كيف تُنشئ حزبًا سياسيّا في بيروت؟

ما يُكتب في هذه الزاوية لا يُعبّر عن آراء “مناطق نت”، بل عن آراء الكاتبة وحدها.

إذا كنتَ تعاني من حساسيّةٍ مفرطة، وتتّخذ كلّ الأمور على محملٍ شخصيّ، أو إذا كنتَ تحمل السُلَّم بالعرض وتمشي، فننصحك بتجنّب قراءة هذه المقالة.

“أسئلة من الفقّاعة”: هي سلسلة مقالات ساخرة، تسخر من الواقع وتواكبه، تهزأ من تناقضاتنا وتحبّها، وتحاول أن تشرح لك، بخطوات بسيطة، كيف تنجو في هذه المدينة… أو كيف تغرق بأناقة؟

كيف تُنشئ حزبًا سياسيّا في بيروت؟

سئمتَ من الزعماء والأحزاب السياسيّة في بيروت؟ تلك التي تُفرّق الشعب ولا تولّد سوى البغض؟ تعبتَ من مراعاة المحاصصة السياسيّة؟ ألديك مبلغ من المال مصدره يثير الشبهات؟ الحلّ بسيط! حارب التقسيم الحزبيّ للمنطقة عبر تأسيس حزب جديد! نعم، أنت أيضًا يمكنك أن تصبح زعيمًا! كما يمكنك أن تحظى بعلمٍ خاص، ونشيد، ومركز، ورُعاة!

سواء كنتَ تعاني من فراغ عاطفيّ، أزمة هويّة، أو فائض من الوقت، لا تقلق. تأسيس حزب سياسيّ في بيروت أسهل ممّا تظنّ، ولا يحتاج منك سوى بضع خطوات:

أولًا: ابدأ بخيانة شخصيّة

غالبًا ما يولد الحزب بعد خذلان. صديق سرق فكرتك، امرأة هاجرت ونَسيتك، تيّار لم يمنحك ما تستحقّ.

خُذ خيبتك، لُفّها بورق البيان التأسيسيّ، وأطلق عليها اسمًا جذّابًا: “التيّار”، “الحراك”، “الرؤية”، “النبض”، “الصوت”، “ثمانية”… أيّ شيء يشبه كلّ شيء.

لا تنسَ أيضًا أن تُضيف كلمة “مدنيّ” بعد كلّ جملة، كي تجذب جيل ما بعد الـ 2000.

ثانيًا: ابحث عن قضيّة… أو لا

يُفضَّل أن يكون لديك شعار طموح من نوع: “نريد دولة”!

لا تقلق، لا أحدَ سيُحاسبك إن لم تلتزم به. المهمّ أن تبدو قضيّتك نظيفةً كبلاط الحمّام الإيطاليّ. وإن لم تجد قضيّة واضحة، يمكنك دائمًا أن تُركّز على “الإصلاح”؛ كلمة فضفاضة تصلح لجميع المواسم.

ولا تنسَ أيضًا أن تُضيف كلمة “مدنيّ” بعد كلّ جملة، كي تجذب جيل ما بعد الـ 2000.

ثالثًا: نواة الحزب

شكّل الحزب من الأصدقاء المقرّبين الذين لا يقرأون كثيرًا، وبعض المثقّفين الخائبين.

اجمع أصدقاءك ممّن يشاركونك الإحباط والحالات الفيسبوكيّة. يُفضّل أن يكونوا من النوع الذي يوافقك على كلّ شيء. هؤلاء هم العمود الفقريّ! لا تبدّلهم حتّى لو تبدّل كلّ شيء.

أمّا المثقفون، فستحتاج إلى اثنين على الأقلّ لكتابة البيان الأوّل. يُفضّل أن يكون أحدهما قد كتب في إحدى الصحف الحزبيّة سنة 1998 ثمّ انسلخ عنها، والآخر يحبّ استخدام كلمة “تفكيك”.

رابعًا: اعثر على راعٍ ماليّ لا يسألك عن الأهداف… ولا تنسَ المهرجان التأسيسيّ!

قد يكون خالك المغترب، أو “جهة مانحة” لا تفرّق بين الأحزاب والتيّارات الهوائيّة.

المهمّ أن تشتري كاميرا جيّدة لتوثيق الاجتماعات، وتدفع للمصمّم الغرافيكيّ الذي سيبتكر شعارًا يحمل يدًا مرفوعة أو طير حمام. ولا تنسَ حجز قاعة تحتضن المهرجان التأسيسيّ للحزب.

أهلًا بك في نادي النخب المتصدّعة. نراك قريبًا في “بودكاست” على إحدى المنصّات الإلكترونيّة، عنوانه: “هل فشلت النخبة الجديدة؟”

في المهرجان، استعن بمقدّمة برامج معروفة، اعرض فيديو مؤثّر يستعرض لقطات أرشيفيّة من الحرب الأهليّة، ترافقها موسيقى حزينة. ثمّ ألقِ كلمة تعلن فيها عن انطلاق نشاط حزبك السياسيّ الاستثنائيّ، الذي سيعمل من أجل التغيير والإصلاح.

أخيرًا: انقسم عن نفسك!

بعد بضعة أشهر، وعند أوّل اختلاف على لون البّانر، انقسم إلى حزبين.

وانشر بيانًا على حسابك الشخصيّ على منصّة “فيسبوك”، تُعلن فيه أنّك قرّرت “متابعة المسار الذي يؤمن بالمؤسّسة، لا بالفرد”. ولا تنسَ أن تتّهم غيرك بخيانة المبادئ (التي لم تكن موجودة أصلًا).

هكذا، عزيزي الخائب، تملأ الفجوة التي أحدثتها في داخلك التراكمات الاجتماعيّة والعاطفيّة والسياسيّة، عبر تأسيسك لحزبٍ سياسيّ جديد.

لا تحتاج إلى مبادئ، ولا إلى برنامج سياسيّ. كلّ ما تحتاجه هو كرسيّ، بضعة أصدقاء، وشعور حارق بأنّك أذكى من الجميع.

أهلًا بك في نادي النخب المتصدّعة. نراك قريبًا في “بودكاست” على إحدى المنصّات الإلكترونيّة، عنوانه: “هل فشلت النخبة الجديدة؟”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى