عن سهول عدلون التي ترنّحت تحت القصف وسُرقت مواسمها!
خسائر فادحة سجّلها مزارعو بلدة عدلون الجنوبيّة في بساتينهم ومحاصيلهم الزراعيّة بعدما تضرّرت نتيجة القصف الإسرائيليّ، حارمةً إيّاهم من الوصول إلى أرزاقهم. ناهيك بأزمة تصريف مواسمهم من فواكه وخضار في السوق ومنها إلى سوريّا والعالم، بالإضافة إلى تأخّر صرف التعويضات على المزارعين جرّاء الحرب، ممّا شكّل أزمة وتخوّفًا على مستقبل الزراعة في البلدة.
لم تقتصر الخسائر على صنف معيّن من المزروعات، فالساحل العدلونيّ يشتهر بتنوّع زراعاته من الحمضيّات والزيتون والقشطة، إلى الاڤوكا والملوخيّة وغيرها، إذ سجّل مزارعو عدلون خسائر فادحة بسبب القصف الذي أجبر قسمًا كبيرًا منهم على النزوح، تاركين وراءهم حقولهم وبساتينهم عرضة للجفاف واليباس، في ظلّ عدم القدرة على ريّها والاعتناء بها.
إضافة إلى ذلك، يواجه المزارعون صعوبة في تصريف البضائع في الأسواق، حيث يمارس التجّار عمليّات تلاعب بأسعار المحاصيل الزراعيّة، ممّا أدّى إلى تدنّي قيمتها وصعوبة تصريفها. ونالت سرقات من المواسم إذ تعرّضت للنهب من قبل مجهولين، وصولًا إلى الأضرار الجسيمة التي لحقت بعدد كبير من البساتين التي استهدفها القصف، وسبّبت في تلوث المزروعات والتربة، ممّا سيؤثر في خصوبة الأراضي الزراعيّة في المستقبل.
الزراعة خلال الحرب
تعتبر الزراعة في عدلون موردًا اقتصاديًّا هامًّا، إذ يشكل العاملون فيها نسبة كبيرة من أبناء البلدة ممّن تابعوا أعمالهم بحقولهم وبساتينهم بعد اندلاع حرب الإسناد في الثامن من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، لكنّ استهداف العدوّ الاسرائيليّ لموقع حزبي في الساحل العدلونيّ أثناء الحرب، أدّى إلى سقوط عدد من الجرحى، وشكّل تهديدًا للمزارعين وجعلهم حذرين بالتردّد إلى حقولهم. بقيت قلّة منهم وضعت كلّ رأس مالها في الزراعة والأرض، ترفع شعار “المال يعادل الروح”، هذا الأمر دفع ببعضهم إلى الإقدام على العمل تحت أعين طائرات الاستطلاع الإسرائيليّ والقصف الذي يبعد كيلومترات قليلة عن حقولهم.
المواسم بين القصف والاستغلال
يعمل محمّد غزالة في الزراعة منذ أكثر من 30 عامًا، حيث يستأجر أرضًا في الساحل العدلونيّ تبلغ مساحتها 17 دونمًا، يزرع فيها الموز والباذنجان والفليفلة وغيرها من المزروعات. خلال الحرب نزح محمّد مع عائلته إلى صيدا ليفاجأ بقصف أحد المباني الملاصقة لأرضه في عدلون ممّا أدّى إلى تضرر سبعة دونمات من مزروعاته، لتبدأ المعاناة. يروي محّمد غزالة أنّه خسر خلال الحرب 700 شتلة موز “وأكثر من 150 قرطًا جاهزًا للتصريف، بالإضافة إلى مساحات مزروعة بالخضار أصيبت بالتلف، وذلك نتيجة جرف الحقول من قبل سيّارات الإطفاء لإخماد النيران في المبنى المتضرّر جراء العدوان”.
يتابع محمّد حديثه عن أعباء الزراعة التي تستغرق وقتًا وجهدًا، فيقول لـ”مناطق نت”: “الزراعة تحتاج إلى شبكة مياه وأسمدة ومازوت، كلّ ذلك لم يعوّض هذا الموسم. كان تعويلنا على توقّف الحرب وتصدير البضائع إلى سوريّا ثمّ الأردن وغيرها من الدول. اليوم توقّف التصدير، ممّا أدّى إلى انخفاض سعر رطل الموز إلى نحو 30 ألف ليرة، والمزارع أصبح يرضى بأيّ سعر يعرضه التاجر لكي لا يترك الزرع في الأرض”.
يضيف غزالة، “بعد توقّف الحرب، لم تكشف أيّ جهة حكوميّة كوزارة الزراعة مثلًا ومجلس الجنوب على الأضرار، فيما أجرت مؤسّسة جهاد البناء التابعة لـ “حزب الله” مسحًا، ووعدنا بالتعويض، لكن إلى اليوم لم أتلقَ إيّ تعويض”.
طالت الأضرار وخسائر المزارعين الجميع سواء أصحاب الأرض، أو المزارعين والعاملين”. وفق غزالة الذي ختم “إلى اليوم أقوم بدفع إيجار الأرض ولم تُصرّف البضائع عدا عن الديون التي تراكمت عليّ”.
