قطاع المواشي والدواجن في البقاع يُلملم خسائر الحرب
لم يكن المزارع عبدالله المصري الذي تضمّ مزرعته في بلدة طاريّا 70 بقرة، يُدرك أنّ توسّع الحرب ستضطرّه إلى بيع “جنى عمره”، إذ اتخذ عبدالله قراره الصعب ببيعها بعد نحو 15 يومًا من إعلان الحرب الإسرائيليّة الواسعة على لبنان في الـ 23 من أيلول (سبتمبر) الماضي بعد أن صار يتلف يوميًّا نحو 850 كيلوغرامًا من الحليب، يُقدر سعرها بنحو 500 دولار، إثر توقّف معامل الألبان والأجبان في المنطقة عن العمل، وعدم قدرته على نقل إنتاج مزرعته إلى مناطق أكثر أمنًا، خوفًا من الغارات الإسرائيليّة التي كانت الطائرات الإسرائيليّة تشنّها باستمرار.
اضطرّ عبد الله أمام الواقع الأمنيّ الصعب، إلى بيع أبقاره بسعر أقلّ من 50 في المئة من سعرها الحقيقيّ إذ “صار بدّي أخلص”، وفقًا لما قاله لـ “مناطق نت”. وعلى الرغم من ذلك يُخطط عبدالله اليوم إلى إعادة تشغيل مزرعته، ولكنّه لن يتمكّن من شراء عدد يوازي ما كان يملكه “فإذا تمكّنت من شراء 20 بقرة يكون ذلك ممتازًا، وأنا عاطل عن العمل منذ ثلاثة أشهر، فضلًا عن المصاريف العالية التي تكبّدتُها خلال فترة الحرب. إضافة إلى ذلك سأنتظر بعد شراء الأبقار وإعادة العمل في المزرعة، مدّة ثلاثة أشهر كي أستطيع إنتاج الحليب منها، مع كلّ ما يُرافق ذلك من كلف وغياب المدخول”.
كثيرة هي القصص التي يرويها مزارعو المواشي والأبقار في منطقة بعلبك عن خسائرهم جرّاء الحرب، وهي وإن لم تكن مباشرة، إذ لم تتعرّض معظم المزارع لاستهدافات بالقصف، إلّا أنّ تعطّل دورة العمل وإقفال معامل الأجبان والألبان هو الذي أدّى إلى خسائر المزارعين غير المباشرة، ويصفون زياراتهم إلى مزارعهم في أثناء الحرب بالتفقّديّة والسريعة خوفًا من الطيران الإسرائيليّ، وهي أدّت في نهاية المطاف ونتيجة تطوّر الأمور إلى اتّخاذ عدد كبير منهم قرار بيع مورد رزقه.
لم يكن المزراع عبدالله المصري الذي تضمّ مزرعته في بلدة طاريّا 70 بقرة، يُدرك أنّ توسّع الحرب ستضطرّه إلى بيع “جنى عمره”، إذ صار يتلف يوميًّا نحو 850 كيلوغرامًا من الحليب، يُقدر سعرها بنحو 500 دولار
لا تقلّ خسائر عبدالله عن خسائر ابن عمّه والذي يحمل الاسم نفسه، فقد سجل المزراع عبدالله حسين المصري، الذي يملك مزرعة دجاج تضمّ سبعة آلاف طير من الدجاج البيّاض في بلدة حورتعلا “خسائر كبيرة”، على حدّ وصفه. ويلفت المصري، في حديث لـ “مناطق نت”، إلى أنّ “الإنتاج تراجع خلال الحرب من 18 صندوق بيض إلى 10 صناديق يوميًّا”.
حاول المصري تفسير سبب تراجع هذا الإنتاج من خلال الكشف ما إذا كان الدجاج قد أُصيب بمرض مُعين، إلّا أنّ ذلك لم يحدث. لذا يعتقد المصري أنّ الطيران الحربيّ الإسرائيليّ الذي خرق قبل أيّام عدّة من انخفاض الإنتاج جدارًا للصوت كان مدويًّا جدًّا، هو وراء ذلك الانخفاض، ويوافقه في هذا الرأي أصحاب الخبرة وأحد الأطبّاء البيطريّين ممّن يرجّحون احتمال أن يكون الخوف هو الذي أدّى إلى هذا التراجع. وقد نجم من ذلك خسائر بقيمة نحو 70 دولارًا يوميًّا استمرّت طوال فترة الحرب، ولم يعد الإنتاج إلى سابق عهده سوى منذ ثلاثة أسابيع.
ويُشير المصري إلى أنّه لم يُغادر مزرعته خلال الحرب “خوفًا على رزقي، فإذا تركت المزرعة، وقبل أن أصل إلى مفرق البلدة يكون العامل قد غادر أيضًا، وتصبح المزرعة خالية”. لم تتضرّر مزرعة المصري بشكل مباشر، فأقرب استهداف إسرائيليّ إليها كان يبعد نحو كيلومتر واحد، لذا لا يشعر بأن التعويضات يمكن أن تشمله وهو لم يطالب أحد بتعويض.
