طلّاب الجامعة اللبنانيّة بين نيران العمل وضغط الدراسة

بين المحاضرات الطويلة والعمل، ينقسم جزءٌ لا بأس به من طلّاب الجامعة اللبنانيّة. يواجهون تحدّيات الدراسة، وأعباء الأزمة الاقتصاديّة وآثارها التي تُثقل كاهلهم. ووسط هذه الضغوط اليوميّة المستمرّة، تصبح الامتحانات هي الحدّ الفاصل في تحديد أولويّاتهم.

حتّى ذلك الحين، يبقى الطالب متأرجحًا بين التفرّغ للدراسة بغية الحصول على الشهادة، أو الاستمرار في العمل، ممّا يؤدّي إلى تراكم الموادّ فيتأخّر التخرّج، أو ترك الدراسة بشكلٍ نهائّي في بعض الحالات.

طلّاب اللبنانيّة والخيارات الصعبة

يتميّز طلّاب الجامعة اللبنانيّة بتنوّعهم، فهي تحتضن شرائح مختلفة ومستويات علميّة متعدّدة. كذلك تختلف ظروفهم الاقتصاديّة، ممّا يدفع بعضهم إلى المطالبة بإدخال تعديلات على القوانين والمناهج، لتتلاءم مع تحدّياتهم اليوميّة.

من ناحيتها، تستعدّ نغم الشاب (22 عامًا) الطالبة في الجامعة اللبنانيّة- كلّيّة الإعلام، لترك عملها في أحد متاجر بيع الثياب مع انتهاء الشهر الجاري، فهي فقدت القدرة على التنسيق بين دوام الجامعة والوظيفة، وعليها مراجعة الدروس التي تكدّست قبل موعد الامتحانات. تقول نغم لـ “مناطق نت” إنّ “المنهاج صعب والدروس كثيرة، لكنّ أولويتي إنجاز شهادة الماجستير في الإعلام، ممّا يضعني أمام تحدّياتٍ ماليّةٍ صعبة”.

الجامعة اللبنانية في الحدث

يضع انعدام مرونة دوام الجامعة اللبنانيّة، الطلّاب أمام أزمة التوفيق بين الدراسة والعمل. توضح نغم أنّها “تخرج من منزلها عند الثامنة صباحًا إلى الجامعة، وبعد انتهاء الدوام تتوجّه إلى عملها في منطقة الأشرفيّة، ولا تعود إلى المنزل قبل العاشرة ليلًا”. وتضيف: “أشعر بالإرهاق وليست لديّ حياة اجتماعيّة، ربّما يحمل توقّفي عن العمل إيجابيّات على صحّتي ودراستي”.

تغتنم نغم أوقات الاستراحة في العمل لمراجعة الدروس، وحلّ بعض الواجبات. وتذكر أنّه “لا يوجد وقت للراحة حتّى في أيّام الإجازات، فأعوّض خلالها ساعات العمل أو أحضّر الدروس”. وعلى الرغم من الظروف الصعبة التي تواجهها، تحلم نغم في أن تصبح إعلاميّةً ناجحة. لكنّها تفقد الأمل بسبب الوساطات السياسيّة التي تمنع الطلّاب المجتهدين من الوصول إلى تلك الوظائف.

الطلّاب بمواجهة الأعباء المعيشيّة

يختلف طلّاب الجامعة اللبنانيّة من حيث المستوى الاقتصاديّ والمعيشيّ، فيعتمد بعضهم ماليًّا على ذويهم، بينما يضطرّ آخرون للعمل بدوامٍ كامل أو جزئيّ لتأمين مصاريفهم. ومنهم من يلجأ إلى مشاريع صغيرة تؤمّن له مدخول معيّن، من دون الالتزام بدوامٍ محدّد، في حين يكافح بعضهم الآخر الفقر.