خسائر في موسم الموز
من جهته يروي المزارع علي طحّان الذي يعمل في الحقول منذ أكثر من 25 عامًا، وبقي في عدلون أثناء الحرب، كيف كان يختبئ بين أشجار الموز للتخفّي من طائرات الاستطلاع الإسرائيليّة. يعتني طحّان بزراعة الموز بين سهول عدلون والرشيديّة، وعنده 24 ألف قرط موز.
يشرح طحّان، لـ”مناطق نت” سبب الأضرار التي اصابت موسم الموز فيقول: “في العادة يبدأ تصدير الموز إلى خارج لبنان في شهريّ تشرين الثاني (نوفمبر) وكانون الأوّل (ديسمبر)، أمّا اليوم فليس لدينا تصدير، والأسعار التي نجنيها من وراء الموز انهارت”. يتابع طحّان “نبيع عادة الموز بالرطل الذي يبلغ دولارين أو 2.5 دولار أميركي، بينما سعر رطل الموز اليوم لا يتجاوز 0.25 دولار، بالمقابل تصل كلفة إنتاج الرطل في أدنى مستوياتها إلى دولار”. يضيف “خسارتنا كبيرة جدًّا، في بعض الأحيان نفضّل أن يبقى الموز دون قطاف، لأنّ كلف قطافه بين أجرة عمّال وأجور شحن سيكلّف أكثر من الأسعار التي نبيعها للتجّار.
يسجّل سعر كيلوغرام الموز الواحد في الأيّام العاديّة بين 100 و120 ألف ليرة، بينما يباع اليوم في السوق كل أربعة كيلوغرامات موز بمئة ألف ليرة، وفق طحّان، مضيفًا “السنة الماضية كنّا نبيع رطل الموز بـ 260 ألف ليرة (الرطل يزن 2.5 كيلوغرام)، في أيلول (سبتمبر) وتشرين الأوّل وصل سعر رطل الموز إلى 40 ألف ليرة”.
من الأضرار التي لحقت بالمزارعين أيضًا، انقطاع مياه الليطانيّ التي تروي البساتين، إذ يضطرّ قسم كبير من المزارعين إلى شراء المياه، الأمر الذي زاد من خسائر الموسم، فيما يملك البعض منهم آبارًا إرتوازيّة ساعدت في التخفيف من هذه الخسائر، في حين شكّلت طائرات الاستطلاع الاسرائيليّة خطرًا على تشغيل موّلدات المياه بالإضافة إلى انقطاع مادّة المازوت.
سرقوا الافوكا والقشطة!
شكّل غياب الأمن في الجنوب فرصة للخارجين على القانون، فتعرّضت بعض الحقول في عدلون للسرقة. تقول ريم (اسم مستعار) التي تهتمّ ببساتين والدها، لـ”مناطق نت”: “القصف شغّال والناس هربانة، وأتى البعض ليسرق بساتين بكاملها من القشطة والأفوكا. وفي القرى المجاورة تمّت سرقة الزيتون عن الشجر إلى درجة أنّنا لم نجد حبّة زيتون واحدة على الأرض”.
تعدّد ريم الأزمات التي يعاني منها المزارعون ومنها غلاء اليد العاملة. تقول: “يطلب بعض العمّال أجرة 20 دولارًا مقابل العمل لخمس ساعات في اليوم، بينما في العام السابق كان العمّال يعملون 7 ساعات مقابل 10 دولارات أميركيّة”.
وعن صعوبات التصدير تضيف ريم “في زمن النظام السوريّ كان عناصر الجمارك السوريّة يبقون برّادات الموز أيّامًا عدّة في الجمرك السوريّ قبل دخولها إلى الأراضي السورية ولو دفع التاجر ضرائب الجمرك، وهو نوع من الابتزاز لدفع الرشاوى إلى عناصر الجمارك، أليس هذا ظلمًا؟ نأمل أن تتغيّر الأحوال في المستقبل”.
تراجع خصوبة الأراضي
تعرّضت عدلون خلال الحرب الأخيرة لغارات عدّة، ممّا أدّى إلى تلوث المزروعات والتربة. تشرح المهندسة الزراعيّة إسراء محمّد حسن لـ “مناطق نت” أنّ “التلوّث بشكل عام في الجنوب مرتفع في التربة، وفي المياه السطحيّة والجوفيّة، حيث يتفاعل الفوسفور الأبيض مع الأوكسيجين في الهواء فينتج أكسيد الفوسفور (P2O5)، الذي يتسرّب بدوره إلى التربة. هناك، يتفاعل أكسيد الفوسفور مع المياه الموجودة في التربة ليُنتج حمض الفوسفوريك (H3PO4)، ممّا يؤدّي إلى تغييرات كبيرة في الخصائص الكيميائيّة والحيويّة للتربة”.
تتابع المهندسة حسن “لا يوجد تأثير مباشر على صحّة الإنسان نتيجة تعرّض المحاصيل الزراعيّة للقصف بالفوسفور الأبيض، إذ لا يُعتبر مادّة ضارّة بصحّة الإنسان عند استهلاكه عبر الطعام، لكنّه في الواقع يعدّ عنصرًا أساسيًّا لنموّ النباتات، ويستخدم في عديد من الأسمدة الزراعيّة”. وتختم حسن “الضرر الرئيس الناجم عن هذا القصف هو اقتصاديّ، بسبب احتماليّة تراجع خصوبة إنتاجيّة الأراضي الزراعيّة لعدة سنوات مقبلة”.