أمّا في ما يتعلّق بالمشاكل التي يواجهها القطاع، يرى المصري أنّ “صندوق البيض انخفض سعره منذ نحو أسبوعين إلى 24 دولارًا، وسمعنا أنّه جرى تهريب بيض بكمّيّات كبيرة مصدرها تركيّا عبر الحدود السوريّة اللبنانيّة، وهذا ما ساهم في انخفاض الأسعار”.
“كرّ وفرّ” للحدّ من الخسائر
من جانبه، يشرح المزارع علي حميّة، الذي يملك مزرعة تضمّ 90 بقرة في بلدة طاريّا ويعمل في زراعة التبغ والبطاطا والشعير، إلى أنّه كان يبيع الحليب الذي ينتجه “بمعدّل ثلاثة أطنان يوميًّا قبل الحرب بـ 60 سنتًا للكيلوغرام الواحد، وانخفض سعره خلال الحرب إلى 30 سنتًا، أيّ إلى النصف”. ويلفت إلى أنّه “في أوّل أسبوع من الحرب اضطررنا إلى إتلاف إنتاجنا من الحليب بسبب إغلاق المعامل أبوابها، ولغاية اليوم ما زال سعر الكيلوغرام يراوح ما بين 50 و55 سنتًا، في حين أنّ الكيلوغرام الواحد يجب أن يكون بنحو 70 سنتًا، ولكنّنا في بلد المافيات”.
وعن أسباب انخفاض السعر، يؤكّد حميّة أنّها “تعود إلى إدخال الزيت المهدرج وزيت النخيل من الخارج، بحيث يتمّ تحويلها إلى حليب ومن ثمّ يتمّ تصنيع الألبان والأجبان منها بأسعار زهيدة، ممّا يؤدّي إلى انخفاص سعر الحليب الطبيعيّ”. ويُشير إلى أنّه “قبل سقوط النظام السوريّ كان التهريب يساهم في إدخال نحو 25 طنًّا من الحليب يوميًّا عبر معبر الهرمل فقط، ولكن بعد سقوط النظام بات هذا الرقم أعلى بكثير”.
يصف حميّة عمله مع أشقّائه في المزرعة خلال الحرب بـ”الكرّ والفرّ، إذ كنّا نقوم بالأعمال المطلوبة بشكل سريع جدًّا وسرعان ما نغادر فور سماع صوت الطيران الحربيّ، فبلدتنا تعرّضت إلى نحو 120 غارة”. ويلفت حميّة إلى أنّ خسارته جرّاء الحرب “بلغت نحو 70 ألف دولار، فضلًا عن نفق 20 عجلًا نتيجة عدم القدرة على الاهتمام بها، بالإضافة إلى احتراق التبغ نتيجة غارة قريبة، وغيرها من الخسائر”. وسجّل حميّة خسارته على منصّة وزارة الزراعة و”لكن لم يتمّ التواصل معي من قبل أيّ طرف”.
حمية: خسارتي بلغت نحو 70 ألف دولار، فضلًا عن نفق 20 عجلًا نتيجة عدم القدرة على الاهتمام بها، بالإضافة إلى احتراق التبغ نتيجة غارة قريبة، وغيرها من الخسائر
خسائر الناصريّة
ومن طاريّا إلى بلدة الناصريّة البقاعيّة، حيث سجّل مربّي الأبقار وتاجر المواشي حسين ترشيشي خسارة بنحو 150 ألف دولار. ويلفت ترشيشي، في حديث لـ “مناطق نت”، إلى أنّه “لم أتمكّن من بيع إنتاج مزرعتيّ إبّان الحرب، وخسرت 30 في المئة من الأبقار إذ اضطررت إلى بيع عدد منهم بنصف سعرها، فقد كنت أملك 144 بقرة، بعت قسمًا منها ليبقى لدي 84 بقرة”. ويشكو ترشيشي من انخفاض سعر الحليب، فضلًا عن “تفاوت سعر العلف نحو 20 في المئة صعودًا وهبوطًا”.
اللافت أنّ معظم الخسائر التي تكبّدها المزارعون تدخل ضمن خانة الخسائر غير المباشرة، أيّ أنّ المزارع والمواشي لم تُستهدف من قبل العدوّ الإسرائيليّ بشكل مباشر، إلّا أنّ موقعها الجغرافيّ ضمن المناطق المُستهدفة وتسكير معظم المعامل أدّى إلى تكبُّدها خسائر كبيرة بشكل غير مباشر”.
وعلى الرغم من أنه لا يوجد حتى اللحظة إحصاءات رسمية بالأضرار في القطاع الزراعي والناجمة عن الحرب، إلّا أنّ معظم المزارعين ممّن تواصلت معهم “مناطق نت” بادروا إلى تسجيل خسائرهم على منصّة وزارة الزراعة، مع أنّهم لا يعوّلون كثيرًا على إمكانيّة تلقّيهم أيّ تعويضات، نظرًا لتعقّد الملفّ ومحدوديّة قدرات الدولة.
يبقى الإشارة إلى أن عدد مزارع الأبقار (لحم وحليب) في بعلبك الهرمل يبلغ نحو 1200 مزرعة تتفاوت أحجامها بين صغيرة وكبيرة، فيما يبلغ عدد مزارع الدجاج في المحافظة نفسها نحو 700 مزرعة تتنوّع أيضِا بين صغيرة وكبيرة، وذلك وفق وزارة الزراعة.