عودة “طبيعيّة” للدواء السوريّ إلى الأسواق البقاعيّة

بعد توقّف شبه كاملٍ على إدخال الدواء السوريّ إلى صيدليّات البقاع، والذي استمرّ أشهرًا عدّة بسبب المستجدّات السياسيّة والأمنيّة التي طرأت على سوريّا، عاد استيراد هذه الأدوية إلى منطقة البقاع بخاصّة، وبوتيرة شبه طبيعيّةٍ عبر طرق وأساليب متعدّدة.
طرق إدخال الأدوية
في السابق نشطت عمليّات إدخال الأدوية السوريّة إلى البقاع، عبر وسائل مختلفة، منها التهريب الذي كان قائمًا من خلال معابر كثيرة غير شرعيّة، ولا سيّما في المناطق القريبة من مدينة عرسال ومناطق مدينة الهرمل وأخرى في عكّار الشماليّة. إلى جانب التهريب “الشرعيّ” أيّ الذي يمرّ عبر الحدود اللبنانيّة السوريّة محميًّا بالنفوذ السياسيّ والعسكريّ للقوى اللبنانيّة التي كانت تقاتل في سوريّا إلى جانب النظام السابق.
أمّا اليوم فإنّ عمليّة “استيراد” الأدوية السوريّة، تجري من خلال عمليّات تهريب، إنّما بطرق أخرى، منها عبر النازحين السوريّين ممّن لا يزالون يتوافدون إلى البقاع بشكلٍ شبه يوميّ، أو من خلال الذين يدخلون إلى سوريّا من اللبنانيّين، ويعودون محمَّلين بكميّاتٍ غير مكشوفةٍ من الأدوية، مغتنمين بعض التسهيلات المروريّة، التي يستفيد من خلالها الشعب السوريّ.
كيف انعكست إعادة ادخال الدواء السوريّ إلى لبنان على المواطن البقاعيّ؟
يقول علي يزبك من بلدة حوش الرافقة البقاعيّة إنّه يتناول 10 أدويةٍ يوميًّا، لإصابته بأمراض الضغط والسكّريّ والقلب، وبعد فقدان الأدوية السوريّة من الأسواق، اعتمد الأدوية اللبنانيّة المحلّيّة والمستوردة “فكنت أدفع فاتورة دواءٍ شهريًّا تفوق الـ 100 دولارٍ وهو رقم مرهق لعاملٍ يوميّ مثلي.”
ممَّ يشكو الدواء السوريّ؟
ويضيف لِـ “مناطق نت” إنّ “عودة الدواء السوريّ وفّر عليّ أكثر من ثُلُثيْ الكلفة”. مشيرًا إلى أنّ النتيجة الصحّيّة هي نفسها “فممّ يشكو الدواء السوريّ؟”.
ويرى يزبك أنّ استخدام الأدوية السوريّة أمر ضروريّ في هذه الظروف المعيشيّة القاسية “ولا داعي للتكبّر عليها بحجّة أنّها أدوية الفقير كما ينظر إليها بعض الناس وهدفهم في الحقيقة المظاهر ليس دونها”.
علي بزبك: عودة الدواء السوريّ وفّر عليّ أكثر من ثُلُثيْ الكلفة. مشيرًا إلى أنّ النتيجة الصحّيّة هي نفسها فممّ يشكو الدواء السوريّ؟
وأخيرًا يلفت إلى أمرٍ مهمّ يتعلّق بنوعيّة وجودة الدواء السوريّ، يعرفه الصيدليّ فقط “لأنّ في سوريّا معامل تصنيع أدويةٍ غير مستوفاةٍ الموادّ الطبّيّة بشكل مركّز، لذلك على الصيدلانيّ أن يشتري الدواء المركّز كي يفعل مع المريض، وبذلك يمكن أن تكون الأدوية السوريّة بديلة عن الأدوية الأجنبيّة، وبالتّالي توفّر على المواطن أعباء ماليّةً دون تأثير سلبيّ على صحّته.”
لقوننة الدواء السوريّ!
