فوضى توقّعات الطقس مبالغة لجذب الجمهور!

“الطقس جيّد إلى غائم مع احتمال حدوث عواصف رعديّة وثلوج على المرتفعات”. ليس غريبًا أن تقرأ مثل هذا العرض لأحوال الطقس على واحدة من الصفحات المتخصّصة بذلك وتغصّ بها وسائل التواصل الاجتماعيّ، ويدّعي كلٌّ منها أنّه خبير ومرجع في أخبار الطقس والمناخ، وعلى الرغم من أنّ كلّ من يحمل هاتفًا في هذه الأيّام متاح له معرفة الطقس من خلال التطبيق المتوّفر في مختلف الهواتف حكمًا، إلّا أنّ ذلك لم يمنع “عجقة” نشوء صفحات تُعنى بذلك، وأيضًا تخصيص جميع محطّات التلفزة فقرة ثابتة في نشراتها الإخباريّة تتعلّق بالطقس تُعرض في نهاية كلّ نشرة.

لكن المفارقة أنّ في لبنان وعلى غرار جميع دول العالم هناك مصلحة رسميّة تُعنى بشؤون الطقس هي “مصلحة الأرصاد الجوّيّة” ومكانها في مطار “رفيق الحريري”، إلّا أنّ تلك المصلحة التي تُصدر نشراتها بشكل يوميّ، تبقى الأضعف بين الصفحات و”الانفلونسرز” ممّن يقدّمون توقّعاتهم الخاصّة من دون حصولهم على أيّ معايير تجيز لهم ذلك.

مناسبة هذا الكلام تأتي في ظلّ ما بات يصل إلى اللبنانيّين منذ أكثر من 10 أيّام عن اقتراب منخفض جوّيّ وموجة قطبيّة لا يخلو توصيفها من عبارات: “استعدّوا” و”أيّام كذا وكذا لا تخرجوا من منازلكم”، و”لم نشهد لها مثيلًا منذ سنوات طويلة” وغيرها من العبارات التي تجعل من شتائنا الحاليّ (وهو الأضعف منذ سنوات) شتاءً غير عاديّ وسيشهد أحوالًا جوّيّة غير عاديّة.

الثلوج تغمر الجبال اللبنانية (الصورة من صفحة الناشط البيئي بيار موسى)
المنخفض آدم

بالعودة إلى المنخفض الذي سيصل إلى لبنان، وأُطلق عليه تسمية “آدم”، فإن التوقّعات وأخبار الصفحات ذهبت بعيدًا هذه المرة لتصف المنخفض “آدم” بأنّه لم يحدث منذ عشرات السنوات، وغيرها من العناوين التي تزيد من حال الهلع واللايقين بحقيقة الأمر لدى المواطنين.

من جانبه، يؤكّد رئيس دائرة التقديرات السطحيّة في مصلحة الأرصاد الجوّيّة في مطار رفيق الحريري الدوليّ محمّد كنج، في حديث لـ “مناطق نت”، أنّ “التعريف الذي أطلقته مصلحة الأرصاد الجوّيّة على حال الطقس خلال اليومين المقبلين هو منخفض جوّيّ مصحوب بكتلة هوائيّة قطبيّة المنشأ، ولم نطلق اسم عاصفة بل منخفض جوّيّ لأنّ العاصفة تقتضي أن يأتي معها هواء ويعصف، وهذه الخاصّيّة غير موجودة في هذا المنخفض”. ويلفت إلى أنّ “هناك تدنّيًا كبيرًا بدرجات الحرارة وسيضرب المنطقة كلّها سواء الأردنّ أو سوريّا أو فلسطين ولن ينحصر في لبنان، وسيبقى هذا المنخفض من السبت إلى صباح الأربعاء”.

توقّعات من دون معايير

ويلفت كنج إلى أنّ “جميع الأخبار المتداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ، على نحو أنّ هذا المنخفض لم نشهد له مثيلًا منذ 50 عامًا، وجميع الأخبار من هذا النوع غير صحيحة، بل إنّ الصحيح أنّ كتلة باردة ستصاحب هذا المنخفض ربّما تكون الأشدّ منذ 10 سنوات، وآخر مرّة شهدنا كتلة كهذه وبالبرودة نفسها كانت خلال العاصفة (زينة) التي حصلت العام 2015”.

وحول الفوضى التي تعمّ هذا القطاع، يوضح كنج أنّه “يصلني عديد من الاتصالات للاستفسار عن بعض الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعيّ، مثل صفحة تحمل اسم “هيئات الأرصاد اللبنانيّة” وأخرى تحمل اسم “الأرصاد الجوّيّة اللبنانيّة”، ودائمًا يكون جوابي بأن لا صلة لهذه الصفحات بمصلحة الأرصاد الجوّيّة، فالأخيرة هي جزء من المديريّة العامّة للطيران المدنيّ”.

كنج: جميع الأخبار المتداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ، على نحو أنّ هذا المنخفض لم نشهد له مثيلًا منذ 50 عامًا، وجميع الأخبار من هذا النوع غير صحيحة

يتابع كنج حول المنخفض فيشير إلى أنّ “الجليد سيتشكّل في المناطق التي تعلو 500 متر عن سطح البحر، ومن الممكن أن تتضرّر خزّانات المياه والأنابيب وغيرها جرّاء ذلك”. ويلفت كنج إلى أنّ “عمل الأرصاد الجوّيّة هو التنبيه إلى ذلك من أجل تفادي المخاطر”، مضيفًا أنّ “المبالغة حدثت في تقدير التراكمات الثلجيّة، إذ أُشيع بأنّ الثلوج ستصل إلى متر، والحرارة على الساحل ستصل إلى اثنين تحت الصفر، وهذا أمر غير صحيح، فنحن نقدّر التراكمات على الارتفاعات التي تعلو فوق الـ 1500 متر ما بين 40 و80 سنتيمترًا، وتحت ذلك الارتفاع ستكون 40 سنتيمترًا وما دون، على أن تبلغ المتساقطات المطريّة نحو 40 مليمترًا تتركّز حتّى مساء الجمعة، بينما تخفّ المتساقطات في يوميّ السبت والأحد ليحلّ مكانهما الجليد”.

الناحية القانونيّة

ويُشير كنج إلى أنّ “فرع الريّ والأرصاد الجوّيّة ضمن مصلحة الأبحاث العلميّة الزراعيّة في تل عمارة في زحلة يصدر إرشادات زراعيّة وفقًا لنشرات مصلحة الأرصاد الجوّيّة”، مؤكدًا أنّ “المصلحة تمثّل لبنان في المنظّمة العالميّة للأرصاد الجوّيّة، ونحن ضمن الدولة اللبنانيّة نصدر نشرة الطقس كجهة رسميّة”.

ويلفت إلى أنّ “المرسوم 1610 ينظّم عمل المديريّة العامّة للطيران المدنيّ وعمل مصلحة الأرصاد الجوّيّة، وهذا المرسوم لم يعطِ حصريّة للمصلحة بإصدار النشرات الجوّيّة، ولكنّ المصلحة هي الجهة الوحيدة المُشرّعة في مرسوم للقيام بهذه المهمّة، ويمكننا ملاحقة بقيّة الجهات ولكنّنا لا نقوم بذلك”.

ويؤكّد أن “المرسوم وضع هيكليّة للمصلحة، من رئيس دائرة ورئيس قسم ومراقبة جوّيّة ومناخات عامّة ورصد جوّيّ وغيرها، ويُحدّد مهام كلّ شخص”.

كنج: نقدّر التراكمات على الارتفاعات التي تعلو فوق الـ 1500 متر ما بين 40 و80 سنتيمترًا، وتحت ذلك الارتفاع ستكون 40 سنتيمترًا وما دون، على أن تبلغ المتساقطات المطريّة نحو 40 مليمترًا

فارق هائل في الإمكانات

يُشير كنج إلى أنّ “لدى المصلحة رادارًا، ونأخذ النموذج العدديّ للتنبؤ بالرصد الجوّيّ من فرنسا، ولدينا شبكة متّصلة بالمطارات الخارجيّة، وهذه الإمكانات غير موجودة عند أيّ جهة، إذ من المستحيل أن تتمكّن الجهات الخاصّة من دفع هذه الكلفة الكبيرة”، مضيفًا: “على سبيل المثال، لدينا محطّة في المطار للرصد الجوّيّ تقيس اتّجاه الهواء وسرعته وغيرها من الخصائص، ويبلغ سعر هذه المحطّة 300 ألف دولار”.

ويوضح أنّ “لدى المصلحة حاليًّا 34 موظّفًا، فمن غير المنطقي أن يكون هناك شخص أقوى من 34 موظّفًا”.

“انفلونسرز” الطقس

ولا شكّ في أنّ الفوضى في هذا القطاع مضرّة جدًّا، غير أنّ وجود هذا الاهتمام بالطقس والتحذيرات منه، وكذلك وجود أشخاص لديهم الحدّ الأدنى المطلوب للتوقّعات، أمر جيّد مع ضرورة التقيّد بالموضوعيّة ومن دون مبالغة، فعلى سبيل المثال، أدّى إعصار حصل قبل عامين إلى أضرار كبيرة جدًّا في إحدى المدن الساحليّة الليبيّة وذلك يعود إلى أنّ المواطنين لم يأخذوا حذرهم، وبالتالي فإنّ تحذير المواطنين أمر يُساهم بالحدّ من هذه الأضرار.

تعويض المتساقطات

وفي السياق، يلفت كنج إلى أنّ “هذا المنخفض الجوّيّ لن يتمكّن من تعويض نقص المتساقطات لهذا العام، إذ إنّنا خسرنا أمطار كانون الثاني (يناير) الذي يشكل عادةً 25 في المئة من كمّيّة المتساقطات على مدار العام، إذ لم تتساقط الأمطار فيه سوى بنسبة 10 في المئة مقارنةً مع السنوات السابقة”. ويؤكّد أنّ “شباط (فبراير) لن يتمكّن من تغطية نقص المتساقطات في كانون الثاني ولكنّه سيحسّن الموسم المطريّ وسيحافظ على الثلوج مدة أكبر وستستفيد الينابيع أكثر”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى
document.addEventListener("DOMContentLoaded", function() { var blockquotes = document.querySelectorAll('blockquote, q'); blockquotes.forEach(function(blockquote) { var beforeContent = window.getComputedStyle(blockquote, '::before').content; if (beforeContent === '"\\f10e"') { blockquote.style.setProperty('content', '"\\f10f"', 'important'); } }); });