في كلّيّة الآداب والعلوم الإنسانيّة في طرابلس، يبادر بعض الطلّاب إلى تنظيم حملات تبرّع لمساندة زملائهم ممّن يواجهون ظروفًا إنسانيّة صعبة، والعاجزين عن دفع الأقساط. ويعتبر بعض الطلّاب أنّ الأوضاع الاقتصاديّة “تنعكس سلبًا على أدائهم التعليميّ، إذ يخيّم التوتّر على أجواء المحاضرات”. يوضح أحد الطلّاب لـ “مناطق نت” أنّ “الضغط الذي نواجهه كبير، ونحن نشهد داخل القاعات حالات إغماء لطلّاب معظمهم موظّفون”.

يوضح أحد الطلّاب لـ “مناطق نت” أنّ “الضغط الذي نواجهه كبير، ونحن نشهد داخل القاعات حالات إغماء لطلّاب معظمهم موظّفون

بين الدراسة والعمل: صراع يوميّ

من جهته، يفتقد جاك (اسم مستعار، 21 عامًا) وهو طالب في السنة الثالثة، يدرس علم النفس في كلّيّة الآداب والعلوم الإنسانيّة في طرابلس، حياته الاجتماعيّة. يقول لـ “مناطق نت” إنّ “معظم الطلّاب يفقدون تركيزهم خلال المحاضرات صباحًا، بسبب انشغالهم في وظائفهم ليلًا”.

وعلى الرغم من تفرّغه للدراسة إلّا أنّه يتعب كثيرًا، يروي أنّه “في أحد الأيّام عدت من الجامعة بعد قضاء الليلة في مراجعة الدروس حتّى الثالثة صباحًا، وقرّرت أخذ قسط بسيط من النوم، لكنّني استغرقت في النوم من دون إرادة لمدّة 13 ساعة”.

خاض جاك تجربة وظيفيّة أثناء العطلة الصيفيّة في أحد المحال التجاريّة، ويذكر أنّه “بعد انتهاء دوامي في الساعة الحادية عشرة ليلًا، كنت أتوجّه إلى المنزل وأراجع الدروس حتّى الثالثة فجرًا استعدادًا للدورة الثانية من الامتحانات، وأستيقظ باكرًا في صباح اليوم التالي للذهاب إلى العمل، كان أمرًا مرهقًا للغاية”.

يتابع جاك دراسته في علم النفس، ويرى أنّ هذا المجال يحتاج إلى دراسة متأنّية. ويؤكّد أنّه “إذا أردنا دراسة هذا الاختصاص نحتاج إلى أن نكون متمكّنين، والمنهاج الذي تقدّمه الجامعة مهمّ خصوصًا في ظلّ الفوضى التي يشهدها المجتمع بسبب الدخلاء على هذا الاختصاص”.

الطلّاب بمواجهة قوانين صارمة

يعاني طلّاب الجامعة اللبنانيّة من صعوباتٍ عدّة، تبدأ من المنهاج التعليميّ الذي يعتبرونه “أقرب إلى الحشو”، ولا تنتهي بتحدّي تحقيق التوازن بين الجامعة والعمل. ويواجهون منع الجامعة من تسجيل المحاضرات صوتيًّا، ممّا يعتبرونه انتهاكًا للقانون ولحقوقهم. إذ تزداد المطالب بالسماح لهم بذلك، لأنّ التسجيل يساعدهم في مراجعة المحاضرات لاحقًا خصوصًا تلك التي تحتاج إلى تركيزٍ أكبر، أو التي يفوّتونها بسبب دوامهم في العمل.

يذكر أحد الطلّاب لـ “مناطق نت” أنّهم “يعرفون الطلّاب الموظّفين من خلال تأخّرهم صباحًا عن المحاضرة، وانصرافهم المبكر”. فينتج عن هذا التقصير في حضور المحاضرات، حمل الطلّاب بعض المواد، لتطول سنوات دراستهم قبل التخرج. ويُرجعون السبب إلى الكمّ الهائل من الدروس التي تتطلّب جهدًا وتركيزًا، فلا تخلو أيّ كلّيّة أو فرع في الجامعة من معاناة الطلّاب من كثافة المواد الدراسيّة.

