عنب إيعات يغزو مصانع النبيذ ويعيد أمجاد “باخوس”
مبادرة جديدة ومتميزة تشهدها منطقة البقاع وجدت ضالتها في مشروع يبحث عن التكامل. المبادرة تندرج ضمن إطار التنمية المحلية وتحديداً الاستثمار في الأراضي المحرومة، وهي عبارة عن مشروع لزراعة العنب على أنواعه في سهل إيعات. المبادرة الزراعية تُعيد للمنطقة شيئاً من تاريخها العريق في زراعة العنب التي لا زال معبد باخوس إله الخمر عند الإغريق يشهد لها عراقتها.
زراعة العنب في سهل إيعات جاءت مغايرة للزراعات التقليدية في المنطقة، والتي لطالما أنهكت المزارع دون أن تحقق له نجاحات تؤمن له ديمومة في عمله وعيشٍ كريم، في ظل غياب تام لأي سياسات رسمية ترعى المزارع وتحميه. المبادرة اعتمدت على دراسة جدوى تستند إلى حاجات السوق المحلية ومعادلة العرض والطلب. يقول المهندس حسان رحال المسؤول المباشر عن المشروع لـ “مناطق نت” إن الفكرة ولدت بسبب الطلب الكبير والمتزايد عل أنواع العنب المناسب لصناعة النبيذ، حيث يوجد أكثر من ٥٦ مصنع مسجل لدى وزارة الزراعة. هذه المصانع تحتاج إلى العنب كمادة أساسية كي تعمل وتستمر وتحافظ على إنتاجها وأسواقها الخارجية.
يضيف رحال أن عدداً كبيراً من هذه المصانع لا يملك أراضٍ تصلح لزراعة العنب ولا القدرة لشراء الأراضي واستصلاحها وزراعتها. لذلك تلجأ هذه المصانع لشراء محاصيل العنب من المزارعين، وهذا الدافع هو الذي يقف وراء المشروع كونه منتج ومردوده المادي مربح.
سهل إيعات
في إطار بحثها عن أراضٍ صالحة لزراعة العنب، وقع اختيار شركة “أجامكو” على المنطقة المعروفة بـ “سهل إيعات”، والتي لها تاريخ عريق في زراعة العنب، يعود إلى عهد الرومان ووجودهم في المنطقة وصناعتهم للنبيذ في ذلك الوقت. يشرح رحال أن الاختيار وقع على هذه الأراضي ضمن منطقة إيعات العقارية وجوارها لملاءمة تربتها لزراعة أصناف متنوعة من العنب الأبيض والأسود، حيث المنطقة لا تتعرض لصقيع الربيع الذي يؤذي شتول العنب ويقتلها، مع الأخذ بعين الاعتبار سهولة استصلاح هذه الأراضي.
بدأ العمل في هذا المشروع عام ٢٠١٩ وما زال العمل جارٍ فيه حتى اليوم، حيث بلغت مساحة الأرض المستصلحة والمزروعة حوالى ٢٤٠٠ دونم. وبحسب رحال يتم العمل لكي يغطي المشروع مساحة خمسة آلاف دونم.
صناعات غذائية.. وسياحة
ليست صناعة النبيذ هي الهدف الوحيد الذي يقف وراء زراعة العنب في سهل إيعات، فالمساحة المزروعة متعددة الأهداف والأصناف، يقول رحال إن حوالي ٤٠٠ دونمًا ستُخصص لزراعة العنب لزوم الاستهلاك المحلي (للأكل)، و٣٠٠ دونمًا آخرين لصناعة الزبيب. إضافة لذلك يقول رحال إن استخراج السبيرتو وتصنيع السكر من العنب هما من الأهداف المقررة للمشروع. موضحًا أن استخراج هذه الأصناف وتصنيعها جاء نظرًا للطلب عليها وتأمين تصريفها.
ولجهة الاستفادة من العنب أيضًا في تصنيع عصير ودبس العنب، يقول رحال إن ذلك ممكناً، لكن هذه الأصناف غير مرغوب بها محلياً وقد تواجه صعوبات في تصريف إنتاجها.
تم العمل على المشروع ليكتسب أهمية سياحية نظرًا لموقعه الجغرافي من جهة، وقربه من “إيعات كاونتري كلوب” من جهة أخرى. لذلك اعتُمدت طريقة زراعة شتول العنب بحيث يسهل السير بين العرائش والتمتع بمناظرها وبمناظر عناقيد العنب المتدلية المتعددة الأشكال والألوان، فالسياح يميلون إلى زيارة الكروم ومشاهدة جمالياتها.
ترحيب بالمشروع
بالرغم من أن المشروع قد يكون غير مألوف أو مرغوب به، ومجابهته بالرفض تبقى قائمة في منطقة متعددة المذاهب، لكن النتائج أتت معاكسة من قبل أهالي منطقة إيعات الذين رحبوا بشكل مؤثر بالمشروع كونه يؤمن العمل لأكثر من ثلاثين عائلة، ويساهم في تفعيل الحركة الاقتصادية في المنطقة، لا سيما بسبب الطلب المتزايد على هذا المنتج وأصنافه حيث ديمومة العمل وتصريف المنتجات مؤمنة بعكس الزراعات الأخرى التي تتعرض أحياناً للتلف بسبب عدم القدرة على تصريفها.
يشدد رحال أن المشروع يسير بخطى ثابتة وبنجاحٍ كبير، والجدوى الاقتصادية منه واعدة، مؤكداً أنه يقتصر على استصلاح الأراضي وزراعتها بالعنب، وليس هناك أي فكرة أو تصور لإنشاء معمل لصناعة النبيذ في منطقة إيعات، بل تقتصر العملية على الإنتاج الزراعي فقط.