عائلات جنوبية “بنكهة” بقاعية… آل حمية، المقداد، الطفيلي وعلّاو
لأكثر من سبب، تجري عملية الانتقال من منطقة الى أخرى سواء في لبنان او غيره من دول العالم، فهذه الظاهرة المتجذّرة تاريخيًا في حركة الشعوب، تحدث في غالبية الأحيان بين مناطق يجمعها ترابط طائفي أو مذهبي أو قبلي، يرى فيها المنتقل من منطقته إلى مكان آخر في البلد نفسه، ملاذا آمنًا، خصوصًا اذا ما كان دافع الانتقال سببه نزاعات ومشاكل أدت إلى قتل وسفك دماء، أو ربما لأسباب اقتصادية، وفي أحيانًا كثيرة، تتعلق بالزواج العابر للمناطق والعائلات، ما يستدعي انتقال المتزوج إلى البلدة أو المحافظة التي تنتمي إليها زوجته.
انتقال مجموعات من منطقة البقاع اللبنانية، إلى الجنوب اللبناني، ينتمون إلى عائلات شيعية عشائرية معروفة على وجه التحديد، بدأ قبل حوالي 300 عام في ظل الحقبة العثمانية وعلى مراحل عدة، كان من بينها فترة الحرب العالمية الأولى سنة 1914، وما رافقها من مجاعة عرفت بأيام (سفر برلك).
آل حميه والمقداد والطفيلي وعلاو عائلات يعود أساسها إلى منطقة البقاع وأيضًا بعض قرى جبيل (لاسا)، تفرعت إلى بلدات جنوبية عديدة، منها فرون في قضاء بنت جبيل (آل المقداد)، وزوطر الغربية في منطقة النبطية (آل علاو)، وكفرحتى في منطقة صيدا (آل حميه)، ودير الزهراني (آل الطفيلي). وقد باتت هذه العائلات البقاعية الأصل والجذور، جزء لا يتجزأ من النسيج الجنوبي العائلي، على الرغم من عدم تمددها خارج البلدات المذكورة، واقتصار تواجدها الكثيف حصرًا في تلك البلدات. لكنها لا زالت على صلات دائمة مع العائلات الأم في البقاع.
آل حميه والمقداد والطفيلي وعلاو عائلات تعود بجذورها إلى منطقة البقاع وأيضًا بلدة لاسا في قضاء جبيل، تفرعت إلى بلدات جنوبية عديدة، منها فرون (آل المقداد)، وزوطر الغربية (آل علاو)، وكفرحتى (آل حميه)، ودير الزهراني (آل الطفيلي). ولا زالت هذه العائلات على صلات دائمة مع العائلات الأم في البقاع.
آل حميه.. من طاريا إلى كفرحتى وبرجا
تشكل عائلة حميه في بلدة كفرحتى على مقربة من مدينة صيدا حوالي ثلث سكان هذه البلدة، ويتبوأ الكثير من أبنائها مراكز علمية وأدبية واجتماعية.
البروفيسير تيسير عباس حميه، وهو عميد سابق لكلية الهندسة الزراعية والطب البيطري في الجامعة اللبنانية، وباحث زائر في جامعة مايستريخت في هولندا، يوجز أسباب انتقال آل حميه من بلدة طاريا في البقاع إلى كفرحتى.
يقول حميه لـ “مناطق نت” إنه في العام 1771 حصلت في بلدة النبي شيت جريمة ارتكبها العسكر العثماني، تمثّلت بالاعتداء على حرمات أحفاد رسول الله من آل الموسوي، وفي تلك الاثناء، كانت إمارة آل حرفوش تمتد من شمال سوريا وصولًا إلى منطقة عكا في فلسطين مرورًا بسهل البقاع، وكان آل حميه على سدة الوزارة وقوات الجيش والوزراء الاوائل لدى آل حرفوش، وعندما تواردت الأخبار لآل حميه في طاريا وعلمهم بتفاصيل تلك الجريمة، انبرى حمود حميه، وهو أحد الأمراء من آل حميه، وكان فارسًا متمرسًا ومن القبضايات، وتوجه في جوف الليل إلى النبي شيت، وعمد إلى قتل الحاكم العثماني وقطع راسه وأتى به إلى طاريا. وعلى إثر ذلك وخوفًا من ردات فعل العسكر العثماني، نصحه أقاربه بمغادرة طاريا مع عائلته، وهذا الأمر موثّق وفق البروفيسور تيسير الذي قال إنه مذكور في أطروحة الدكتوراه التي أعدها الدكتور حسين حميه حول تاريخ آل حميه، الذي إطلع على الأرشيف العثماني في اسطنبول وحصل على معلومات دقيقة بهذا الشأن.
يتابع البروفسير حميه أن حمود حميه، جاء إلى الجنوب مع أبنائه الثلاثة، فاستقر مع أحد أبنائه (فياض) في بلدة كفرحتى، قضاء صيدا، فيما توجه الآخران إلى أقصى الجنوب وتحديدًا منطقة راميا في قضاء بنت جبيل وشمال فلسطين، ومع مرور الوقت صار قسم من العائلة القادمة من البقاع من آل حسين، نسبة إلى أحد أبناء حمود حميه، وهذه العائلة (الحسين) هي من صلب آل حميه، ومنهم أيضًا آل البيروتي، وفي بلدة الغازية عائلات الحاج والحاج سليمان وسليمان وكذلك آل الراعي، تعود أصولهم إلى آل حميه وفق ما يؤكد في أطروحته الدكتور حسين حميه حول شجرة العائلة.
ويشير حميه أن الأمير حمود حميه وأولاده وأحفاده، كانوا من الناس الأثرياء وتجار الحبوب والماشية، ويملكون نصف أراضي البلدة في مرحلة من المراحل، وهي واحدة من العائلات القليلة التي لم يصيبها الجوع في الحرب العالمية الأولى. مضيفًا أن شخصًا واحدًا من آل حميه سكن بلدة عين بوسوار ويدعى وهبي حميه، وتبوأ في البلدة منصب مختار خلال مرحلة الانتداب الفرنسي، ولكن المختار حميه لم ينجب ذكورًا، وبالتالي لم يعد من وجود لآل حميه في هذه البلدة، مذكّرًا بأن آل حميه في برجا قدموا من طاريا بين 1500و 1600 ميلادية من خلال الزواج.
آل المقداد.. من لاسا ومقنة إلى فرون
لا يعرف غالبية الجنوبيين، وجود عائلة المقداد في مناطقهم، وإذا ما تعرفوا على شخص من أفراد هذه العائلة يبادرون على الفور “انت من البقاع أو جبيل – لاسا). فهذه العائلة التي تعود جذورها الاساسية الى بلدة لاسا في قضاء جبيل، وهي واحدة من القرى الشيعية القليلة هناك، حطت في الجنوب قبل أكثر من مئتي عام، بعدما وصلها حسين المقداد، قادمًا من لاسا على خلفية نزاعات بين ابناء المنطقة.
يؤكد المربي علي عبدالله المقداد، حفيد الشيخ حسين المقداد، لـ “مناطق نت” أن جده لم ينتقل إلى الجنوب على خلفية ضائقة اقتصادية أو زواج، إنما لسبب يتعلق بالمشاكل العائلية المتوارثة حتى اليوم في لاسا، وأول ترحاله في بدايات العام 1800 حط في بلدة زوطر الشرقية المقابلة لقرية فرون، حيث انتقل اليها في وقت لاحق. يتابع المقداد “كان جدي رجلًا ثريًا، فعرض عليه العثمانيون شراء ثلاثة مزارع في المنطقة، مقابل دفع “الوركة” وهي ضرائب كانت تستوفيها السلطات العثمانية، فاشترى مزرعة فرونوعمل لديه الفلاحون “مرابعة” أي أن الفلاح يأخذ ربع المحصول، بينما يحصل هو على الثلاثة أربا .
ويلفت المقداد أن جده تزوج من فتاة فائقة الجمال من قرية نيحا القريبة من فرون من آل الامين، ذاع صيت جمالها في المنطقة، وقد دفع مهرها مئة ليرة ذهبية، ولكنه لم ينجب منها أطفالًا.
ويضيف أن علي بك فواز من تبنين، قد سمع عن جمال هذه المرأة التي تزوج بها المقداد، فأرسل من رجاله لجلبها، بيد أنه لم يتمكن من ذلك وقتل بعدها على يد العثمانيين. وبعد هذه الحادثة صار يفكر حسين المقداد بكيفية حماية زوجته، فتواصل مع بعض المسيحيين في صور، والذين كانت تربطهم علاقات طيبة بالعثمانيين، ومقابل تلك الحماية حصل المسيحيون على نصف الأراضي التي يملكها في فرون، وحاليًا يوجد حارة في وسط البلدة القديمة تسمى “حارة النصارى” سكن فيها العديد منهم، وأن توفيق شاهين من النبطية شقيق النائب الأسبق الراحل رفيق شاهين، كان يأتي لزيارة خاله “الافندي” داوود غندور في بلدة الغندورية الملاصقة لفرون، فعمد إلى شراء نصف الأراضي من المسيحيين لإبن اخته.
ويذكر علي المقداد “ابو حسين” أن جده انجب ستة شبان وخمس بنات من ثلاث زيجات، وكبيرهم من الشباب كان الشيخ محمد علي المقداد، وكان أولاده يملكون أراض، لكنهم لا يملكون النقود، فاضطروا إلى بيع الأراضي تباعًا “للفلاحين” وأن والدي قد باع الأرض لتعليمنا في مدارس النبطية في منتصف خمسينيات القرن الماضي.
ويفيد المقداد أن آل المقداد، توجّهوا من لاسا إلى البقاع، في فترة المجاعة خلال الحرب العالمية الأولى، واستقروا في بلدة “مقنة” التي تضم حاليًا أكثر من 85 بالمئة من سكانها من آل المقداد، كما تسكن في النبطية ثلاث عائلات مقدادية منذ حوالي الستين عامًا.
آل الطفيلي.. جاؤوا من الحجاز وتهامة
ما هو شائع، أن عائلة الطفيلي في الجنوب، وتحديدًا في بلدة دير الزهراني، تعود أصولها إلى منطقة البقاع، لا سيما بعلبك وغيرها من البلدات، لكن عضو مجلس بلدية دير الزهراني الناشط قاسم الطفيلي يؤكد لـ “مناطق نت” أنه إبان الفتوحات الاسلامية، وبعد توجه عمرو بن العاص باتجاه مصر والمغرب العربي، انطلق القائد الاسلامي جنادة بن امية الأزدي الطفيلي الزهراني، من سلالة الصحابي طفيل بن عمرو الدوسي من قبيلة زهران، من بلاد الحجاز وتهامة وعيس باتجاه بلاد الشام. وقد شهد طفيل على فتح مصر وكان أميرًا على غزوات البحر ومكث في بلاد الشام، في منطقة بين البحر (الابيض المتوسط) والنهر (الليطاني) وسميت المنطقة باكملها باسمه، وهي منطقة الزهراني الحالية، وكذلك النهر الذي ينبع من أطراف اللويزة – جرجوع، الذي يحمل إسم الزهراني.
ويضيف الطفيلي “يقال إن القائد جنادة بن أمية الطفيلي الأزدي الزهراني، قد أعجب بطبيعة المنطقة، وعلى أثر ذلك أرسل وراء ربعه “جماعته” وقبيلته للانتقال والسكن في هذه المنطقة “الزهراني” ثم تابع فتوحاته شرقًا باتجاه الشام والعراق وغربًا باتجاه قبرص ورودوس وتوفي لاحقًا ودفن في سوريا عام 87 هجري.
وقال “يُرجح أن يعود أصل عائلة طفيلي الموجودة في مناطق الجنوب، وأكثرها في دير الزهراني، الى نسب هذا القائد الاسلامي، لأنه ليس منطقيًا أن يكون إسم المنطقة لاحقًا “الزهراني” وإسم العائلة “طفيلي” قد ظهر في المنطقة من قبيل الصدفة. ويتابع الطفيلي أن طفيل بن عمرو الدوسي الزهران، كان شاعرًا وأديبًا، وكان من أكرم صحابة الرسول (ص) وتوفي في معركة اليمامة، مؤكدًا أن نسب آل طفيلي يتركز اليوم في منطقة تهامة والباحة في السعودية وفي جنوب لبنان والبقاع اللبناني وفي مناطق النجف والحلة وكربلاء في العراق.
آل علو .. من الهرمل إلى زوطر الغربية
لا يتوفر حدث مدون أو قصة ثابتة، تُنسب إلى أسباب قدوم أفراد من عائلة عَلوً، من مدينة الهرمل البقاعية واستقرارهم الجنوب اللبناني، منذ مطلع القرن التاسع عشر، حيث أصبحت واحدة من أكبر العائلات في بلدة زوطر الغربية، القريبة من مدينة النبطية، وعلى كتف نهر الليطاني، وقد تبوأ عدد من أركانها مناصب في بلديتها منذ مطلع الستينيات من القرن الماضي، كما تبوأ بعضهم منصب المختار قبل ذلك.
يذكر العميد المتقاعد الدكتور احمد علّو وهو أحد أبنائها، أن ما سمعه من أجداده ووالده، أن أفراد من عشيرة آل علًو البقاعية، لم يتجاوزوا الاثنين أو الثلاثة، قدموا مطلع القرن التاسع عشر، متتبعين مجرى نهر الليطاني إلى بلدة العديسة جنوب النهر، أما الباقي فقد تابعوا واستقروا في شمال النهر في بلدة زوطر الغربية، حيث اسسوا عائلات وعملوا في الزراعة وتربية المواشي وتجارتها، وبنوا بيوتًا، واشتروا أراضٍ كثيرة.
وقال علّو “تتعدد رويات أسباب هذا القدوم إلى المنطقة، فمن أسباب قتصادية إلى أسباب ثأرية إلى الابتعاد عن بعض العادات والرغبة في تغيير أسباب العيش، ونمط الحياة في بقعة قاحلة في جرود الهرمل، وربما الرغبة في بناء مستقبل أفضل لابنائهم، بعيدًا عن الداخل ويكون قريبًا من الساحل.
ويلفت، العميد علو أن والد جده، هو الذي قدم إلى المنطقة ومعه شقيقيه، حيث بقي أحدهم في العديسة وعرفوا فيما بعد بآل “البعلبكي” نسبة إلى بعلبك، وذلك عند تسجيل إحصاء 1932، وهذه الرواية قوطعت مع بعض آل بعلبكي في النبطية وبيروت وأكدوا صحتها.
ويختم العميد علًو، أن عائلة علو اليوم من أكبر العائلات في زوطر الغربية، كما أن أحد أبناء جدي الحاج أحمد الحاج حسين علو، وهو الحاج علي أحمد علو “والدي” قد تزوج من آل غندور من النبطية الفوقا وانتقل إليها، حيث بنى بيتًا وكذلك فعل أبناءه وهم من سكان النبطية الفوقا حتى اليوم، ولكنهم أبقوا سجلات نفوسهم في زوطر الغربية، إذ تعود لهم ملكية عقارية ورثوها عن أجدادهم.