عرسال تستعجل حلولًا بيئيّة لمخلّفات مخيّمات اللاجئين (ڤيديو)

شهدت حقول وتلال بلدة عرسال البقاعيّة، ولعقدٍ من الزمن، تشييد آلاف الخيم الرماديّة والبيضاء، عجَّت بمشاهد البؤس والخوف، وازدراء الإنسان. لكنّ المشهد راح يتغيَّر تدريجًا مطلع هذا العام. ما بدأ منذ سنوات هروبًا من الموت، انتهى اليوم بمخيّماتٍ فارغة وأراضٍ منقوبة تحمل أثرًا بيئيًّا واقتصاديًّا ثقيلًا.

تراجع أعداد اللاجئين

في أوجّ اللجوء السوريّ، استقبلت البلدة الجبليّة النائية ما يزيد على 120 ألف لاجئ، توزّعوا على 143 مخيّمًا، وفق أرقام البلديّة ومفوّضيّة الأمم المتّحدة. اليوم لا يتجاوز عدد من بقي الـ 1000 لاجئ في 120 خيمة وفق منسّق المخيّمات وحملات العودة سامر عامر. وعلى رغم ذلك لم تَخفُت حدّة الخطاب العنصريّ التحريضيّ الذي يحمّل اللاجئين مسؤوليّة الانهيار اللبنانيّ، متجاهلًا جذوره الحقيقيّة في فساد الطبقة السياسيّة والأزمة الاقتصاديّة.

أصوات المخيّمات

من بقي في المخيّمات، ليس حبًّا في البقاء والغربة بل لأنّه لا يملك في بلده بيتًا ولا عملًا. يقول وسيم شروف، أحد من بقي في مخيّم الملعب في حديث إلى “مناطق نت”: “بيوتنا هناك مدمّرة بالكامل، ولا يوجد عمل، هنا لديّ عمل أحَّصل منه قوت عائلتي، سأنتظر حتّى الربيع المقبل ونرى”.

أمّا أمّ حسين، القادمة من حلب، فتوضح: “زوجي يعمل هنا، ولا نملك كلف العودة. بيتنا مدمّر وننتظر الفرج من الله”.

من جهته، يرفع سامر عامر، منسّق المخيّمات، صوته داعيًا كلّ سوري: “لازم نرجع كلّنا عسوريّا، نعمّر بلدنا بأيدينا. هيدا البلد اللي دفعنا ثمن حرّيتو دمّ وشهداء وأيتام وأرامل”.

عودة تخلق مشكلة

عاد اللاجئون من عرسال إلى بلدهم، لكن بقيت آثار المخيّمات شاهدة على بؤس الأماكن التي أقاموا فيها، أكوام من البلاستيك الممزق، من الخشب محروق، من براميل مياه فارغة وحديد صدء. أراضٍ زراعيّة تلوَّثت بِفعل حُفَر الصرف الصحّيّ العشوائيّة، فصارت غير صالحة للزراعة.

يقول علي كرنبي وهو مزارع من عرسال لـ “مناطق نت”: “شرعت بترميم أرضي بعد إزالة المخيّم، كي أعاود زراعتها، لكنّ المهندس الزراعيّ نصحني بالتروّي، فالتربة تحتاج إلى سنوات لتتعافى”.

أزمة نفايات.. تقاذف مسؤوليّات

“كمّيّات النفايات والركام وبقايا الباطون مهولة في ما كان يُعرف بمخيّمات اللاجئين في عرسال، وهي تحتاج إلى ما يزيد على 250 ألف دولارٍ لتنظيفها” بحسب ما قال رئيس البلديّة منير الحجيريّ لـ “مناطق نت”.

الحجيري أكَّد عجز البلدية عن إزالة الركام وتنظيف العقارات، “نجبي رسومًا من المواطنين كي نجمع ونرفع نفايات المنازل”. الدولة غائبة عن السمع كلّيًّا، فيما الجمعيّات والجهات المانحة وضعت الكرة في ملعب أصحاب العقارات، علمًا أنّ إزالة هذه النفايات بحسب الحجيري يجب أن تتمّ معالجتها بطريقة علميّة سليمة صديقة للبيئة “لأنّ التخلّص من البلاستيك والخشب المحروق يجب أن يتمَّ بطريقة تمنع تحوّله إلى موادّ سامة مدفونة في التراب، تؤثّر في المياه الجوفيّة، وفي حياة الناس وصحّتهم وبخاصّة الأطفال”.

 أهالي عرسال، يحمّلون الدولة اللبنانيّة والجهات المانحة، مسؤوليّة غياب خطّة لإعادة تأهيل الأراضي

أهالي عرسال، يحمّلون الدولة اللبنانيّة والجهات المانحة، مسؤوليّة غياب خطّة لإعادة تأهيل الأراضي. ويشير ناشطون محلّيّون إلى أنّ اللاجئين أنفسهم كانوا ضحايا ظروف قاسية ولم يملكوا خيارات أخرى، ما يجعل المسؤوليّة مشتركة والحلول معقّدة.

الإنسان والأرض.. معاناة مزدوجة

اليوم، وقد عاد اللاجئون تدريجًا إلى وطنهم وبيوتهم، بقيت بلدة عرسال وحيدةً أمام تحدّي إعادة الحياة إلى أراضيها المنهكة، ومعالجة أثر بيئيّ لم يُحسب حسابه. معاناة اللاجئ الذي عاش سنوات في خيمة من قماش، توازيها معاناة الأرض التي تحوّلت إلى مكبٍّ للنفايات. وفي كلا الحالتين، تدفع البلدة ثمن حرب لم تعشْها مباشرة، لكنّها ورثت أثقالها إيّابًا وذهابًا.

المفارقة أنّ الخطاب السياسيّ في لبنان يصرّ على شيطنة اللاجئين، فيما يغضّ الطرف عن مسؤوليّة الدولة التي تركت البلديّات وحيدة، بلا إمكانات ولا خطط، تواجه أزمة إنسانيّة وبيئيّة بهذا الحجم. لم يكن اللجوء خيارًا، بل هروب من الموت، كما لم يكن تلويث الأرض خيارًا بل نتيجة غياب البنية التحتيّة.

ما تحتاجه عرسال اليوم ليس خطابًا تحريضيًّا جديدًا، بل رؤية وطنيّة شاملة تعترف بحقوق الإنسان وتحمي حقوق الأرض في آنٍ معًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى