عبد الجليل وهبي.. شاعر الأغنية اللبنانيّة وأغنيات “ع مدّ النظر”
كثيرة هي الأغنيات التي ردّدناها واعتقدنا أنّها من التراث اللبنانيّ المنحدر منذ القدم. وأخرى ذاع صيتها وارتبطت باسم مغنّيها ومؤدّيها مثل “بالساحة تلاقينا”، “جنّات ع مدّ النظر”، “عاللّومة”، “بترحلك مشوار” وغيرها من أغاني الصوت الكبير وديع الصافي، ويقف خلف تلك الكلمات شاعر موهوب عُرف بغزارة إنتاجه في داخل مكتبة الأغنية اللبنانيّة هو الشاعر عبد الجليل وهبي.
تعود أصول عائلته إلى بلدة حاروف الجنوبيّة في قضاء النبطية. ولد في حلب سنة 1921، وانتقل طفلًا مع عائلته إلى بيروت، حيث انضمّ إلى تلامذة مدرسة حوض الولاية في منطقة البسطة (تعتبر من أولى المدارس المجّانيّة في لبنان بعدما حوّلها السلطان العثمانيّ عبد الحميد الثاني من مدرسة حربيّة للضبّاط إلى مدرسة لتعليم الأطفال الفقراء) وتخرّج منها بشهادة البكالوريا التي كانت تعتبر في حينه، إنجازًا مهمّا لا يحقّقه إلّا المتفوّقون.
عشق الشعر منذ نعومة أظفاره، واعتلى المنابر بعمر السادسة عشرة، إلى أن التقى الأسعدين: سابا والسبعليّ، فأسّس معهما “عصبة الشعر”. تبارى مع كبار شعراء الزجل، نذكر منهم: خليل روكز، محمّد المصطفى، زين شعيب، موسى زغيب، وغيرهم. بعد الاختبار والممارسة في مجال الشعر المنبريّ، نحا باتّجاه الشعر الغنائيّ، ليلقّب في ما بعد بـ”شاعر الأغنية اللبنانيّة”.
الثلاثيّ وهبي
تزوّج عبد الجليل وهبي عدّة مرات، لكنّ زوجته الثانية لعبت الدور الأهمّ في حياته الفنّيّة والمهنيّة، هي بهيّة عوّاد التي كانت من المشاركين في بناء هويّة الأغنية اللبنانيّة بصوتها الشجي. نشأت في عائلة فنّيّة من أصول يهوديّة، هي ابنة موسيقيّ ومطربة، وشقيقة نرجس شوقي التي اشتهرت في العراق وغنّت لكبار الملحّنين العراقيّين. وهي والدة عازف البيانو العالمي عبد الرحمن الباشا.
هي بهيّة، وعرفت بأسماء عديدة مثل “بيبي” و”بهيّة وهبي” وعرفت لاحقًا بالمطربة “وداد” بعد أن انفصلت عن عبد الجليل وهبي وتزوّجت من توفيق الباشا، أحد اعلام الموسيقى اللبنانيّة والعربيّة. في كواليس الإذاعة اللبنانيّة تعرفت على عبد الجليل وهبي وغنّت له نحو ثلاثين أغنية، وتزوّجت منه في العام 1950، كتبت عنها مجلة “الإذاعة” في العام 1945: “ما برحت المطربة المبدعة بهيّة وهبي في كازينو طانيوس بحمدون تنشد كلّ ليلة أغنياتها بحنجرتها الرقيقة الناعمة، مثيرة إعجاب الجمهور.
تزوّج عبد الجليل وهبي عدّة مرات، لكنّ زوجته الثانية لعبت الدور الأهمّ في حياته الفنّيّة والمهنيّة، هي بهيّة عوّاد التي كانت من المشاركين في بناء هويّة الأغنية اللبنانيّة بصوتها الشجي، وعرفت بأسماء عديدة مثل “بيبي” و”بهيّة وهبي” وعرفت لاحقًا بالمطربة “وداد”.
وتمتاز بهيّة باجتهادها الفنّيّ وحسن تأديتها للأغنيات، وبتجدّدها الدائم في أغانيها والحانها”. لكن العلاقة بين المغنّية والشاعر كانت غير مستقرّة، فكتبت مجلّة الإذاعة اللبنانيّة في العام 1952 “طلاق فنّي جديد” بعد أن شكّلا سويًّا ثنائيًّا فنّيًّا ناجحًا، وارتبط هذا الثنائيّ بالملحّن فيلمون وهبي، وعرف هذا الثلاثيّ بـ”ثلاثيّ وهبي” الذي لمع بشكل خاص في محطّة الشرق الأدنى.
شاعر الأغنية اللبنانية
في العام 1953، انضمّ عبد الجليل وهبي بصفة شاعر إلى الإذاعة اللبنانيّة، وشغل فيها مركز رئيس قسم اختيار النصوص الغنائيّة حتّى العام 1975. كانت الإذاعة في السراي الحكوميّة، ومن اقطابها آنذاك ميشال خيّاط وحليم الروميّ اللذين طلبا إليه التخلّي عن الشعر المنبريّ وقافيته الواحدة والنغم المتواصل، والتركيز على القصيدة القصيرة المختصرة المنوّعة القوافي، وأن تكون باللهجة اللبنانيّة مع مراعاة تبسيطها والتوفيق بين اللهجة المحلّيّة والإقليميّة لتصل للمستمعين في البلاد العربية كافة، وكان هذا الخيار له الفعاليّة في تعزيز الهويّة الغنائيّة اللبنانيّة.
بعد التزامه بنصيحة ميشال خيّاط وحليم الرومي، أصبح من رواد الأغنية باللهجة اللبنانيّة قبل ظهور الأخوين رحباني بسنوات. وكرّت سبحة أغنياته لتكون على لسان العديد من المطربين أمثال: حليم الرومي، وديع الصافي، صباح، سعاد محمّد، نور الهدى، زكيّة حمدان، نجاح سلام، وداد، نصري شمس الدين، سميرة توفيق، صباح فخري، وردة الجزائريّة، نجاة الصغيرة، فايزة أحمد، عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش.
يذكر الباحث الاب بديع الحاج في كتابه عن عبد الجليل وهبي، أنّه بينما كانت المطربة نجاح سلام تغنّي من كلمات عبد الجليل وهبي ومن الحان فيلمون وهبي أغنية يقول مطلعها:
لا المرسال ولا المكتوب بيغنو عنك يا حبّوب
خلّي العين تشوف العين حاجي تخلّي القلب يدوب
واليوم الما بشوفك فيه من ايامي مش محسوب
وكان الشاعر المصريّ أحمد رامي حاضرًا الحفلة، فقاطعها طالبّا إليها إعادة المقطع الأخير ففعلت. فقال لها “الكلام ده حا حطّه في أغنية”. وبالفعل كانت أغنية “عوّدت عيني على رؤياك” والمقطع الشهير: “وإن مرّ يوم من غير رؤياك ما ينحسبش من عمري”.
وفي حديث إذاعيّ، تروي المطربة وداد أنّ وديع الصافي كان في زيارتهم، وكان عبد الجليل يلاعب ابنته البكر فاطمة ويرندح شعرًا كتبه لها:
“عاللّومة اللّومة اللّومة يا حلوة ويا فطّومة، دخل الله ودخل عيونك يا حلوة جنّنونا”.
وما إن سمعه وديع حتّى طلب منه أن يعطيه هذا الكلام، على أن يستبدل اسم ابنته بكلمة مهضومة. استجاب الشاعر لطلب صديقه الذي كان في بداية مشواره الفنّيّ. فغيّرت هذه الأغنية مسار وديع الصافي بكلماتها واللحن التراثيّ القديم الذي اضفاه وديع وصوته الشجيّ، فذاعت الإذاعات الأغنية وذاع اسم وديع الصافي من بلاد الشام إلى مصر.
وتضيف المطربة وداد “تسابق المطربون اللبنانيّون على أخذ الأغنيات من عبد الجليل وهبي، تسابقوا عليه كما تسابق الناس على الحصول على رغيف الخبز في زمن الحرب”.