عبودي أبو جودة يؤرخ بـ ٢٠ ألف “أفيش” تاريخ السينما خلال قرن!
إيمان العبد
في عمر الرابعة عشرة بدأ عبودي أبو جودة بجمع ملصقات أفلام السينما (أفيشات) ويكدسها في مكتبه في دار الفرات للنشر حتى صارت ثروته التي يعتز بها. شغف عبودي بالسينما منذ الطفولة جعله يتفرد عن غيره في هواية جمع أفيشات الأفلام. ففي الوقت الذي كانت هواية جمع الطوابع أو العملات المعدنية هما الهوايتان السائدتان. أعجب أبو جودة بنجوم وشخصيات سينمائية بدأ يجمع أفيشاتها وصارت محط أولوياته وهوايته الغريبة والمفضلة.
تركيز أبو جودة في مراهقته كان على الأفيشات الأجنبية، لكن في العشرين من عمره بدأ ينجذب بأفيشات الأفلام العربية وعنها يقول لفتتني «جماليتها ودقتها». فكان تخطيطه لنشر هذه الأفيشات بعدما حصل على كتب أجنبية تضم ملصقات أفلام، فبادر اذا صح القول الكشف عن كنزه الأول من خلال كتابه الذي أطلق عليه “هذا المساء” وذلك بعد جهد وعمل دام 15 سنة وصدر في العام 2015 ، واختار فيه مجموعة أفيشات من بين أكثر من 20 ألف ملصق بحوزته جمعها حصراً خلال العصر الذهبي للسينما اللبنانية والذي يُطلق عليه «الزمن الجميل» أي الأفلام التي عرضت في بيروت منذ العام 1929 وصولاً حتى العام 1979.
عاد عبودي هذه السنة مجدداً ليشارك الجمهور كنزه الثاني من خلال معرض أقامه في 22 شباط الماضي وأطلق عليه «لص بغداد»، حيث عرض فيه أكثر من 100 ملصق لأفلام عربية وأجنبية. عن سبب اختياره لاسم المعرض يقول «لاحظت أن وجدان العاصمة العراقية بغداد كان حاضراً في أكثر من 55 فيلما، مثل “لص بغداد، حلاق بغداد، وزير بغداد” والقائمة تطول وتسبقها فقط العاصمة الفرنسية باريس بـ 57 ملصقاً، لذلك سميت المعرض باسم العاصمة العراقية بغداد.
من مكتبه الصغير الكائن في الحمرا يجلس أبو جودة بين ممتلكاته الثمينة، وثروته أفيشات تحيطه من كل جانب، الأول «سفر برلك» للسيدة فيروز، الثاني «رسالة من امرأة مجهولة» للموسيقار الكبير فريد الأطرش وغيرها من ملصقات أفلام حفرت عميقاً في ذاكرتنا. يسرد عبودي كيف كان يجمع الملصقات من دور السينما في بيروت وضواحيها وكيف كان يختارها، وكذلك كيف كان يستغل معظم رحلات السفر بحكم عمله كناشر لجمع الأفيشات والملصقات.
عن الملصق السينمائي وعن كيفية تحضيره، لفت أبو جودة إلى أن هذا الملصق كان الوسيلة الأساسية لا بل الوحيدة للإعلان والدعاية للفيلم، لذلك كان يأخذ الكثير من الوقت والتحضير والاهتمام، وهو نقطة البداية والانطلاق، وبالرغم من التطور الهائل الذي شهدته السينما وظهور الفيديو، إلا أن الملصقات والأفيشات القديمة “لا زالت تنبض بالحياة”. ولخص أبو جودة مراحل انتاج أو صناعة الأفيش فقال إنه يمر في مرحلتين، الأولى وهي الأطول والتي قد يدوم العمل فيها لشهرين وهي مرحلة التصميم، حيث كان الملصق (الأفيش) يرسم باليد والتي عادة ما تترافق مع تدخلات الممثلين، ما يفسح في المجال لهم لطلب إجراء تعديلات عليه أو إضافة ما يرونه مناسباً، بعدها تبدأ المرحلة الثانية وهي مرحلة طباعة الألوان حيث كانت الطباعة يدوية تقتضي طباعة كل لون على حدة، وصولاً إلى نهايته ليصبح أفيشاً كما كنا نراه على الجدران أو في صالات السينما.
عن الأفيش الأجمل بين الأفيشات التي جمعها وموجودة بحوزته يقول عبودي «ليس هناك ملصق أكثر تميزاً أو جمالا عن غيره من بين الـ 20 ألف ملصق، فكل واحد من هذه الملصقات له حكايته وسره. وعن الفترة التي تضم ملصقات قليلة يقول «فترة الأعوام 1929 و1940 وهي تعتبر قليلة من ضمن مجموعتي والسبب في ذلك ندرة بعض الملصقات وهي أفيشات أفلام غير موجودة في الأرشيف وكذلك ملصقاتها فنستعيض عنها بصور الجرائد والمجلات».
نشاط عبودي في جمع أفيشات الأفلام مستمر وملصقاته الباقية سيعرضها تدريجياً بعدما لاقى معرضه الذي نظمه في دار النمر إقبالاً لافتاً من جميع الفئات، ومن ضمن أعماله المستقبلية معرض عن السينما المصرية وآخر يقارن السينما الحديثة بالقديمة وغيرها من الأفكار التي تنطلق من مسألة أساسية وهي شغف عبودي أبو جودة بتلك الهواية.