غرب بعلبك بلا مشافي والمرضى يقضون على الطرقات
باستثناء دير الأحمر التي تضم مستشفىً غير حكومي ولا يلبي كل حاجات المنطقة، فإن أكثر من أربعين بلدةً وقريةً تمتدّ من بلدة دير الأحمر وصولاً إلى أبلح غربي مدينة بعلبكّ تفتقر إلى وجود مستشفى يوفّر على أبنائها مشقّات الذهاب إلى المشافي البعيدة ويجنّبهم خطر الموت إذ غالبًا ما يحصل على الطرقات نظرًا إلى بعد المسافة نحو أقرب مشفى.
فقدت المنطقة التي يتجاوز عدد سكّانها الـ250 ألف نسمةٍ مئات من أبنائها على مدى عشرات السنين بسبب غياب مراكز الاستشفاء التي يحتاجها المصاب جرّار نوبةٍ قلبيةٍ او سكتةٍ دماغيّةٍ أو أيّ حالةٍ طبيّةٍ طارئةٍ تتطلّب الإنقاذ السريع ولا يحتمل طول المسافة التي تزيد على 60 كيلومترًا كحدٍّ أقصى و20 كيلومترًا كحدٍّ أدنى للوصول إلى أقرب مشفى، كما هي حال بعض قراها.
يقتصر الحضور الطبّيّ المتوافر في المنطقة على وجود عدد قليل من المراكز الصّحيّة التابع بعضها إلى جهاتٍ حزبيّةٍ، وبعضها الآخر إلى وزاراتٍ رسميّةٍ لا تؤمّن سوى خدمات طبّيّة أوّليّة إذ تضطرّ الحالات الصحّيّة الصعبة للذهاب إلى مشافي بعلبك ورياق وزحلة وبعضها إلى العاصمة بيروت.
فقدت المنطقة التي يتجاوز عدد سكّانها الـ250 ألف نسمةٍ مئات من أبنائها على مدى عشرات السنين بسبب غياب مراكز الاستشفاء التي يحتاجها المصاب جرّار نوبةٍ قلبيةٍ او سكتةٍ دماغيّةٍ أو أيّ حالةٍ طبيّةٍ طارئةٍ
غياب مشافي الدولة
لطالما ناشد أبناء منطقة غرب بعلبك وعلى مدى عقودٍ من السّنين الدولة وطالبوها مرارًا وتكرارًا بإنشاء مشفًى حكوميٍّ في منطقتهم على غرار مشافي زحلة وبعلبك والهرمل، تلبّي احتياجاتهم الطبّيّة والصحيّة، ولم يلقوا آذانًا صاغيةً وبقيت أصواتهم أصداء في واد.
ومنذ العام 1992 توسّم الأهالي خيرًا بنوّاب البقاع ووزرائه ممّن يتعاقبون على مقاعده النيابيّة والوزاريّة حتّى الآن، فلم يكلّف أحدٌ منهم نفسه عناء طرح قضيّة إنشاء مشفى للمنطقة أمام الحكومة أو مجلس النوّاب أو حتّى أمام وزراء الصّحة المتعاقبين من البقاع. وإلى جانب الإهمال الرسميّ والغياب الكلّيّ لمسؤولي المنطقة الرسميّين لم تقُم بلديّات غرب بعلبك بدورها في هذا النطاق وتُلزم المعنيّين بما يقدم لأبناء بلداتها الأمن الصحّيّ.
مسافات مرهقة للمرضى
تقول سهى (من شمسطار) إنّها مصابة بمرض السرطان وتحتاج إلى جلساتٍ كيميائيّةٍ كلّ أسبوعيْن، فتضطرّ إلى الذهاب نحو مستشفى زحلة لتلقّي العلاج إذ إنّ المسافة بينها وبين بلدتها تزيد على 20 كيلومترًا، ممّا يسبّب لها مضاعفاتّ صحّيّة بعد العلاج تأثّرًا بمسافة الطريق وتعب السيّارة. وتشير لـ”مناطق نت” إلى أنّ طبيبها أكّد لها مرارًا أنّه لا بدّ من الراحة المباشرة بعد تلقيها العلاج كونه مرهقًا للمريض. “فكيف لي أن أرتاح بعد تلقّي العلاج مباشرةً وأنا مجبرة على ركوب السيارة وقطع مسافة أكثر من نصف ساعةٍ قبل الوصول إلى المنزل؟”.
أمّا عليا محمّد من حدث بعلبك فتقول إنّها مصابة بمرض الكلى وهي تحتاج إلى غسيل كلى ثلاث مرّات أسبوعيًّا، أيّ بمعدّل يومٍ بعد يومً، ولا يمكن إجراء هذه العمليّة إلّا في مشافٍ محدّدة بين مدينتيْ زحلة وبعلبك “وهو أمر يستلزم قطع مسافة نحو 50 كيلومترًا ذهابًا وإيّابًا في كلّ مرّةٍ، ممّا يؤدّي إلى تعب صحّيّ وكلف ماديّةً يزيد التفكير بها من التعب الجسديّ.”
وتضيف لِـ”مناطق نت” أنّها تعاني كثيرًا بسبب هذا الوضع لا سيّما وأنّها مريضة منذ ثلاث سنواتٍ “وإذا أطال الله بعمري سنواتٍ أخرى طويلةً فإنّ تعبي سيزداد إذ لا خيار أمامي إلّا التحمّل والصبر أو الموت.”
وتدعو المسؤولين لا سيّما في وزارة الصّحّة إلى النظر بأوضاع المرضى في المنطقة ممّن يعانون من أمراضٍ كمرضها، من خلال تأمين مركز لغسيل الكلى “كحلٍّ أوّليّ ريثما يتمّ إنشاء مشفىً.”
مسافات تعوق إنقاذ المرضى
يقول الدكتور مصطفى غصن (طبيب قلب): “إنّ منطقة غرب بعلبك بحاجةٍ ماسّةٍ إلى وجود مستشفى فيها وذلك بحكم مساحتها الجغرافيّة وعدد سكّانها الذين يتكبّدون سفر طويلًا قبل الوصول إلى المشافي خصوصًا إذا كانت هناك حالاتٍ صحيّةٍ طارئةٍ تحتاج إلى إنقاذ سريع، فضلًا عن الخطر الكبير الذي يتعرّض له المرضى بسبب عدم الحصول على العلاج الفوريّ الذي قد يحميهم من الموت”.
ويشير في حديث إلى “مناطق نت” إلى أنّه كطبيب قلبٍ يعرف أهمّيّة الوقت وقيمته في إنقاذ مريضٍ مصابٍ بأزمةٍ قلبيّةٍ تحتاج إلى إسعاف أوّلي في أقصر وقتٍ لأنّ الفاصل بين حياة المريض وموته دقائق فقط. ويؤكّد أنّ “هناك الكثير من الحالات المرضيّة التي نستقبلها في المشافي التي نعمل فيها وصلت إلينا متأخّرةً، فهي إمّا قضت أو أصيبت بتداعياتٍ خطيرةٍ نتيجة التأخير القسريّ بسبب مسافة الطريق”.
الدكتور مصطفى غصن: هناك الكثير من الحالات المرضيّة التي نستقبلها في المشافي التي نعمل فيها وصلت إلينا متأخّرةً، فهي إمّا قضت أو أصيبت بتداعياتٍ خطيرةٍ نتيجة التأخير القسريّ بسبب مسافة الطريق
ويضيف غصن: “إنّ الأمن الصّحيّ من أولويّات الحياة الاجتماعيّة وفي أوّل درجاتها. إنّ مريضًا بلا أمنٍ صحيًّ مهدّد بالموت في أيّ لحظةٍ ولا حياة له على المدى البعيد. وهذا الأمر من واجبات الدولة التي عليها تقع مسؤوليّة توفير احتياجات الناس كافةً، وعلى رأسها المشافي، خصوصًا في منطقةٍ مهملةٍ ومتروكةٍ إلى قدرها كمنطقة غرب بعلبك المكتظّة بالسكّان”.
ويتابع: “أنا كطبيبٍ في إختصاصٍ طبّيٍّ دقيقٍ أرفع الصوت عاليًا بوجه المسؤولين من أجل العمل السريع على إنشاء مشفًى حكوميّ في المنطقة رحمةً ورأفةً بالذين يموتون على الطرقات قبل وصولهم إلينا، وهذا ليس قدرهم بل هو بسبب غياب وسائل الإنعا. والإسعاف”. ويختم مؤكّدًا أنه سيكون جاهزًا كطبيبٍ “لتقديم كلّ ما يلزم في سبيل توفير مشفًى يخدم المنطقة ووينقذ أبناءها”.
كفاءاتٍ طبّيّةٍ ولكن؟
لا يختلف رأي الدكتور محفوظ قاسم (طبيب جراحة دماغ) عن زميله الدكتور غصن، فيرى أنّ “وجود مستشفى في منطقة غربيّ بعلبك واجب وضرورة مؤكَّدة في ظلّ تزايد الأزمات الصحّيّة التي يتعرّض لها المواطن اللبنانيّ بشكلٍ عام جرّاء الظروف والأوضاع الاقتصاديّة القاسية التي نمرّ بها”. ويضيف: “كثيرًا ما نسجّل حالاتٍ مصابةً بسكتاتٍ دماغيّةٍ أو انفجار في شرايين الدماغ أو حوادث طارئةٍ تحتاج إلى تدخّل طبّيٍ في وقتٍ قصيرٍ جدًّا ولا تتحمّل الإنتظار”.
ويقول لـ”مناطق نت”: “إنّ غرب بعلبك أكثر حرمانًا في منطقة البقاع وعلى مختلف المستويات، وهي منطقة زاخرة بالطاقات والكفاءات الطبّيّة إذ يوجد فيها عشرات الأطبّاء في عديد من الاختصاصات، وهم فقط يحتاجون إلى مؤسّسة صحّيّةٍ يعملون فيها، وهذا أمر بمنتهى اليسر والسهولة ولا يحتاج إلّا إلى قرارٍ سياسيٍّ وعزيمة المسؤولين”.
ويلفت قاسم إلى أنّ “الأمن الصحّيّ في جميع دول العالم يأتي في أولويّة إهتمامات وتقديمات الدولة، إلّا في لبنان فيأتي في آخر درجات المسؤوليّة إن وُجدت، ما ينعكس سلبًا على حياة المواطن ويودي به في نهاية المطاف إلى الهلاك إذ لا رقيب ولا حسيب.” ويدعو أبناء المنطقة إلى “الضغط على الجهات المعنيّة كالبلديّات والنوّاب والوزراء في البقاع كي يسارعوا إلى إنشاء مشفًى حكوميًّ في منطقتهم أسوةً ببقيّة المناطق وتحقيقًا للعدالة الصحّيّة”.
متخرّجون أين يتدرّبون؟
يرى مدير “معهد شمسطار الفنيّ” الأستاذ علي أبي رعد أنّ “وجود مشفًى في منطقة غرب بعلبك له فوائد عديدة، ويعدّ من الخدمات الضروريّة للمنطقة، فنحن في معهدنا نخرّج سنويًّا عشرات من الطلّاب في جميع المستويات المهنيّة؛ متوسّط وثانويّ وجامعيّ، ونعاني من بعد المسافة بين منطقة المعهد والمشافي، إلى جانب الكُلف المادّيّة الكبيرة إذ لا طاقة لذوي الطلّاب على تحمّلها”.
ويشدّد على أنّ “قسم التمريض يحتاج طلّابه إلى التدريب في المشافي، وهو أمر لا بدّ منه في هذا الإاختصاص”. ويشير في حديث لِـ”مناطق نت” إلى أنّ “معهد شمسطار الفنيّ يضمّ طلّابًا من مختلف قرى وبلدات المنطقة، وهو بالتالي يشكّل مركزًا مهمًّا لإعداد الشّباب والشّابات في مجال التمريض الصحّيّ الذي يحتاج إلى مؤسّسات تدريب وعملٍ لهم لضمان حياتهم مهنيًّا واقتصاديًّا، وحتىّ الآن هذا الأمر غير متوافر بسبب غياب الخدمات الصحّيّة عن المنطقة”.
ويضيف: “نحن كمعلّمين مهنيّين في المنطقة جاهزون لكلّ ما يلزم من أجل تأمين مشفًى يقدّم لأبنائنا جميع الخدمات التي يحتاجونها، وسنعمل جاهدين من أجل تحقيق ذلك، لكنّنا ندعو الجهات الرسميّة في البقاع إلى تحمّل مسؤوليّاتها في هذا المجال كونها الفاعلة والمؤثّرة في الحكومة ومجلس النواب”.
ويختم أبي رعد بدعوة البلديّات في منطقة غرب بعلبك واتّحاداتها إلى التلاقي في أقرب وقتٍ وإعداد دراسةٍ مفصّلةٍ حول مكان بناء مشفى مع كامل حيثيّاتها ورفعها لإلى الجهات المعنيّة للبدء بالمشروع.