا التلميذ ع. ق. في الصف السادس وهو نازح من بلدته إلى مركز إيواء في الفرزل فيقول لـ “مناطق نت” بأنّ التعليم عبر إرسال فيديوهات مسجّلة للتلامذة ليستمعوا إليها لا يفيد ولا يمكن للتلامذة أن يواكبوا المعلّم في إعطاء الدروس واستيعابها. “لأنّ المحتوى سريع والشرح لا يكون وافيًا، وبالتالي لن يستفيد التلميذ من ذلك إلّا بنسبة خمسة في المئة وهي نسبة معدومة.”

ويفضّل أن يكون التعليم “أون لاين” مباشر مع الأستاذ على أن تكون الحصّة كحصّة الحضور في المدرسة. فهذا ربّما يوفّر المطلوب علمًا “إنّو عنّا مشكلة بالنت لإنّو مرّة بينقطع لإنّو ما في إرسال، ومرّة بيكون الإرسال ضعيفًا”. ويشير إلى أنّ الحضور في الصّف أفضل لو كان بالإمكان “كون الأستاذ موجودًا معنا وبيننا ويتابعنا تلميذًا تلميذًا. مختتمًا بالطلب إلى وزير التربية أن يساوي بين جميع تلامذة لبنان “حتّى ما يظلم حدا، وكلّنا نتعلّم بنفس الوسيلة والأسلوب.”

كيف ستتحقّق الفائدة التعليميّة النازحين؟

يقول الناشط التربويّ مصطفى السيّد أحمد، إنّ التعليم عن بُعدٍ في ظلّ ما يشهده لبنان من محنةٍ، لا يتوافق مع المنهجيّة التربويّة الصحيحة والسليمة إلّا “أنّنا ملزمون به ولكن ضمن الشروط والمعايير التي تقدّم ما أمكن من معلوماتٍ للطلّاب”.

ويضيف لِـ “مناطق نت”: “هناك جملة من العوائق تقف حائلًا أمام تمكين الطلّاب من التعلّم عن بُعد والاستفادة من هذه الطريقة، منها التشويش الذهنيّ والتوتر النفسيّ لأهالي الطلّاب، ما يمنعهم من مواكبة أبنائهم أثناء حصّة التعليم، بالإضافة إلى عدم توافر الأجهزة الإلكترونيّة الضروريّة الخاصّة بالتعليم أون لاين، إذ هناك كثير من أولياء الأمور لا يستطيعون تأمين الوسائل الإلكترونيّة لأولادهم، إلى جانب الأوضاع النفسيّة السيّئة لدى الطلّاب.

وبحسب السيّد أحمد، فإنّ “التعليم عن بُعد، بكلّ أشكاله، لا يعطي النتيجة التربويّة الكاملة، إلّا أنّ هناك حلولًا موقّتةً يمكن اعتمادها وهي الأكثر فائدة؛ منها استخدام تطبيق “زوم” الذي يشبه إلى حدٍّ ما التعليم الحضوريّ كون المعلّم يتابع الكلّ ويناقش الجميع، كذلك فإنّ الطلّاب يكونون أكثر تفاعلًا ومشاركةً من الوسائل الأخرى، كما أنّ تأمين كلفة النتّ للطالب من قبل الجهات المعنيّة تتيح له استخدام هذه التقنيّة”.

ويتابع “وهناك أيضًا، مقترح آخر يتمثّل بتأمين مراكز لتدريس الطلّاب النازحين وفق معيار المكان والجغرافيا مع تأمين كوادر تعليميّةٍ، وبهذا يتوافر التعليم الحضوريّ ويتساوى جميع الطلّاب في تحصيل البرنامج السنويّ دون أن يكون هناك خلل في مستويات الطلّاب على مستوى الوطن”.

آخر علاج الكيّ

“في حال فشلت جميع الحلول أو تمنّعت وزارة التربية عن القيام بها فعندها لا سبيل إلّا للعلاج الأخير وهو الكَيّ، بمعنى إمّا معاملة جميع الطلّاب اللبنانيّين سواسيةً، أيّ التعليم عن بُعدٍ، أو إلغاء العام الدراسيّ بكامله ريثما تتوافر الظروف الأمنيّة لاستكماله على مبدأ: التعلّم حقّ للجميع”، يختم السيّد أحمد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى