فرقة “مشروع ليلى”..والمنظمة الخفية وحروب الآخرين على أرضنا!!
حسين حمية
أيام مضت على قضية فرقة “مشروع ليلى” المؤيدة للمثليين بعد منع حفلها في مهرجانات جبيل، مع ذلك، ما زال هناك ما يستحق الحديث عنها، ليس من زاوية مع أو ضد، والدخول في جدل مع البيئات المحافظة والمدافعين عن الحريات بشكل مطلق، فهذا لن يضيف شيئا، ولن يعدّل من كمية الاصطفافات، وهو أشبه بالذهاب إلى الحج والناس راجعة، مع ذلك تبقى هناك تساؤلات تم تجاوزها والقفز عنها، من كلا الطرفين.
ما سرّ الظهور المفاجىء لهذه القضية، وطغيانها على سائر الأحداث في البلد، بما فيها حادثة قبرشمون التي أحيت الانقسامات الطائفية والمذهبية عطّلت اجتماعات مجلس الوزراء ووضعت البلاد على حافة انفجار أهلي؟ هل هذا من فعل أناس يتصرفون بعفوية، أم من صنع سياسيين ووسائل إعلام لا تثير قضايا بالمجان أو لوجه الله؟
لماذا تم ربط (أو ارتبطت) إثارة هذه القضية بالبيئة المسيحية؟ مع قائمة هموم طويلة يعرفها الجميع لهذه البيئة، لم نسمع يوما انهماكها بهذا الشكل بالمثلية والتجديف، بل مثلها مثل بيئات أخرى، إذا لم تكن أكثر تعافيا منها بهذا “الوباء”، من دون العودة لإحصاءات تظهر النسب المئوية للمصلين في الكنائس والجوامع. ويبقى القول: ما عدا مما بدا، لتحظى فرقة محدودة الانتشار بهذا الكم الهائل من الاهتمام؟ وسؤال آخر على هامش ما نحكي عنه هو: أين وظّف الانتصار على الفرقة الموسيقية؟
لكن السؤال الأهم، لماذا نأت الدولة بنفسها عن هذه القضية؟ أو لماذا تحركت من خلف الستارة لمعالجتها؟ هل تخاف من سطوة المجتمع عليها فامتنعت عن حماية الفرقة على الرغم من تهديد أعضائها بهدر دمهم؟ أم هي تخشى من لوبي المثليين في العالم وبالأخص في واشنطن، وعوضا أن تتخذ قرار المنع بنفسها أوكلت هذه المهمة للجماعات الأهلية والطائفية؟ وهل تقاضى أطرافها ثمن هذا التوكيل من جهات دولية؟
الأجوبة تحتاج إلى تحقيقات أمنية من الأجهزة المختصة أو تحقيقات استقصائية من صحافة قادرة، للبت ما إذا كانت هذه القضية طفت على السطح بسوء حسابات الفرقة ولجنة مهرجانات جبيل أو بتواطوء هذين الطرفين أو أحدهما مع المحتجين، والبحث فعليا عن الغرض من إثارة هذه القضية التي لا علاقة لها باولويات ومشاكل اللبنانيين.
المثلية ليست مشكلة في لبنان، فهي ما زالت فردية، والمثليون ليسوا قوة ضغط، ولن يشكلوا قوة مستقلة في المستقبل القريب، ما زال مشوارهم طويلا، فنحن لسنا في بلد مترف بالحقوق الأساسية للإنسان والفرد لنحكي بحقوق المثليين. بأي حال، تبقى مصلحة هؤلاء بالانخراط مع المنظمات المدنية التي تطالب بزيادة حصة الحقوق الفردية للمواطن اللبناني.
ما يضيء على كل جوانب قضية فرقة “مشروع ليلى”، هو إحضار بعدها الدولي، فنحن نتصدى لمشكلة لم نستوردها بأنفسنا، إنما جرى تصديرها إلينا عبر منظمات سرية عالمية تخوض حربا ضروسا ضد لوبيات المثليين في أميركا والدول الغربية.
انتصر المثليون في الغرب و60 % من الأميركيين مع إعطائهم حقوقهم، وإدارة ترامب على الرغم من نزعتها المحافظة لم تعد تجرؤ على استفزازهم في داخل أميركا وخارجها لحسابات انتخابية، وتجد حرجا شديدا في الدفاع عن حلفائها في العالم الذين يتعاملون بصلافة وقسوة مع المثليين، ومثال على ذلك، الرئيسين الأوغندي والمصري موسيفيني والسيسي.
بعد خسارتهم الحرب ضد المثليين في أميركا، يتهم الصحافي الأميركي جيف شارلوت في كتابه “العائلة”، منظمة “أخوية العائلة” بنقل المعركة إلى خارج أميركا وخصوصا الدول الضعيفة مثل البوسنة والهرسك ومقدونيا والجبل الأسود وأوغندا ولبنان.
شبكة نيتيفلكس للأفلام، تعرض حاليا فيلما وثائقيا على حلقات تحت عنوان ” هزة أرضية لدعائم الديموقراطية”عن هذه المنظمة السرية التي تعتنق مبادىء مسيحية شديدة التطرف وتملك تفسيرا مرعبا للأنجيل. وإلى تعريفه بهذه المنظمة وأعضائها وقوة تأثيرهم في قرارات الحكومة الأميركية، يوثق هذا الفيلم نشاطاتها في أنحاء العالم باستخدامها سياسيين وأصحاب نفوذ في بلدان أخرى، ويسمّي لبنان بالاسم، لفتح حروب وفقا لأجندتها، ومنها اضطهاد المثليين.
لسنا هنا للحديث الفليم، لكن يجدر التوقف عند توثيقه، لتأييد هذه المنظمة لتشريع أوغندا بسجن المثليين مدى الحياة، مقابل تقديمها خدمات سياسية واقتصادية للرئيس الأوغندي يوري موسيفيني وبتمكينه من الالتقاء بمسؤولين كبار في الإدارة الأميركية والكونغرس، مع أن صور سحل المثليين في الشوارع الأوغندية ملأت شاشات العالم، وكذلك توثيقه لتدخل هذه المنظمة في الاستفتاء الذي أجرته رومانيا لمنع المثليين من الزاوج، وكذلك تدخلها في مناطق مختلفة من العالم تحت هذا العنوان تحديدا.
قد لا يكون هذا دليلا دامغا على وقوف منظمة “أخوية العائلة” خلف إثارة قضية فرقة “مشروع ليلى”، وقد يقتضي هذا منا التدقيق بأسماء وفود أميركية زارت لبنان مؤخرا تضم أعضاء في الكونغرس الأميركي، وكذلك البحث في أسماء سياسيين ونافذين لبنانيين جرت دعوتهم لحضور “اليوم الوطني للصلاة والصوم” في واشنطن حيث يتم فيه التجنيد لمصلحة المنظمة، لكن ما يثير الشبهة التغطية الإعلامية الهائلة للموضوع، والحياد المريب للدولة، وتوظيف الانتصار على الفرقة، وهو ما تكفلت مسارعة وسائل إعلام عالمية عملاقة بنقلها خبر منع الاحتفال.. هو توظيف يفيض بكثير عن مشكلة المثليين في لبنان، لكن يحتاج إليه المحافظون في أميركا لتعديل موازين القوى، فهناك، تصرف مثل هذه الانتصارات “الأخلاقية” إلى سياسات تغيّر من طبيعة السلطات واستثمارات تحرك مئات المليارات من الدولارات.