«غودو» الشرق الأوسط… طال انتظاره!
زهير دبس
كثيرة هي الاستعارات التي جرى فيها الاستعانة بما كتبه الايرلندي صمويل بيكيت في مسرحيته «في انتظار غودو»، والتي تدور أحداثها حول رجلين الأول يدعى “فلاديمير” والثاني “استراغون” ينتظران شخصا يدعى “غودو”، ليغيّر حياتهما نحو الأفضل. تزخر هذه المسرحية بالكثير من المغازي والأحجية التي حار النقّاد في حلّها أو فكّها، ولو أنها تغرقنا في اليأس، إلا أنها أزاحت هذه الستارة المسماة بـ “الانتظار” عن الوجود، والدور الزائف لها، ومع هذا، هناك من تستهويه صناعة “غودو”، أو يختلق هذا المخلوق الوهمي لكن ليس على مقصد المسرحية.
ما أشبه ما تعيشه المنطقة اليوم بما كتبه بيكيت في مسرحيته «في انتظار غودو»، فانتظار ما ستؤول إليه الحزمة الثانية من العقوبات الأميركية على إيران هو سيد الموقف، ليس في المنطقة فحسب بل في العالم أجمع. لكن الانتظارين يسيران على وقعين مختلفين، ففي العالم يسير وقع الحياة كما هو دون أن تبدّل العقوبات المفروضة على إيران أي شيء فيه، بينما يبدو الانتظار هنا مختلف، مشوب بالقلق والخوف والتكهنات ويترافق مع سيل من الأسئلة؟ هل ستؤدي العقوبات إلى حرب في المنطقة؟ أم ستفضي إلى تسوية كبرى كما يقول بعض المحللين! هل ستؤدي إلى تفكك دول وظهور أخرى، كما يذهب بعض آخر في تحليلاته؟ أم إلى إلى إعادة تموضع وبعض الرتوش!.
ليس الانتظار حالة عابرة وظرفية تعيشهما المنطقة ودولها ومجتمعاتها، فالانتظار أصبح سمة عامة تعيش على فتاتها وتقتات منها هذه الدول بأنظمتها وحكامها ومعارضيها وقواها السياسية. وهي لا تبني رؤيتها بما تقتضيه مصلحة شعوبها ومتطلباتها، بل دائماً هناك شيءٌ ما تنتظره لتبني عليه ما يتناسب مع ديمومة حكمها وإطالة أمده، والأمثلة كثيرة في هذا المضمار، فالانتخابات الأميركية التي تُجرى كل أربعة سنوات هي حالة انتظار دائمة تعيشها هذه الأنظمة التي تبني على نتائجها ما هو يتناسب مع وضعها، فإذا انتصر الجمهوريون تنفرج أسارير فريق من المنتظرين ويتشاءم فريق آخر وإذا فاز الديمقراطيون يتبادل المنتظرون الهواجس ذاتها.
الانتظار لا يقتصر على محطة الانتخابات الأميركية التامة، بل يتعداها إلى «النصفية» التي يتحدد بناءاً على نتائجها وبنسبة كبيرة الانتخابات الأساسية، وهو ما ينتظره المنتظرون أيضاً. وبين الانتخابات وتلك هناك حالة انتظار دائمة لأبرز التطورات والأحداث والمواقف التي تقرأها جموع المنتظرين كل وفق مصلحته وحساباته.
فريق كبير في المنطقة ينتظر غودو «ترامب» لكي يخلصه من غريمه الإيراني، وفريق آخر ينتظر غودو آخر ليخلصه من ترامب. وبين «الغودوات» المتعددة التي تعيشها دول المنطقة، تعيش شعوبها انتظارات بائسة تزيدها فقراً وعوزاً وقتلاً وتهجيراً.
إحدى شخصيات مسرحية بيكيت غلام وهو رسول غودو يبلغ برسالة بأن غودو لن يأتي، لكنه سيأتي غداً وإنّه جادٌ بالمجيء في الموعد. تتكرّر زيارات رسول غودو وتتكرر الرسالة، ويلاقي الأسئلة نفسها والردود والأفعال أيضاً، فيقرر الانتحار لكنّه يعجز عن ذلك، وتنتهي المسرحية من دون عودة غودو.
لم يعد الانتظار الذي تعيشه المنطقة حالة انتظار، فقد تحوّل موتاً سريرياً تعيشه كل دول المنطقة من أقصاها إلى أقصاها. من العراق وسوريا واليمن ولبنان وليبيا والسعودية وفلسطين، كل واحدة من هذه الدول لها «غودو» تنتظره ليخلصها مما هي فيه، لكن «غودو» لا يأتي، فتعود لتغط بسبات عميق وتنتظره من جديد!
متى يموت «غودو»؟ ربما بموته تموت حالة الانتظار التي نعيشها. فالشعوب التي لا تزال تنتظر من يخلصها من عذاباتها هي شعوب لا زالت تعيش في الماضي، ولن يستطيع أي «غودو» أن ينتشلها من حالة البؤس والشقاء التي تعيشه!