قلق يُراود النازحين هل سيُدفع بدل الإيواء مرة أخرى؟

بعد مرور أكثر من عام على إعلان وقف إطلاق النار الهشّ في الـ 27 من تشرين الثاني (نوڤمبر) 2024، ما زال أكثر من نحو 100 ألف مواطن من أبناء قرى الشريط الحدوديّ وغيرها من المناطق، خارج ديارهم ولم يتمكنوا من العودة إلى بلداتهم وقراهم. وعلى الرغم من أنّ نازحي القرى الحدوديّة هم الأكثر معاناة من غيرهم، إذ تهجّروا داخل الجنوب وخارجه أكثر من مرّة، إلّا إنّ هناك آلاف النازحين ممّن دمّرت إسرائيل بيوتهم في مناطق عدّة في الجنوب والضاحية الجنوبيّة لبيروت وفي منطقة بعلبك الهرمل والبقاع الغربيّ، لا يزالون نازحين أيضًا.
هؤلاء ما زالوا يتكبّدون ثقل دفع الإيجارات حيثُ نزحوا، وفي حين حصل معظمهم بعد وقف إطلاق النار على بدل أثاث منزليّ بقيمة ثمانية آلاف دولار أمريكيّ وبدل إيجار بنحو أربعة آلاف دولار عن السنة الماضية من قبل مؤسسة “جهاد البناء” التابعة لـ “حزب الله”. فلا شك في أنّ ما يؤرقهم في الوقت الراهن هو السؤال الآتي الذي لا يملكون إجابته لغاية اليوم: “هل سنحصل على بدل إيجار للعام المقبل؟”.
عادت مريم خريزات مع شقيقتها إلى بلدتهما عيترون، إلّا أنّهما لم تتمكّنا من العودة إلى منزلهما بسبب الأضرار الجسيمة التي لحقت به، فـ “بيتي فعليًّا شبه مُدمّر، ويحتاج إلى نحو 30 ألف دولار لإصلاحه”، وفق ما قالت مريم لـ “مناطق نت”. هكذا قرّرت استئجار منزل في البلدة إلّا أنّ اللافت “ارتفاع الإيجارات في البلدة من 100 دولار قبل الحرب إلى ما بين 250 و300 دولار، بسبب زيادة الطلب، بعد أن باتت معظم منازلها إمّا مدمّرة أو غير صالحة للسكن”. فعيترون من بلدات المنطقة الحدوديّة القليلة التي عاد كثير من أهلها، إذ كان تقطنها قبل الحرب نحو1900 عائلة، عادت منهما بعد هدنة “الشهرين” بين الـ27 من تشرين الثاني 2024 والـ من شباط (فبراير) الماضي نحو 950 عائلة.
عائلات بلا بدلات إيجار وأثاث
قبل الحرب كانت مريم موظّفة في مكتب “بورصة”، أمّا اليوم فقد لجأت إلى الزراعة في بلدتها للحصول على مدخول مادّيّ تعيش منه. وتُشير إلى أنّ” بعد العودة إلى البلدة، جاء معنيّون من جهاد البناء وكشفوا على المنزل، ولكنّني لم أحصل على بدل أثاث ولا على أيّ تعويض لإصلاح الأضرار، وكذلك لم أحصل سوى على ألف دولار مقابل بدل إيجار عن العام الماضي، في حين أن المبلغ المُحدد كبدل إيجار هو أربعة آلاف دولار”.
وتوضح “أنّني لست الوحيدة التي لم تحصل على هذه الأموال، وإنّما هناك كثيرون من أهالي البلدة لم يتلقوها”. وعن سبب ذلك تقول إنّ “الإجابة التي تصلنا هي أنّ الأموال غير متوافرة في الوقت الحاليّ، وحين توافرها سيقومون بالدفع لنا”. وللمفارقة، تلفت إلى أنّ “هناك فئة من أهالي البلدة دُمّرت منازلهم مع بداية حرب الإسناد، فحصلوا على بدل إيجار عن العام 2023، وكذلك مرّة أخرى عن العام 2024”.
وعمّا إذا كانت الدولة ومؤسّساتها قد قامت بدفع مبالغ تعويض أو دعم، تؤكّد خريزات أنّها لم تحصل على أيّ مساعدة، “فنحن نعلم كأهالي عيترون أنّ الدولة لن تعطي أموالًا قبل تسليم سلاح حزب الله، وهذا ملفّ مرتبط ببعضه، لذا ناسيين الموضوع”، في إشارة إلى فقدان الأمل من الحصول على تعويضات من قبل الدولة. وتوضح أنّ “كلّ ما فعله مجلس الجنوب لغاية اليوم هو إصلاح الطريق العام للبلدة قبل الانتخابات البلديّة”.
خريزات: كلّ ما فعله مجلس الجنوب لغاية اليوم هو إصلاح الطريق العام للبلدة قبل الانتخابات البلديّة
وتؤكّد خريزات أنّ كثيرًا من الجمعيّات تأتي إلى البلدية لتوزيع المساعدات “إلّا أنّ “البلديّة لا تعمل بطريقة عادلة، فتضع الأسماء وفقًا للواسطة للحصول على المساعدات، في حين أنّ بقيّة الأهالي مُهمّشون”.
“ما حدا قلّنا شي”
من جانبه، كان سُهاد قطيش، ابن بلدة حولا، يملك مبنى من أربعة طوابق و18 محلًّا، إلّا أنّ المبنى دُمّر بالكامل. وبعد انتهاء الحرب، حاول قطيش العودة إلى البلدة والعمل في المجال الذي كان يعمل به وهو تجارة مواد البناء، إلّا أنّ المخاطر من ملاحقة “الدرون” دفعه إلى المغادرة والنزوح مُجدّدًا إلى بلدة المعيصرة الكسروانيّة. ويستذكر قطيش ما أصابه بمرارة “من صاحب مصلحة لديّ 14 موظّفًا إلى شخص يعمل مياومًا”.
كلّ ما حصل عليه قطيش منذ بداية الحرب هو 1000 دولار كمساعدة من حزب الله، ومن ثمّ 11 ألف دولار كأثاث منزل وبدل إيجار من الجهة عينها، في حين أنّ “مطبخ منزلي وحده كلّفني 9500 دولار”، بحسب قطيش. وحول ما إذا كان سيحصل من جديد على بدل إيجار فيُجيب “ما مبيّن شي وما حدا قلّنا شي”.
يلوم قطيش الدولة التي لم تقدّم أيّ مساعدة للنازحين والمتضررين. بعد الغارات الإسرائيليّة لمجموعة من المعارض الخاصّة بالجرّافات والحفّارات على طريق المصيلح – الزهراني في تشرين الأوّل الماضي، تملّك قطيش الغضب بسبب المعاملة غير العادلة من قبل الدولة. ففي حينه “هبّ الوزراء لمساعدة الشركات هناك، أمّا أنا وأخوتي فخسرنا محلّاتنا التي كنّا نبيع فيها البلاط والسيراميك والخرضوات وكذلك دُمرت منازلنا الأربعة، ولم يتّصل بنا أحد”، هذا الامر دفعه إلى الاحتجاج عبر إشعال الاطارات على الطريق العام في بلدته حولا.
“كابوس الإيجار” يُلاحق النازحين
يوم الأحد الماضي، نفّذ عدد من أهالي بلدة كفركلا الحدوديّة (مرجعيون)، وقفة احتجاجيّة في بلدة كفررمان (النبطيّة)، وأصدروا بيانًا أشاروا فيه إلى أنّ هدفهم “إيصال صوت الأهالي إلى جميع الجهات المعنيّة بملفّ التعمير وإغاثة المتضرّرين”. وطالب البيان بضرورة أن يشعر الأهالي “بأنّ الدولة تقف إلى جانبهم وتعمل على إعادة ما فُقد منهم”.
في حديث مع “مناطق نت”، أشار عبّاس سرحان، المشارك في الوقفة الاحتجاجيّة والنازح إلى بلدة زبدين (النبطيّة)، إلى أنّه “في الوقت الذي دُمّرت فيه منازلنا وأرزاقنا وهُجّرنا، فإنّ الدولة لم تقدّم أدنى مساعدة لنا”. مضيفًا “مطلبنا هو العودة إلى بلدتنا ولو حتّى سكنّا في خيم، فنريد أن ننتهي من كابوس بدل الإيجارات هذا”.
حصل سرحان في كانون الثاني (يناير) الماضي على بدل إيواء وأثاث منزل بقيمة 12 ألف دولار. ويلفت إلى أنّه “ما زال هناك نحو شهر كي يستحقّ العام الجديد”، ولكنّه لا يعلم إن كان سيتمّ دفع بدل إيواء عن العام المقبل أم لا؟