من جهته يعرب على حيدر من بلدة كفردان البقاعيّة عن ارتياحه إلى عودة الدواء السوريّ إلى الصيدليّات البقاعيّة “فهو الحامي لنا من الموت في ظلّ غلاء الدواء اللبنانيّ، حيث إنّ الفاتورة الدوائيّة الشهريّة لأسرتي لا تطاق ولا أستطيع تأمينها لو كنت أعتمد الدواء اللبنانيّ فقط”. ويشير لِـ “مناطق نت” إلى أنّه مع أسرته يحتاجون شهريًّا، إلى ثمانية أدويةٍ دائمةٍ أبرزها دواء ليبيتور (السوريّ بكلفة 400 ألف ليرةٍ لبنانيّة، واللبنانيّ بكلفة 20 دولارًا، أيّ مليون و900 ألف ليرة). وأيضًا دواء أتاكاند (السوريّ بـ 150 ألف ليرةٍ لبنانيّة، واللبنانيّ بـ 17 دولارًا، أيّ بنحو مليون و500 ألف ليرة، عشرة أضعاف).
ويؤكّد أنّ “بعض تجّار الأدوية يروّج لعدم فائدة الدواء السوريّ، وأنّه لا يحقّق الغرض الطبّيّ بخلفيّةٍ تجاريّةٍ وليست مهنيةً. صحيح أنّ هناك أدويةً سوريّةً خفيفة التركيز تجاه بعض الأمراض لأسبابٍ خاصّةٍ بمصدرها ولكن علينا أن ننظر إلى عديد منها يحقّق الهدف العلاجيّ؛ وهو ناجع جدًّا لا سيّما الخاص بالالتهابات وأمراض الأعصاب”. متسائلًا: “أيّ دواءٍ يتناول الشعب السوريّ؟”.
ويحثّ حيدر جميع الصيدليّات البقاعيّة على شراء الأدوية السوريّة. مطالبًا وزارة الصحّة اللبنانيّة توفير الغطاء القانونيّ والرقابي لذلك. ويتساءل عن “أسباب قانونيّة الدواء الأردنيّ في الأسواق اللبنانيّة وعدم قانونيّة الدواء السوريّ؟”. ويختم بأنّ “مافيا شركات الأدوية الخارجة عن سلطة وزارة الصحّة تتحكّم بمصادر استيراد الأدوية خصوصًا الأوروبّيّة منها، لأنها تجني منها أرباحًا طائلةً على مرأى وعلم الدولة، كون سعر الدواء بالدولار الأميركيّ. وكلّ هذا على حساب حياة وأموال المواطن اللبنانيّ.”

رأي الصيادلة
يعتمد بعض الصيادلة البقاعيّين الأدوية السوريّة منذ سنواتٍ، وبعد تأمين عودة تلك الأدوية إلى البقاع يرَوْن في هذه الخطوة فائدةً ضروريّةً للمواطن البقاعيّ، الذي يئنّ تحت وطأة الأعباء الصحّيّة على مستوى الطبابة والاستشفاء. وفي هذا الشأن يقول الصيدليّ ع. م. إنّ “المواطن البقاعيّ تنفّس الصعداء بعد عودة توفير الأدوية السوريّة، بحيث زاد الإقبال على شراء الأدوية المزمنة التي توقّف عن تناولها بعض المرضى بسبب غلائها، مؤثرين الخطورة جرّاء ذلك على الصحّة الغائبة بغياب القدرة الشرائيّة”.
ويشير إلى أنّه يبيع بنسبة 70 في المئة من الأدوية السوريّة، وبخاصّةً تلك المرتبطة بالاستهلاكات اليوميّة كمخفّضات الحرارة والمسكّنات وبعض أدوية الالتهابات. لافتًا إلى أنّ بعض الأدوية المتعلّقة بالأمراض المزمنة يشتريها كثيرون من المرضى مؤكّدين فاعليّتها الطبّيّة لأمراضهم.
ويضيف م. ع. أنّه يسعى مع بعض زملائه الصيادلة إلى إعداد دراسة علميّة واقتصاديّة لبعض الأدوية السوريّة بهدف رفعها إلى نقيب الصيادلة لمناقشة جدواها مع وزارة الصحّة، كي يصار إلى قوننتها واستيرادها رسميًّا. مؤكدًا أهمّيّة الموضوع وضرورة تحقيقه “عندها يكون المريض مخيّرًا غير مجبرٍ على شراء الأدوية مرتفعة الثمن طالما أنّ النتيجة الطبّيّة واحدة”.