غياب جهود الإغاثة الدولية يفاقم معاناة النازحين
في ظلّ وصول أعداد النازحين إلى أكثر من مليون، بات الحديث عن المعاناة والصعوبات التي يشعر بها النازحون أمرًا مكرّرًا، إذ إنّ غياب مؤسّسات الدولة- التي لطالما شكلّت اللجان ووضعت الخطط والاستعدادات طوال العام الفائت خوفًا من وقوع حرب شاملة- عن أداء أبسط أدوارها في تأمين المستلزمات الأساسيّة للنازحين، وضع هؤلاء أمام واقع مرير.
وفي ظلّ الحروب والكوارث والأزمات، عادةً ما يبرز عمل الجمعيّات والمنظّمات الدوليّة غير الحكوميّة والجمعيّات المحلّيّة والوطنيّة، وهذا ما ظهر جليًّا خلال أزمات عديدة وأحداث مرّت على لبنان، من اللجوء السوريّ وصولًا لانفجار الرابع من آب (أغسطس) 2020 الذي دفع بعشرات المنظّمات الدوليّة إلى زيادة برامجها وتحويلها إلى مواجهة تداعيات الانفجار على مختلف المستويات.
أمّا اليوم، فثمّة كثير من التساؤلات حول أسباب غياب هذه الجمعيّات عن المشهد، خصوصًا أنّ النازحين في أمسّ الحاجة إلى المساعدة بعد أن دمّرت العدو منازلهم وعطّل أعمالهم ومصادر رزقهم ، وبات أطفالهم من دون تعليم، فضلًا عن جزء لا يُستهان به بات يفتقد لأدنى المستلزمات والاحتياجات.
غياب الاستجابة الدوليّة
من جانبها، ترى المديرة التنفيذيّة لجمعيّة “فيمايل”، حياة مرشاد، في حديث لـ”مناطق نت” أنّ “المجتمع الدوليّ يُسيّس الأزمة الإنسانيّة والمطلوب عدم دعم المواطنين بشكل مخالف لكلّ التنظير المتعلّق بحقوق الإنسان”، موضحةً أن “الجمعيّات المحلّيّة تُعاني كثيرًا “للفت نظر المجتمع المدنيّ إلى لوضع القائم، ونُعاني كذلك من صعوبة الحصول على الأموال لتقديم المساعدات، فهناك شحّ كبير بالتمويل وأعتقد أنّ سبب ذلك سياسيّ بامتياز”.
وتوضح مرشاد أنّ “ثمّة ازدواجيّة معايير من قبل الجهات الدوليّة وهيئات الأمم المتّحدة، وهناك شحّ بالاستجابة لاحتياجاتنا، وشحّ بالإضاءة على ما يجري من خلال التقارير الدوليّة”. ولفتت إلى أنّ الجمعية التي ترأسها تقوم “بتدخّل إنسانيّ منذ تشرين الأوّل (أكتوبر) العام الماضي، ونركّز عملنا على تأمين إيواء عاجل والمستلزمات والاحتياجات الطارئة، من حفاضات وحليب وأدوية وفرش وأغطية وغيرها، فضلًا عن تأمين مستلزمات النساء”، مشيرةً إلى أنّ “لدى الجمعيّة حوالي 80 متطوعًّا ومتطوّعة في مختلف المناطق اللبنانيّة”.
الضمعوّقات والتحديات
رأي مرشاد لا يختلف كثيرًا عن وجهة نظر رئيس جمعيّة “فرح العطاء”، مارك طربيه، الذي يقول في حديث إلى “مناطق نت” إنّ “ثمّة غيابًا للمساعدات الدوليّة، فعلى الرغم من أنّنا كجمعيّة لا نعتمد على المنظّمات الدوليّة غير الحكوميّة، بل على المساعدات من اللبنانيّين، إلّا أنّه يمكن ملاحظة غيابهم بشكل واضح”.
حياة مرشد: المجتمع الدوليّ يُسيّس الأزمة الإنسانيّة والمطلوب عدم دعم المواطنين بشكل مخالف لكلّ التنظير المتعلّق بحقوق الإنسان
ويلفت طربيه إلى “العجز الكلّيّ للحكومة إذ تبيّن أنّ الخطّة الحكوميّة غير فاعلة وغير واقعيّة، فضلًا عن عدم استشرافها لهذ الكارثة وعدم مواكبتها”. ويوضح طربيه أنّه “فور حدوث موجة النزوح الثانية بعد اغتيال القياديّ فؤاد شكر، شكّلنا غرفة عمليّات فوريّة مع خطّ ساخن موجّه إلى العائلات التي لا تملك أيّ أحد يُساعدها”.
ويلفت إلى أنّ “الجمعيّة قامت بتحويل مركزين تابعين لها إلى مركزين للاستقبال (إيواء)، الأوّل في بلدة كفيفان يضمّ نحو 135 نازحًا والمركز الثاني في بلدة معاد ويضم 102 نازحين، وهذه المراكز تحتوي على أسرّة وجميع سُبل العيش، كما نقوم بتوزيع ثلاث وجبات يوميًا”.
أما بالنسبة إلى مرشاد فإنّ أبرز المعوّقات التي تواجهها منظّمات المجتمع المدنيّ في عملها هي أنّها “لم تكن متحضّرة ومهيّأة لمواجهة هذه الكارثة الإنسانيّة، فأعتقد أنّنا، مثل معظم الجمعيّات، لم نكن جاهزين لمواجهة هذه التحديات، فضلًا عن غياب السلامة الشخصيّة حيث نتنّقل على طرقات خطرة، وضرورة المحافظة على سلامة المتطوّعات والمتطوّعين الذين هربوا من الجنوب والبقاع”.
الاحتياجات والإمكانات
من ناحتيها، تؤكّد مسؤولة العلاقات العامّة في جمعيّة بنين، نيفين خالد، في حديث لـ “مناطق نت” أن “العائق الأساس الذي واجهنا هو أنّ الحاجات أكبر من الإمكانات التي نملكها، فضلًا عن غياب مراكز الإيواء الكافية”.
وتلفت إلى أنّ “استجابة المنظّمات الدوليّة لتداعيات الحرب يجب أن تكون أكبر لأنّ الحاجات كثيرة، مع الإشارة إلى أنّ هناك بعض الجمعيّات الدوليّة بدأت بالعمل على الأرض في حين أنّ منظّمات أخرى لم تتحرّك بعد”. وتوضح أنّ “بنين تقدّمت للحصول على مشاريع من منظّمات دوليّة من أجل دعم النازحين وتلبية جزء من احتياجاتهم”.
والمعاناة لا تقف عند غياب الإمكانات وتزايد احتياجات النازحين بل كذلك بصعوبة إيصال المساعدات. فوفقًا لمرشاد فإن “ثمة غياب تام لمؤسسات الدولة، وتُرك تنظيم أمور النازحين للأحزاب في المناطق، مما فتح الباب أمام الاستزلام والفساد والبلطجة، وهذا ما نشهده يوميًا، فهناك الكثير من البلدات التي تفرض علينا تسليم المساعدات للجنة معنية بملف النازحين تكون مؤلفة من أحزاب المنطقة والنافذين فيها”.
وتؤكّد أنّ “الجمعيّة التي ترأسها ترفض ذلك وتُصّر على تسليم المساعدات باليد للنازحين”. وتُشير إلى أنّه “أمام المشاهد المحزنة التي نراها في مراكز الإيواء، يبقى تحدي إيصال المساعدات للنازحين ومواجهة البلطجة التي تمنع ذلك أمرًا مهمًّا للغاية”.