كأنّه يوم القيامة!
أمس، في أثناء ركوبي في أحد الباصات باتّجاه البقاع الشمالي، فجأة تَوَّقف السير بالكامل عند مستديرة السفارة الكويتيّة، وبدأت الناس تتراكض وأصوات سيّارات الإسعاف تتعاظم أبواقها من كلّ اتّجاه، وبدأ الجميع عبر هواتفهم يستفسرون عَمَّا يجري، حادث سير؟ أم قصف معادٍ في الضاحيّة الجنوبيّة لبيروت؟ فجأة قال أحد الركّاب: “إنّهم يفجّرون الأجهزة اللاسلكيّة التابعة لشباب الحزب”.
هروبًا من الزحمة الخانقة بادر سائق الباص، إلى سلوك إحدى الطرقات الداخليّة في الضاحية باتّجاه مستديرة الصيّاد، حيث بدا المشهد مذهلًا، كأنّ القيامة قامت حقًّا، الناس تتراكض في كلّ اتّجاه، الشبان يتسارعون نحو الشوارع، يساهمون في فتح الطرقات أمام سيّارات الإسعاف، الوجوه يعلوها الغضب الممزوج بالخوف، لكنّ المشهد الأكثر تأثيرًا وتراجيديّةً هو ما حصل على تقاطع غاليري سمعان، إذ يصرخ مواطن بحُرقة وبأعلى صوته: “ولك منشان الله فتحولو طريق الزلمة حكيم بدو يوصل عالمستشفى”. ما دفع الجميع لإفساح المجال أمام سيارة الطبيب بعكس السير.
في الطريق إلى بعلبك نتابع على هواتفنا الأخبار والمشاهد المتداولة، من الشوارع والمستشفيات، شبّان تغطي وجوههم الدماء، أخرون بُتِرَت أصابعهم أو أيديهم، إنّه مُصَاب وطني انساني جلل بكل ما للكلمة من معنى.
عند وصولنا إلى “مستشفى الريّان” في بعلبك، كانت مشاهد “تُدمي القلوب”، من صراخ الجرحى والمصابين في الداخل، إلى تراكض الأطبّاء والممرّضين على الأدراج من دون انتظار المصاعد، إلى اكتظاظ الناس في ساحة المستشفى، والجميع يريد المساعدة من غير أن يعرف كيف يساعد، الكل يصرخ عبر هاتفه “بعتو الناس تتبرّع بالدمّ من كلّ الفئات” فيما الدعوات للمساعدة وتسهيل حركة سيّارات الإسعاف والطواقم الطبّيّة تتوالى من كلّ قرى المحافظة وبلداتها ومرجعيّاتها السياسيّة والدينيّة والعشائريّة.
يوم أمس للأسف، هو أحد أيام جلجلة لبنان، هذا البلد المكلوم منذ استقلاله، من دون معرفة موعد يوم قيامته الفعليّة وخلاصه من كلّ ما يمنع تحوّله إلى دولة فعليّة.