حديقة “فلاوى” البقاعية الجميلة تصارع للبقاء.. وحيواناتها في خطر
بذلك لطالما بادر المغتربون اللبنانيون إلى تنفيذ مشاريع في بلدهم الأم كانوا قد خبروها وعاشوها في الدول التي اغتربوا إليها. وهذا يعود إلى تعلّق هؤلاء ببلدهم حيث الحنين يعاند الواقع الذي غالباً ما يخدع هؤلاء ويبدد آمالهم. محمد أركان السبلاني واحد من هؤلاء المغتربين الذي أمضى سنوات طويلة في أفريقيا قبل أن يعود ويستقر في لبنان. لذلك دفعه حبه لبلدته فلاوى البقاعية وولعه بالحيوانات إلى تنفيذ مشروع فريد من نوعه فيها، وهو إنشاء حديقة حيوانات تكون معلماً سياحياً تضع بلدته على الخارطة السياحية، ليتعرف عليها ليس لبنان فقط وإنما العالم أجمع.
على ارتفاع ١٢٠٠م غربي مدينة بعلبك تقع بلدة “فلاوى”، تحيط بها بلدات بوداي، شليفا واليمونة. وبدأت فكرة إنشاء الحديقة أولاً لأجل أسدٍ ولبَوة، ثم تطورت لتصبح حديقة كبيرة تضم العديد من أنواع الحيوانات. الهواية اكتسبها السبلاني من خلال غربته في أفريقيا، وعندما عاد إلى لبنان عاد محتفظاً بهذا الحب. حيث أثمرت هوايته في تربية الحيوانات حديقة كبيرة لا مثيل لها على صعيد لبنان. وأحضر السبلاني من أفريقيا العديد من الحيوانات كالأسود والنمور، النمر السيبيري والنمر البنغالي، الفهد الأسود، اللاما، الغزلان، الجمال، البونيز. بالإضافة إلى البط والوز وأنواع طيور عديدة من الأحجام كافة.
بالتأكيد لم يهدف السبلاني من خلال مشروعه إلى التجارة والربح. بل كان هدفه الأساسي إحياء المنطقة وإنعاشها وتعريف الناس بها. إفتُتحت حديقة فلاوى البقاعية أمام الزوار منذ خمسة أعوام. حيث توافد إليها الناس من القرى البقاعية واللبنانية كافة ومن دون رسم دخول. ولكن لاحقاً تمّ اعتماد الرسم لكي يساهم في تغطية مصاريف الحديقة ونفقاتها من أجور عمّال وغيرها.
[rev_slider alias=”carousel-gallery-1″ slidertitle=”Animals Slider 1″][/rev_slider]
مشروع مكلف
مدير الحديقة فريد السبلاني قال لـ “مناطق” إنّ كلفة إنشاء مشروع الحديقة كان مرتفعاً. فعلى سبيل الكمثال تكلفة الحيوانات وحدها بلغت حوالى الـ 500 ألف دولار أميركي، عدا عن قطعة الأرض والانشاءات، بناء الحديقة، الغرف. كذلك مستودعات الأكل والتبريد، غرف العزل، وغيرها من التفاصيل. كما أشار السبلاني إلى أن الإنشاءات كانت مكلفة لأنها خضعت لمواصفات معينة حصلت من خلالها الحديقة في فلاوى البقاعية على “رخصة حديقة حيوانات” وليس رخصة مزرعة، حيث أجاز لنا ذلك استيراد الحيوانات من الخارج.
وبالإضافة إلى كلفة إنشائها العالية، تمرُّ الحديقة اليوم بظروف صعبة وتحديات كثيرة أبرزها القدرة على الاستمرار في الأوضاع الحالية حيث الانهيار يطاول كل شيء. الحفاظ على الحيوانات والاهتمام بصحتها وتأمين ما يلزم لها، أمرٌ في غاية الصعوبة في هذه الظروف. كذلك يتحدث السبلاني أن صاحب مشروع الحديقة يضع كل إمكانياته في هذه المزرعة دون أن يبخل عليها. ويدفع لاستمرارها ما بين ١٢ و١٥ ألف دولار شهرياً، وهي تشمل تكاليف طعام ولقاحات وطبابة للحيوانات وأجور للعمال.
وكذلك شرح السبلاني أن الحيوانات المفترسة في حديقة فلاوى البقاعية وأيضاً الكلاب والبوم تتغذى من اللحوم. فالنمر بحاجة يومياً ما بين ١٥ إلى ٢٠ كيلو من اللحم، أي ما يوازي ٢٠ دجاجة، موضحاً أن الحيوان يأكل في الصيف أقل بكثير من الشتاء. في البرد يأكل من أجل أن يشعر بالدفء. أما الأنواع الأخرى من الحيوانات فإنها تتغذى على القمح والشعير والتين والنخالة وهذه أيضاً أصبحت كلفتها اليوم عالية قياساً للسابق. وعن الحيوانات الأليفة أشار السبلاني أن تكلفة طعامها يبلغ حوالى الـ 1000 دولار شهرياً. أما الطيور فهي تتغذى من بذور دوار الشمس الذي يبلغ سعر الكيلو منه حوالى الـ 40 ألف ليرة. وهناك أكل خاص للكنارات يبلغ ثمن الكيلو منه 25 ألف.
أزمة طعام وعوائق أخرى في حديقة فلاوى البقاعية
أزمة الطعام إلى تفاقم، يقول السبلاني “حتى اليوم نستطيع تأمين الطعام للحيوانات. ولكن الخوف مع الوقت هو من عدم إمكانية توفر الطعام لهم. فالعديد من مزارع الدواجن أقفلت أبوابها وتوقفت عن العمل بسبب كلفتها التشغيلية العالية مما حدا بأصحاب تلك المزارع للجوء إلى خيار إقفالها. الأمر الذي يهدد موضوع تأمين الطعام للحيوانات في الحديقة.
علاوة على ذلك التكلفة لا تقتصر على تأمين الطعام للحيوانات في حديقة فلاوى البقاعية بل تنسحب على كل الأمور التي تتعلق بحياتهم من طبابة ولقاحات وغيرها. وفي هذا الإطار يقول السبلاني إن الحديقة متعاقدة مع طبيبين بيطريين، واحد منهما يزور الحديقة يومياً والآخر للحالات المستعصية يأتي من مدينة زحلة عند الطلب. بالإضافة إلى تأمين اللقاحات على أنواعها التي تحتاجها الحيوانات.
بالإضافة إلى ذلك يقول السبلاني “كل عامل في الحديقة كان يتقاضى أجراً قدره ٥٠٠ دولار شهرياً. أما اليوم ومع الصعوبات التي تواجهها الحديقة، أصبح من الصعب دفع هذا المبلغ، واستبدلناه بإعطاء كل عامل مليوني ليرة. لتبلغ تكلفة الأجور أكثر من ١٠ ملايين ليرة شهرياً.
من ناحية أخرى الأزمة التي نشهدها الآن فيما يتعلق بالانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي، كان لها تأثير كبير على حديقة فلاوى البقاعية ، لاسيما فيما يتعلق بالبرادات ومستودعات الطعام. وبالتالي سبب هذا الانقطاع يشير السبلاني إلى أن العديد من المأكولات في البرادات قد فسد واضطروا إلى تلف كميات من الدجاج واللحوم كانت موجودة في المستودعات.
[rev_slider alias=”animals-slider-1-1″ slidertitle=”Animals Slider 2″][/rev_slider]
زوّار حديقة فلاوى البقاعية
قبل الأزمة التي نعيشها والانهيار الذي طاول كل شيء، لاقت حديقة في فلاوى البقاعية عند افتتاحها وفي السنوات الخمس الماضية تجاوباً كبيراً لدى الناس، فهي فريدة من نوعها ليس في البقاع فحسب، إنما في كل لبنان. فقد وفد إليها السيّاح والزوار من كل مكان ولكن هذه الحركة تقلّصت وتراجعت في العام الماضي، وتكاد تنعدم هذا العام. كما يقول السبلاني إن الحديقة كانت في الأعوام الماضية لا سيما في فترة الأعياد تضج بالناس. فمثلاً في عيد السيدة في العام الماضي سجلت الحديقة أعداداً كبيرة في حركة الزوار. أما بعد ذلك في هذا العام فيمكن القول أن العدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة. ويعزو السبلاني السبب إلى فيروس كورونا من جهة، والوضع الاقتصادي المتدهور وعدم توفر مادة البنزين من جهة ثانية.
و شكّل مشروع حديقة الحيوانات في فلاوى لدى افتتاحها بارقة أمل لأهالي المنطقة، حيث كانوا يرتادونها من وقتٍ لآخر. هذا المشروع الذي قام بجهود ومبادرة فردية لا يزال حتى اليوم يعتمد على إمكانيات فردية تقف وراءها إرادة صلبة للاستمرار وتحدي الظروف، وذلك حفاظاً على الحديقة وعلى إسم المنطقة. وفي الإطار نفسه يشير السبلاني إلى أن الحديقة على أهميتها لم تلقَ أي دعم أو إهتمام سواء من البلدية أو المحافظة. وأيضاً إتحاد البلديات لم يحرك ساكناً ولم يبادر إلى أي استثمار بجانب الحديقة للاستفادة سياحياً واقتصادياً من الزوار الذين يأتون إليها.
لكن أن تبقى حديقة فلاوى البقاعية صامدة،ذلك يعني أن دورة الحياة لا زالت تدب في بقعة جميلة تضم بين جنباتها مخلوقات ترمز إلى الطبيعة بكل تلاوينها. أما أن تتعرّض تلك الحديقة لخطر زوالها. فذلك يعني الكثير لبلدة فلاوى ولمنطقة البقاع، يعني أن حديقة كانت تضج بالحياة هي على وشك الأفول. أن معلماً سياحياً كان يشكل متنفساً للناس قد لا يعود كذلك. وأن حيوانات لا ذنب لها معرضة للخطر. بالتأكيد هذا يعني أيضاً أننا نحن في خطر!