كلية الآداب والعلوم الساسية التابعة للجامعة اللبنانية في طرابلس

وعلى الرغم من أنّ الجامعة اللبنانيّة تُعفي الطلّاب العاملين من بعض علامات الحضور شرط تقديم ورقة تثبت عملهم، لكنّ تجربة ميري (24 عامًا) أثناء عملها في سلكٍ عسكريّ لم تكن مشجعة. تروي لـ “مناطق نت” أنّها واجهت “صعوبات في مادّة القانون الدستوريّ، واضطررتُ إلى تسجيل المادّة مرّتين، بسبب عجزي عن حضور المحاضرات الطويلة، بالإضافة إلى مراجعة الدروس بمفردي لاحقًا”.

الطلّاب والضغوط النفسية والإضرابات

في حين يستغرق تصحيح الامتحانات في الجامعة اللبنانيّة وقتًا طويلًا، يستمرّ الطلّاب في مراجعة الدروس تحضيرًا للدورة التالية. إذ يصبح التوفيق بين العمل والدراسة أكثر صعوبةً بالنسبة إلى الطلّاب العاملين. توضح ميري أنّه “بين الوظيفة والجامعة، كنت أهمل نفسي بشكلٍ كبير وتعرّضت لضغطٍ مستمرّ”. إضافة إلى ذلك يصطدم الطلّاب بتحدٍّ إضافيّ، يتمثّل في الإضرابات المفاجئة للأساتذة التي تؤخّر التصحيح وتؤجّل المسابقات. ليجد الطلّاب أنفسهم بعد انتهاء الإضراب أمام كومةٍ هائلةٍ من الدروس المتراكمة.

ينتج عن ذلك شكاوى من “سوء إعداد مسابقات الامتحانات”، فبعضهم فوجئ بمسابقات تحتوي على ثلاثة أسئلة فقط، ممّا يحدّ من فرص النجاح، بالإضافة إلى صعوبة الأسئلة نفسها. عن هذا الأمر، يوضح أحد الطلّاب لـ “مناطق نت” أنّ “بعض المسابقات أشبه بحلّ لغز صعب”.

وسط هذه التحدّيات، يشكّل التوفيق بين العمل والدراسة في الجامعة اللبنانيّة اختبارًا حقيقيًّا للصبر والقدرة على التحمّل. تشير ميري إلى أنّه “في مكان عملي، لم يتفهّموا تأخّري بسبب الدراسة وكنت أتعرّض للانتقاد واللوم، والعمل ليومٍ إضافيّ أحيانًا”. من ناحيته، يشير أحد الطلّاب إلى “وجود استثناءات دائمًا في هذه الحالات، عبر العلاقات الشخصيّة بين الطالب وبعض الأساتذة، فيغضّون الطرف عن غيابه”.

حاجز السنوات الخمس

يصطدم طلّاب الجامعة اللبنانيّة بعائقٍ آخر، يتمثّل في منع بقاء الطالب في التخصّص نفسه أكثر من خمس سنوات، ممّا يعرضه للطرد. يتجلّى ذلك من ارتفاع أعداد طلّاب إحدى كلّيّات الشمال الذين قدّموا “طلب استرحام” للسماح لهم بتسجيل سنواتٍ إضافيّة بعد تخطّيهم الحدّ المسموح به، إمّا بسبب انشغالهم بوظائفهم، أو في حالات إنسانيّة أخرى مثل الحمل.

على الرغم من المعارك اليوميّة التي يخوضها هؤلاء الطلّاب، لكنّهم يواصلون سعيهم نحو تحقيق أحلامهم وطموحاتهم، آملين في إحداث تغيير يتناسب مع واقعهم ويسهم في تحسين ظروفهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى