قريبًا في صيدا مشفى تخصّصي لمعالجة المدمنين

مع بدايات الألفية الثالثة، ازدادت في منطقة صيدا، نسبة المدمنين على تعاطي المخدّرات، وهي ظاهرة من شأنها تدمير طاقات الشباب ودفعها إلى الهلاك. في مواجهة هذا الأمر أطلق “مركز الرحمة لخدمة المجتمع في صيدا” وبالشراكة مع بلديّة صيدا وتجمّع المؤسّسات الأهليّة مبادرة في حزيران 2005 لتشكيل المجلس الأهليّ لمكافحة الإدمان في صيدا والجوار.

شارك في إطلاق المبادرة آنذاك مؤسّسات رسميّة وأهليّة وجهات تربويّة وثقافيّة ونقابات، ومن خلالها تشكّل المجلس الأهليّ المكوّن من لجنة تأسيسيّة وهيئة عامّة ولجان تخصّصيّة، تحت شعار”عيشا بلا دوز”.

ومن الأسباب التي دفعت نحو هذه المبادرة، تزايد حجم المشكلة على الصعيد اللبنانيّ والمحلّيّ، والحاجة إلى حملات توعية، ومتابعة المدمنين الموجودين حاليًّا. وقد حُدّدت مجموعة من الأهداف وصولًا إلى إقامة مركز طبّيّ للمعالجة.

ومن نتائج المبادرة المستمرّة، العمل تربويًّا وصحّيًّا مع الشباب والتلامذة في المدارس والجامعات وأماكن تجمّع الشباب، والنظر إلى المدمن بصفته ضحيّة وليس مجرمًا، وإخضاعه للعلاج وليس للمحاكمة، والعمل على إنشاء مركز علاج وتأهيل للمدمنين ومتعاطي المخدّرات في صيدا والجنوب.

خلال إطلاق المرحلة الأولى من المشروع
مركز طبّيّ قريبًا

خلال الشهر المنصرم أطلق “المجلس الأهليّ لمكافحة الإدمان في صيدا والجوار” و”جمعيّة جامع البحر الخيريّة في صيدا” المرحلة الأولى من المشروع المشترك، والتي تتضمّن إنشاء مركز طبّيّ متطوّر ومركز متخصّص لعلاج وتأهيل المدمنين على المخدّرات وذلك على أرض العقار الرقم 885 في بلدة بقسطا، وذلك بتمويل من الصندوق العربيّ للتنمية الاقتصاديّة والاجتماعيّة.

المركز الذي بدأت الأعمال الانشائية فيه، يضم طابقين تحت الأرض وثلاثة فوقها بمساحة 400 متر لكل طابق، على أن يتم تجهيز السطح ليكون بمثابة استراحة.

سيحوي الطابق الأول والثاني على غرف لمعالجة المدمنين، بعضها يتسع لمريض واحد، وبعضها لمريضين، والبعض الآخر لثلاثة مرضى. ويمكن أن يتسع كل طابق لاستقبال ما بين 25 و30 مدمناً للعلاج الدائم والمقيم.

عن المركز الطبّيّ الحالي، وكيف بدأت فكرته وتطوّرت وصولا إلى الآن، يقول أمين سرّ الهيئة الإداريّة للمجلس ومدير مركز العلاج ماجد حمتو لـ”مناطق نت”: “لقد حصلنا على دعم عبر الصندوق العربيّ للإنماء الاقتصاديّ والاجتماعيّ، والصندوق الكويتيّ ومموّلين عرب ومحلّيّين.

أمين سرّ الهيئة الإداريّة للمجلس الأهليّ لمكافحة الإدمان في صيدا والجوار ومدير مركز العلاج ماجد حمتو

ويضيف: “هذا الدعم بالإضافة إلى غيره من التبرّعات تمّ بمسعى حثيث من الرئيس فؤاد السنيورة ومتابعة من بلديّة وفعاليّات صيدا. وكلّ هذا الجهد ساهم بوضع الهدف الثاني من أهداف المجلس الأهليّ في موقع التنفيذ، وهو إقامة مستشفى تخصّصي للمدمنين ممّن يحتاجون إلى متابعة العلاج بمركز مقيم، وذلك بالتعاون مع جمعيّة جامع البحر الخيريّة في منطقة بقسطا – الشرحبيل”.

إنّه مريض وليس مجرمًا

ويسلّط حمتو الضوء على المعوّقات والتحدّيات التي تواجه عمل المجلس الأهليّ، فيقول: “إنّ ظروف البلد استثنائيّة من الناحيتين الاقتصاديّة والاجتماعيّة. إنّنا نعيش في بلد يفتقر إلى الخطط والسياسات العامّة خصوصًا في المجال الصحّيّ، ونحن في أمسّ الحاجة إلى خطّة استراتيجيّة للعمل الصحّيّ، ومكافحة الأمراض المعدية، إلى المستشفيات العامّة والتخصّصيّة، إلى المراكز الصحّيّة التي تعالج أمراضّا تخصّصيّة كالإدمان وتقديم العلاج المستمر”.

ويضيف حمتو: “نجد مفارقة في تطبّيّق القوانين بين وزارة وأخرى، وكيف تتعاطى كلّ إدارة أو وزارة مع الإنسان المدمن، إنّه مريض وليس مجرمًا وله الحقّ بالعلاج على حساب الوزارة، وللأسف لدينا ثلاثة مراكز للمعالجة، لوقف التعاطي ولمدّة أسبوعين على الأكثر، وهي: دير الصليب، ضهر الباشق ومستشفى الحريري. لكنّ برنامج إعادة تأهيل المدمن فعليًّا يكون في مركز مقيم وعلى عاتق الجمعيّات الأهليّة. ونحن في المجلس الأهليّ، كغيرنا من العاملين في المجال الإنسانيّ، نعاني من كثرة الاحتياجات وتدنّي التمويل بسبب الأوضاع الأمنيّة والسياسيّة وتخفيف الدعم للبنان وتحوّل معظمه إلى الإغاثة”.

ماجد حمتو: نحن في المجلس الأهليّ، كغيرنا من العاملين في المجال الإنسانيّ، نعاني من كثرة الاحتياجات وتدنّي التمويل بسبب الأوضاع الأمنيّة والسياسيّة وتخفيف الدعم للبنان وتحوّل معظمه إلى الإغاثة

خطّة مستدامة

وعن الحلول الممكنة يشير حمتو إلى أنّ أولوية الحلول،” هي تنشيط الشراكة مع السلطات المحلّيّة وخصوصًا البلديّة، وفاعليّات المجتمع المحلّيّ، وخصوصًا الأطبّاء، الصيدليّات، المستشفيات والمدارس، كما العمل مع وزارة التربية الوطنيّة لوضع برنامج توعية حول مخاطر الإدمان، وهذا يسهّل عملنا ويخفّف من كلفة العلاج ومن الفاتورة الصحّيّة”.

وعن التحدّيات التي تواجه عمل المجلس الأهليّ، يتحدّث حمتو عن “ضرورة الاستمرار في العمل تحت كلّ الظروف، على الرغم من قلّة الدعم، والعمل للمحافظة على دور المركز لأنه شكّل قصّة نجاح في مدينة صيدا. وقدّم وما زال خدمات صحّيّة وجسديّة ونفسيّة لفئات اجتماعيّة مختلفة، وجميع خدماتنا مجّانيّة بالكامل، والتحدّي كيف نواجه الشحّ المالي؟ خصوصًا مع بداية عمليّة بناء المستشفى المتخصّص في منطقة الشرحبيل، وإذا كان مهمًّا بدء البناء فإنّ الأهمّ وضع خطّة مستدامة لاستمراريّة عمل المستشفى”.

خدمات المركز الوقائي

وحول تجربة المركز الوقائيّ، يوضح حمتو: “خلال الأعوام العشرة الماضية ساعد المركز الوقائيّ الاجتماعيّ، الذي تأسّس بواسطة المجلس الأهليّ لمكافحة الإدمان، المرضى على التعافي من تحدّيات الإدمان وغيرها من الاضطرابات النفسيّة، اذ وفّر المركز مجموعة من خدمات يؤمّنها فريق كامل متخصّص من الأفراد المؤهّلين والمتعاطفين الداعمين”.

