“فلسطين” الحاضر الأبرز في “معرض بيروت للكتاب”
في أروقة “معرض بيروت العربيّ الدوليّ للكتاب” يدور الحديث بين البعض، أنّ الكتاب وجه من وجوه المقاومة، فيثنون على صمود المعرض برغم كلّ الظروف، بينما يتهامس آخرون عن آرائهم التي آثرت إلغاء المعرض- قبل افتتاحه- استثنائيًّا لهذا العام، في دورته الخامسة والستّين؛ بينما كان يشكو بعض أصحاب دور النشر من المبيعات المتدنّية التي أثّرت عليها عوامل عديدة، أهمّها كان العدوان الحاصل في غزّة وفي جنوب لبنان.
عند واجهة بيروت البحريّة المخضّبة حتّى اليوم، بآثار دمار انفجار المرفأ، منذ ثلاثة أعوام، برغم أعمال التّرميم، افتُتح نهار الخميس في 23/11/2023 معرض بيروت العربيّ الدوليّ للكتاب، ويتولّاه “النادي الثقافيّ العربيّ” وحده هذا العام، من دون “نقابة اتّحاد الناشرين”. تضمّن الافتتاح كلمة لرئيسة النادي الثقافيّ العربيّ سلوى بعاصيري، وكلمة رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، وأثنت الكلمتان مديحًا على الدّور الثّقافي الّذي يمثّله المعرض، وتضمّنتا أعذارًا حول افتتاحه في هذا التوقيت، بالرغم من القصف والعدوان على الجنوب اللبنانيّ وفي غزّة.
فلسطين.. الكتاب الأكثر مبيعًا
في أروقة المعرض الواسعة حضور خجول، وزوّارٌ يستعرضون الكتب المتروكة فوق الرفوف والطاولات. ولافتات مبيع الكتب الّتي تولّتها بعض دور النّشر المشارِكة في المعرض، وهي من ورق خفيف أو مقوّى (كرتون) بيضاء كبيرة، في إحداها: “عرضٌ خاصّ: الكتاب بـ 100 ألف ليرة لبنانيّة”، (أيّ بما يوازي دولارًا واحدًا و12 سنتًا).
بنظرة سريعة يمكن ملاحظة وجوه الحاضرين مشدودة نحو كلّ ما يتعلّق بفلسطين. أمّا الأصوات المتصاعدة فتنبئ بالحديث عن فلسطين والعدوان على غزّة، أو بأسئلة حول الكتب الّتي قد تعزّز معرفتهم بفلسطين وتاريخها وأدبائها وشعرائها. وهذا ما استغلّته بعض دور النّشر فعرضت الملصقات والكوفيّات وبرّزت الكتب الفلسطينيّة إلى الواجهة، مدعومة بالعلم الفلسطينيّ.
يشير أحد أصحاب دور النشر اللبنانيّة، وهو يلفّ حول عنقه كوفيّة من الصّوف، إلى أنّه منذ افتتاح المعرض تتصدّر كتب غسّان كنفاني المبيعات، مع بعض الكتب الّتي تروي تاريخ العدوان الإسرائيليّ على فلسطين، بالإضافة إلى كتاب “شيرين أبو عاقلة.. سيرة صحفيّة”.
في معرض الكتاب، لم يتقدّم اسم فلسطين إلى واجهة دور النّشر فحسب، بل كان حاضرًا في الكثير من الندوات والأمسيات الشعريّة وعروض الأفلام وتواقيع الكتب، معظمها يحمل عناوين تضمّنت اسم “غزّة” أو “فلسطين”، فضلّا عن بعض الندوات المتأثّرة بالواقع الحاليّ، فناقَشَت المواضيع المتعلّقة بالأزمات ودور الإعلام والاتّصال والثقافة والمثقّفين في الحرب.
معرضان للكتاب بأقلّ من شهرين!
لم يكتشف أصحاب دور النشر المشارِكة في المعرض، واقع المبيعات المتدنّية إثر افتتاح “معرض بيروت العربيّ الدوليّ للكتاب” الحالي، بل أدرك معظمهم هذا التراجع منذ “معرض لبنان الدّولي للكتاب” الذي سبق افتتاحه بتاريخ 13/10/2023، أيّ قبل شهرٍ ونيّف من افتتاح المعرض الأخير، وهو الأمر الّذي كَثُر الجدل حوله سابقًا، أيّ، هل تحتمل عاصمة صغيرة مثل بيروت افتتاح معرضين متتاليين للكتاب؟
مع ذلك، لم يستغرب العديد من أصحاب دور النّشر واقع الحال في المعرض الحالي، إذ إنّهم مرّوا بتجربةٍ سابقة شبيهة بما يحصل اليوم في هذا المعرض، لناحية المبيعات المنخفضة جدًّا، بالإضافة إلى غياب العديد من دور النّشر العربيّة العريقة عن المعرض، وبعض دور النشر المحلّيّة، لأسباب تتعلّق بالأحداث الأمنيّة وغيرها، إذ يضمّ المعرض نحو 120 دارًا ومكتبة، بعدما كان عددها قد وصل إلى 133 دارًا في العام 2022.
لم يستغرب العديد من أصحاب دور النّشر واقع الحال في المعرض الحالي، إذ إنّهم مرّوا بتجربةٍ سابقة شبيهة بما يحصل اليوم، لناحية المبيعات المنخفضة جدًّا، بالإضافة إلى غياب العديد من دور النّشر العربيّة العريقة عن المعرض.
يشير صاحب إحدى دور النشر اللبنانيّة إلى أنّ “نسبة المبيعات منخفضة منذ سنوات، منذ بدء الأزمة الاقتصاديّة في لبنان، هذا إن أردنا الإشارة إلى الواقع المادّي المرتبط مباشرةً بالمعرض أو خارج المعرض. أمّا في ما يتعلّق بإقبال النّاس والقرّاء على الكتاب، فتلك أزمة أخرى لا تتعلّق بالمعرض أو بالواقع المادي المأزوم فقط”.
ويؤكّد صاحب دار نشر أخرى “أنّ نسبة المبيعات لا تزال على حالها، تتراجع أحيانًا وترتفع في أحيان أخرى، لكنّ الحال اليوم، أفضل من السنوات الماضية”، ثمّ يمضي ليثبّت ملصقًا في واجهة عارضة الكتب، تشير إلى خبر مفاده “إذا اشتريت كتابين تحصل على الثالث مجّانًا”.
الكتب لم تعد للجميع
بين أجنحة المعرض، زوايا وممرّات، تبدو مزدحمة بالجموع “الغفيرة” التي تتحلّق حول الكُتّاب والشعراء ممّن يوقّعون كتبهم الصّادرة حديثًا. أمّا بين الممرّات ولافتات الكتب، فيعبر الحاضرون، يتصفّحون الكتب، ثمّ يعيدونها إلى ركنها فوق الرّفوق. ربّما يعود السّبب إلى أنّ أسعار الكتب “باهظة” بحسب وصف البعض.
تتذكّر إحداهنّ، وكانت تتجوّل في المعرض “خالية الوفاض”، سنواتها الدراسيّة، والرحلة السنويّة الّتي كانت تنظّمها المدارس والثّانويّات اللبنانيّة، إلى معرض الكتاب في كلّ عام. هي اليوم تترحّم على تلك الأيّام معبّرة عن ذلك بكلمة “رزق الله”. وتقول: “إن الكتب صارت باهظة، وسعر الكتاب يتراوح بين خمسة وعشرة دولارات. اشتريت كتابين في خلال جولتي في المعرض، بينما في السّابق كنت أعود إلى البيت وأنا أحمل أكياسًا مليئةً بالكتب. أعتقد أنّ الكتب لم تعد للجميع!”.