قانون الإيجارات “المشرّع” على الفوضى ومعاناة النازحين
بعد مرور شهر ونصف على توسع العدوان الإسرائيلي على لبنان، والذي ترافق مع حركة نزوح غير مسبوقة، من مناطق الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع. فُتحت شهية “تجار الشقق”، إلى استغلال أوضاع النازحين، وصل بهم إلى طلب مبالغ خيالية بشروط تعجيزية، ومعهم مكاتب العقارات والسماسرة لتحقيق أرباح طائلة.
ليست المرة الأولى التي يُترك بها النازحون فريسة السماسرة، فالحكومة المسؤولة عن أوضاعهم في غياب مطلق. في ظل غياب أي إجراء قانوني وأخلاقي يردع أصحاب العقارات والسماسرة عن المضي فيما يقومون به، حيث وصل الأمر ببعضهم، إلى ملاحقة المستأجرين في حال لم يرضخوا إلى الدفع.
ما حصل مع زميلتنا في “مناطق نت” مهاد حيدر وعائلتها ليس سوى عيّنة صغيرة عما يحصل. مهاد نشرت على صفحتها الفايسبوكية ما حصل معها ومع عائلتها من قبل سمسار عقارات في منطقة طرابلس. كتبت مهاد تحت عنوان “من يوميات النزوح 2: عندما جئنا إلى طرابلس لنعاين شقة، عرض علينا أحد السماسرة واحدة، وعندما ذهبنا لاستطلاعها، تبيّن أنها تحت الأرض عبارة عن درج وخالية من أي أثاث. المفاجأة كانت عندما علمنا أن بدل إيجارها هو 800$. بعد رفضنا للعرض طلب السمسار خمسون دولارًا بدل أتعاب، وذلك مقابل خمسة دقائق استغرقتها معاينة الشقة”.
تتابع مهاد: “رفض عمي دفع المبلغ، فما كان من السمسار إلا أن قام بتصوير لوحة السيارة وتهديدنا أنه في حال عدم تسديدنا المبلغ سيقوم بطردنا من طرابلس، عندها دفع عمي المبلغ المحدد لأننا بوضع لا يسمح لنا بمنع التهديد”.
مِهاد: رفض عمي دفع المبلغ، فما كان من السمسار إلا أن قام بتصوير لوحة السيارة وتهديدنا أنه في حال عدم تسديدنا المبلغ سيقوم بطردنا من طرابلس، عندها دفع عمي المبلغ المحدد لأننا بوضع لا يسمح لنا بمنع التهديد
زيادات غير قانونية
ما حصل مع مهاد لا يقتصر على السماسرة، إذ يعمد بعض أصحاب العقارات إلى طلب زيادة على بدل الإيجار الذي لم يمضِ عليه سوى شهر دون أي مسوغ قانوني. هذا ما حصل مع عائلة من آل فقيه من بلدة طير دبا الجنوبية، والتي اضطرت للنزوح إلى منطقة كسروان. ففي رحلة البحث عن شقة في منطقة آمنة، تم العثور على واحدة، ببدل إيجار يبلغ 1200 دولار أميركي، لكن بعد مرور شهر على الاتفاق طلب صاحب الشقة زيادة على قيمة الإيجار 600 دولار أميركي، علمًا أن العائلة كانت قد سددت إيجار الشقة مسبقًا لمدة ثلاثة أشهر، بالإضافة لعمولة هي قيمة شهر إيجار لمكتب العقارات. مع الإشارة إلى أن الشقة المؤجرة غير مفروشة، حيث تمّ ذلك دون عقد إيجار من أجل تبيان الحقوق، وتحديد الشروط اللازمة لكلا الطرفين.
عدد النازحين في عاليه: 4500 شخص
في مدينة عاليه (جبل لبنان)، تشير الإحصاءات الأخيرة، إلى وصول عدد النازحين في المدينة إلى حدود 4500 شخص، يتوزّعون بين مراكز الايواء والمنازل، وذلك وفق عضو المجلس البلدي لمدينة عاليه فادي شهيب، الذي قال لـ”مناطق نت”، أنّ “غالبية النازحين استأجروا منازل لمدة شهرين أو ثلاثة أشهر، وبذلك لا تزال إيجاراتهم قائمة ولم تُجدد لفترة جديدة كون فترة شهرين أو ثلاثة لم تنقضِ بعد”.
شروط الإيجارات في منطقة عاليه، هي ذاتها الشروط العامة التي تطبق بقانون الإيجار والتعاقد، الذي يطلب تسجيل الإيجار في البلدية ليكتسب قانونيته وتحديد وجهة الاستعمال، وأحيانًا بالشروط الخصوصية التي تحدد عدد السكان في المنزل الواحد لتحديد الخدمات المشتركة إذا كانت كافية.
وبحسب شهيب، “الأسعار تتفاوت بحسب حجم ومساحة المكان المستأجر، وإذا كان مفروشًا أم لا، وأيضًا تبعاً للخدمات التي يطلبها المستأجر، فبعض مستأجري الشقق المفروشة طلب إضافة إلى الفرش بعض القطع الكهربائية وتأمين كهرباء دائمة بواسطة الاشتراك وتوفرّ خدمة الإنترنت، فوصل بدل الإيجار لتلك المواصفات إلى حوالي 1500 دولار أميركي، وإذا كان عدد مستأجري المنزل كبير، فهم بحاجة الى مياه وخدمات إضافية، حينها قد يصل الإيجار الشهري إلى 2000 دولار أمريكي”.
يكمل شهيب: “بعض السماسرة قبضوا من المستأجر مبلغًا يوازي قيمة الإيجار مقابل خدمة تأمين السكن، ومن الممكن أن يكون هذا المبلغ مرتفع جدًا. أما الشقق غير المفروشة فكانت أسعارها تتراوح بين 500 و750 دولار أميركي، إضافة إلى مبلغ مالي للسمسار”.
وفيما يخص موضوع إيجار المحلات التجارية وكون للمدينة خصوصية تجارية معينة، يقول شهيب، “تم تأجيل موضوع الاستثمار التجاري لما بعد الحرب، لما في ذلك من مصلحة مشتركة للتجار والمواطنين وللحفاظ على تجار المدينة وعدم تضارب المصالح، الذي من الممكن أن يولد تشنجات ومشاكل نحن بغنى عنها في الوقت الحاضر”.
السجن من 6 أشهر إلى سنتين
من جهته، طالب المحامي أديب زخور رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، “إتخاذ الإجراءات القانونية والعملانية اللازمة لعدم استغلال الأوضاع الأمنية والحرب لرفع بدلات الإيجار، دون أي ضابط أو رادع. تابع قائلًا لـ”مناطق نت”، أنه “بحث مع تجمع الحقوقيين في لبنان تقديم طعن لتعديل قانون الإيجارات في لبنان، فوفقًا لقانون العقوبات ينص القانون على منع الغش والاستغلال، الذي يشكل جرماً يعاقب عليه القانون استنادًا إلى المادة 685 منه، والتي تنص على أنه يعاقب بالحبس لمدة من ستة أشهر إلى سنتين وبالغرامة، لكل من توصل بالغش لرفع أو تخفيض أسعار البضائع، أو بتقديم عروض للبيع أو الشراء بقصد خلق بلبلة الأسعار، أو بالأقدام على اي عمل من شأنه إفساد قاعدة العرض والطلب في السوق”.
زخور: استنادًا إلى المادة 685 منه، والتي تنص على أنه يعاقب بالحبس لمدة من ستة أشهر إلى سنتين وبالغرامة، لكل من توصل بالغش لرفع أو تخفيض أسعار البضائع، أو بتقديم عروض للبيع أو الشراء بقصد خلق بلبلة الأسعار
يتابع زخور، “بما أن الفقرة الاخيرة في القانون جاءت شاملة لأي عمل بقصد إفساد العرض والطلب وتشمل السوق العقاري والتأجير واستغلال المواطنين والحرب في الجنوب، فهي قد تمتد لأي منطقة كانت، لرفع بدلات الإيجار للشقق السكنية بطريقة غير قانونية، بحيث يمكن للنيابة العامة التمييزية والإستئنافية التحرك لقمع هذه المخالفات. كما يمكن لأي متضرر التقدم بإخبار وشكوى لتحريك الدعوى العامة ومنع المتاجرة بأبناء الوطن واستغلال الحرب ونزوح أهالي الجنوب وبيروت والبقاع. ويمتد هذا الحق والواجب في المراقبة إلى البلديات والقائمقامين والمحافظات وكافة الأجهزة لمنع وضبط المخالفات”.
لا سقف للإيجارات
في القانون اللبناني لا يوجد سقف للايجارات، إذ يمكن للمالك تحديد البدل بالقيمة التي يريد. إلا إنه لا يجوز له رفع البدل خلال فترة الإيجار إلا إذا تم الإتفاق مسبقاً على هذه الزيادات. وفق ما قالت المستشارة القانونية للجنة الأهلية للمستأجرين المحامية مايا جعارة لـ “مناطق نت”. أضافت “إذ يجوز للقضاء التدخل في بعض الحالات مثل حالة استغلال الأوضاع لتحديد بدلات مرتفعة بشكل غير منطقي، وقبول المستأجر مرغماً بذلك ليتمكن في إيواء عائلته، أو في حالة توافر عناصر عيوب الرضى لا سيما الغبن أو الإكراه فيمكن للقضاء تخفيض بدل الإيجار إلى بدل المثل الرائج في المحلة (مكان السكن)”.
وفيما خص لجوء أصحاب الملك إلى طلب زيادات مالية شهرية. تشير جعارة، بأنه “لا يحق للمؤجر رفع بدل الإيجار من شهر إلى شهر، فالإيجار بالمبدأ سنوي، وفي هذا النوع من الإيجار، إذا اتفق على بدل معين يبقى البدل نفسه طيلة أشهر السنة، أما إذا إتفق على التأجير الموسمي وغالبًا ما يكون لثلاثة أشهر، فهذا يشكل حلًّا مؤقتًا يطمئن نوعًا ما المالكين الخائفين من التأجير لفترة طويلة، فيتفق سلفاً على قيمة البدل عن هذه الفترة الوجيزة والتي غالباً ما تدفع سلفاً”. تضيف جعارة: “لا لزوم لتثبيت العقد لدى كاتب العدل، إلا أن العقد يجب أن يُحرر على نسختين موقعتين توقيعًا حيًّا من قبل الفريقين في نفس الوقت”.
لتعديل قانون الإيجارات
وفي سؤال عن إمكانية الطعن في قانون الإيجارات في لبنان، تقول جعارة، “لا يمكن الطعن بقانون سبق وصدر ودخل حيّز التنفيذ وانقضت مهل الطعن به. إلا انه يمكن الإستفادة من واقعة استغلال المستأجرين الحاصلة حاليًا للعمل على إدخال تعديلات على قانون الإيجار الحرّ الخاضع للعرض والطلب المطلق، ووضع ضوابط تحمي حقوق الطرفين لا سيما الفريق الضعيف”.
لا خطة سكانية في لبنان
ووفق الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين، “أنّ ازدياد الطلب على الشقق السكنية للإيجار في مناطق محددة تعتبر آمنة، ارتفعت فيها الأسعار إلى 300 بالمئة، والشقة التي كانت تساوي 200 دولار أصبحت بـ 600 دولار، والتي كان إيجارها 600 دولار أصبحت بـ 1800 دولار، وحتى بعد نهاية الحرب يمكن أن تنخفض الإيجارات ولكن بصورة بسيطة جدًا”.
وبالرغم من أن التعاقد بين المؤجر والمستأجر هو تعاقد حرّ، إلا أن مسؤولية إيجاد ضوابط على الإيجارات هو من صلب مسؤولية الدولة التي لم تنجز حتى تاريخه سياسة إسكانية تضع حدًا للفوضى العارمة في هذا القطاع. تلفت جعارة “الدولة لم تضع خطة سكنية للبلد، بالرغم من أن أزمة السكن هي مشكلة ضاغطة ويلزمها حلول، وهي تتفاقم في ظل غياب الدولة عن المشهد. أما فيما خص إدخال تعديلات على قانون الايجارات الحرّ عبر فرض بعض الضوابط فهذه من مسؤولية المشرّع أي مجلس النواب”.
أما على صعيد السلطات المحلية أي المجالس البلدية، فوفقًا لجعارة، “عليها أن تتحرك عندما يتضح لها أن هناك من يسعى إلى إفساد قاعدة العرض والطلب التي تحث المالكين على رفع قيمة بدلات الإيجار. فهذا الأمر عدا أنه غير أخلاقي فهو غير قانوني ويعاقب عليه جزائيًا بموجب المادة 685 من قانون العقوبات، وتصل عقوبته إلى السجن مدة سنتين”.
وتشير جعارة، إلى أن بعض البلديات وعلى رأسها بلدية بيروت والمحافظ مروان عبود، حاولت الإضاءة على وجوب التعاضد والتكاتف والتضامن المفروض فيما بين اللبنانيين، فأصدر بلاغًا لمراعاة الظروف وعدم الاستغلال، قرّر بموجبه اعتماد الرقم المضخّم كمعيار للقيمة التأجيرية للشقة المؤجرة عملًا بقانون الرسوم والعلاوات البلدية كنوع من المساعدة للحدّ من موجة الإستغلال.
تقرّ جعارة لضرورة اللجوء إلى القضاء بتقديم شكاوى بحق مستغلي الأزمة. معلقّة، “للأسف القضاء حاليًا شبه معطلّ، إذ يمكن التقدم بشكاوى ودعاوى لكن عدم المُحاكمة قد يطيل الموضوع بعض الشيء. ومن الممكن الدعاوى القضائية أن تؤدي إلى تعديل البدل ليصبح موازيًا لبدل المثل الرائج في المحلّة”.
“يُنشر هذا التقرير/التحقيق/ التحقيق المصوّر بالتعاون مع المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية DRI، ضمن مشروع الأصوات المستقلّة: دعم صناعة المحتوى المبتكر والمتمحور حول المواطنين والمواطنات في الإعلام اللبناني“.