ويضيف: “لا يقتصر البرنامج العلاجيّ المقدّم عبر المركز على دعم المدمن للتوقّف عن تعاطي المخدّرات والكحول، ولكنه يتطرّق كذلك إلى معالجة القضايا النفسيّة المتلازمة مع التعاطي ما بعد التوقّف عنه، كالقلق والاضطرابات والمظاهر الانسحابيّة وغيرها من الأمور، ويوفر جوًّا هادئًا وآمنًا يرتكز في توجّهه العلاجيّ إلى المدمن وعائلته”.

أحد الأنشطة التي قام بها المجلس في مدرسة المقاصد في صيدا

ويذكر أن المركز يقدّم مجموعة متكاملة من العلاجات، من الرعاية الطبّيّة والرعاية النفسيّة إلى التوجيه. ويخصّص اختبارات وطرق علاجيّة فعّالة ضمن خطّة علاجيّة شخصيّة تتناسب مع كلّ مريض على حدة.

يتمّ اشراك الأسر وتحفيز العائلات على المشاركة وعلى أن يكونوا شركاء، إذ يقدّم المجلس الأهليّ لمكافحة الإدمان مقاربة مهنيّة للمريض وأسرته على حدّ سواء. كما يقدّم خدمات صحّيّة فيستفيد المدمن من فحوصات دوريّة ومجّانيّة للكشف على كلّ أنواع الأمراض المصاحبة للمتعاطين والمدمنين(HIV, HBI…)  إضافة إلى ذلك، يؤمّن المركز للمدمن متابعة قانونيّة لملفّه القضائيّ من خلال فريق من المحامين يقدّم النصائح والاستشارات والمرافعات أمام المحاكم والمراجع صاحبة الاختصاص. ويقدّم المركز كذلك أنشطة رياضيّة وترفيهيّة موجّهة إلى المدمنين، ويعمل على تنظيم مجموعات الدعم الأسريّة.

التدخّل الاستباقي

أمّا عن التدخل الاستباقي فإنّه يتضمّن توعية المجتمع بشكل عام، وفئة الشباب والمراهقين واليافعين بشكل خاص، على كلّ ما يتعلّق بهذه الظاهرة، وكيفية قول لا للإدمان، وما هي المؤشّرات التي تدلّ على وجود مدمن ضمن العائلة أو مجموعة الأصحاب، وكيفيّة التدخل معه وإقناعه بالتوجّه للعلاج.

ويؤمّن البرنامج الاستباقي المساحات الصديقة للشباب وزيادة الفرص للوصول إلى المعرفة أكثر عن مخاطر المخدّرات، وكيف نقول لا للمخدّرات من خلال برامج التوعية الناشطة، كذلك من خلال بعض الأعمال الفنّيّة والإسكتشات الهادفة وشهادات الحياة التي يقدّمها بعض المتعافين.

وحول إعادة الإدماج، يعمل المركز على توفير فرص للمتعافين من الإدمان للعودة إلى مزاولة نشاطهم الحياتيّ بشكل طبيعيّ، فيوجّهوا نحو تدريب مهني، وفرص عمل مهنيّة وغيرها. وعن الخدمات المقدّمة خلال الفترة الممتدّة ما بين 2013 و2023، طبّق البرامج فريق عمل من 10 متخصّصين وعاملين اجتماعيّين وفريق إداريّ ولوجستيّ إضافة إلى 10 متطوّعين ملتزمين بتقديم جلسات التوعية وتطبيق الأنشطة الخارجيّة، فنظمت برامج توعية وتثقيف صحّيّ خلال الفترة نفسها استهدفت 1050 فردًا من الأسر والعائلات و4428 من المراهقين والشباب في المدارس والجامعات والمعاهد ومن المتسرّبين مدرسيًّا.

يأتي تنفيذ مشروع المستشفى ليستكمل الرؤية والخطّة الموضوعتين منذ عشرين عامًا في محاولة لخفض نسبة الإدمان على تعاطي المخدّرات، فهل يكمل المجلس الأهليّ مسيرته على الرغم من قساوة الظروف؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى