كيف ينتظر الجنوبيون انتهاء الهدنة؟

يعيش اللبنانيّون حال قلق مستمرّ، فطنين المسيّرات الإسرائيليّة يقطع هدوء صباحاتهم ونهاراتهم، قلوب أطفالهم ترتعش مع كلّ صوت أو دويّ، وأعينهم تراقب الفضاء بحثًا عن دخان انفجار مهما كان بعيدًا. تحضر جراح لم تُشفَ بعد وتعيدهم إلى أيام لم تُنسَ، إلى ذكريات الحرب الأليمة. تقول سناء من بلدة ارزَي الجنوبيّة في قضاء صور “الحرب لم تُدمّر بيوتنا فحسب، بل دمّرت أرواحنا، والخوف يُلازمني بانتظار انتهاء موعد الهدنة، لا نعرف إذا كان العدوّ الإسرائيليّ سينسحب من الجنوب أم لا؟ وكيف سيكون تعامل الحكومة الجديدة مع هذا الملف؟”.

توقفت الحرب الإسرائيليّة على لبنان منذ الـ 27 من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي في أعقاب مفاوضات أفضت إلى إتفاق يقضي بتطبيق القرار 1701 على أن يبدأ بهدنة مدّتها 60 يومًا. وبينما تشرف الهدنة على الانتهاء إلاّ أنّ قلق الجنوبيّين يزداد وبخاصّة مع استمرار الانتهاكات الإسرائيليّة وتصريحات قادة العدوّ بأنّه سيستمر في احتلاله حتّى بعد انقضاء المهلة وفي ضرب أيّ هدف يراه تهديدًا لأمنه، تزامن ذلك مع تمديد فترة عدم عودة مستوطني الشمال إلى منازلهم شهرين إضافيّين.

وفي ظلّ تريّث الجيش اللبنانيّ واللجنة المكلّفة بتطبيق قرار وقف إطلاق النار حتّى انتهاء فترة الـ 60 يومًا، تزداد هواجس اللبنانيّين من الوحشيّة الإسرائيليّة التي دمّرت نحو 50 قرية بشكل شبه كامل بالإضافة إلى منع عودة حوالي 57 ألف عائلة نازحة إلى منازلها بحسب التقديرات الأخيرة”.

غياب الخيارات

كانت إلهام حايك من دبعال في قضاء صور، تمضي إجازة فصل الصيف في بلدتها، وفي الشتاء تعود إلى حارة حريك في ضاحية بيروت الجنوبيّة بسبب عمل زوجها ومدارس أولادها. لكنّ الحرب دمّرت شقّة إلهام. وبعد فشلها في إيجاد مسكن مناسب للإيجار في الضاحية، وعدم إمكانيّة عودتها إلى منزلها في دبعال بسبب الأضرار الجسيمة التي لحقت به، اضطرّت إلى السكن في بلدة حبّوش جارة مدينة النبطية. تقول الهام لـ “مناطق نت”: “لا يزال شبح الحرب يخيّم على حياتنا، إذ نسْمَع بوضوح أصوات تفجيرات الجيش الإسرائيليّ في المناطق الحدوديّة، وقصف القرى المجاورة لنا كحومين الفوقا وجباع. لكن، أين نذهب؟ أين نسكن؟ نحن من أبناء هذه الأرض، ولن نشعر بالراحة في مكان آخر، على الرغم من أنّ معظم المناطق اللبنانيّة لم تتأثر بوحشيّة الاحتلال الإسرائيليّ”.

حايك: لا يزال شبح الحرب يخيّم على حياتنا، إذ نسْمَع بوضوح أصوات تفجيرات الجيش الإسرائيليّ في المناطق الحدوديّة، وقصف القرى المجاورة لنا كحومين الفوقا وجباع. لكن، أين نذهب؟ أين نسكن؟ نحن من أبناء هذه الأرض

ليس بعيدًا من إلهام، يقول أحمد زين الدين من بلدة يحمر الشقيف (النبطية) إنّه لن يتردّد في العودة إلى بلدته إذا اُعيد بناء بيته المهدّم، على الرغم من عدم تفاؤله بسير الأمور، إذ اعتبر أحمد أنّ القرار 1701 كان فرصة لإسرائيل كي تستغل بنوده في فرض مخطّاطاتها التوسّعيّة بيد من نار. يكشف زين الدين لـ “مناطق نت” عن قلقه من تجدّد سيناريو خسارته لبيته بعد بضع سنوات، لكنه يؤكّد: “هذه أرضي وبلدتي، لن أذهب إلى مكان آخر”.

حذر وانتظار

رمّمت هدى حرب من بلدة زوطر الشرقيّة (النبطية) غرفة واحدة من بيتها المتضرّر، علمًا أنّها قبضت بدل إيواء وأثاث من مؤسّسة “جهاد البناء” التابعة لـ “حزب الله”، إلّا أنّها تريد التريّث قليلًا بانتظار معرفة مصير الاتّفاق خوفًا من العودة إلى مواجهات جديدة، حالها مشابه لحال فاتن متيرك من بلدة عدلون التي تقول لـ “مناطق نت”: “لا أريد الاستعجال في ترميم المنزل، أعتقد أنّ الوضع حسّاس جدًّا وإسرائيل لا تحترم أيّ اتّفاقات ولا أريد أن أدفع ما بقي معي من مال على أعمال الترميم تحسّبًا لأيّ طارئ”.

في سياق مشابه، تحتضن سماح في بيتها في الضاحية عائلتها التي نزحت من ميس الجبل (مرجعيون). تقول لـ “مناطق نت”: “إنّ بدل الإيواء الذي حصل عليه أهلي يعينهم على تأمين كلفة المعيشة”. لأنّها لا تستطيع تحمّل إعالتهم وحدها فقد خسر والدها عمله كفرّان ولا يعرف الجميع متى يستطيعون العودة إلى بلدتهم واستئناف عمل رب الأسرة”.

عدم استسلام

تروي غادة إدريس من بلدة الخيام جارة مرجعيون لـ “مناطق نت” تجربتها في خلال الحرب، وبنبرة حازمة تقول: “لم أنتمِ يومًا إلى حزب الله، لكنّ هذه الحرب غيّرتني. الشعور بالغربة قاسٍ، حتّى داخل الوطن. أفضّل الموت في الخيام على التشرّد مجدّدًا”. وتضيف: “قد يكون الوضع صعبًا بعد الهدنة، لكنّني أثق بقرارات الحزب. أرفض الاستسلام للاحتلال، فلدينا مسؤوليّة تجاه أهلنا وبلدتنا، أنا امرأة غير ملتزمة دينيًّا، لكنّ مقاومتي لا تنبع من معتقدات دينيّة، بل من واجبي تجاه أرضي”.

ترقّب بانتظار الهدنة والعودة إلى القرى

تؤكّد ملاك حمّود من بلدة كفرملكي عودة الحياة إلى مسارها الطبيعيّ في البلدة، مشاريع البناء استأنفت، ومعظم سكّان البلدة رمّموا منازلهم وأعادوا فتح محالهم ومصالحهم.

أمّا “أم سعيد” السبعينيّة فقد عادت لتسكن في غرفة صغيرة قرب ركام بيتها المدّمر في يحمر الشقيف تقول لـ “مناطق نت”: “نحن اعتدنا الحروب، فإسرائيل لا تتوقّف عن تنفيذ ما تريده بحجّة أو من دون حُجّة”، أيضًا ينتظر حفيدها حسن زين الدين انتهاء فترة الهدنة ليعود ويستأنف بناء بيته بعد أن كان قد اشترى قطعة أرض وحصل على رخصة بناء قبل الحرب.

عودة ولاعودة

خلال الحرب هجرت رنا منزلها في الضاحية واستأجرت بيتًا في الحمرا. تقول لـ “مناطق نت”: “أولادي يخافون من صوت الرصاص، وبخاصّة أثناء تشييع الشهداء. لذلك، قرّرت البقاء في الحمرا ونقلت عملي ومدرسة أولادي إلى هنا”.

أمّا “أمّ قاسم” من كوثريّة السيّاد (الزهراني)، فقد قرّرت عدم العودة نهائيًّا إلى الضاحية بعد أن تضرّر منزلها في حرب تمّوز (يوليو) العام 2006 ثمّ في الحرب الأخيرة. استأجرت أمّ قاسم بيتًا في محلّة بشارة الخوري (بيروت)، وذلك بدعم من ابنها المقيم في أميركا، لتفادي معاناة النزوح مجدّدًا في حال حدوث أيّ توتّر أمنيّ.

إدريس: هذه الحرب غيّرتني. الشعور بالغربة قاسٍ، حتّى داخل الوطن. أفضّل الموت في الخيام على التشرّد مجدّدًا. أرفض الاستسلام للاحتلال، فلدينا مسؤوليّة تجاه أهلنا وبلدتنا

تعبّر فاتن متيرك عن أسفها لأنّ جاراتها في بيروت اللواتي نزحن من بلدات محيبيب وميس الجبل (مرجعيون) ومارون الراس (بنت جبيل)، قرّرَن عدم إعادة بناء منازلهنّ إذا لم يحصلن على تعويضات كافية، فقد أنفقن جنى أعمارهنّ على بناء بيوتهنّ هناك ولا يمكنهنّ تحمّل نفقة البناء من جديد.

في السياق نفسه، تعتقد سلوى إدريس من بلدة الخيام، والتي تعيش في كندا، أنّ البلدات الحدوديّة لن تنعم بالسلام. تقول لـ “مناطق نت”: “لا أريد أن أعيش هذه التجربة كلّ عشر سنوات، لقد قمت بتصميم منزلي في الضيعة بأجمل شكل، لكنّه دمّر الآن، رأيت ما تعبت به خلال عشر سنوات، ينهار أمامي في فيديو لا تتجاوز مدّته بضع دقائق”. تضيف سلوى:” في حال أعادوا بناء البيوت المدمّرة، سأبيع البيت وأشتري آخر في تركيّا”.

شهد زيد عبدالله من بلدة حولا الحدوديّة (مرجعيون) تدمير منزل عائلته في حرب الـ 2006، والآن لم يبقَ للبيت من أثر، يقول لـ “مناطق نت”: “إذا حصلت على تعويض ماليّ فلن أبني بيتًا في حولا، بل أفضّل شراء بيت في مكان آخر، وإذا تُرك الخيار للناس، ستكون هناك نسبة كبيرة لا ترغب في إعادة بناء بيوتها عند الحدود”.

تجزم سميّة علّيق من بلدة يحمر الشقيف أنّ الوضع لن يستقرّ، تقول لـ “مناطق”: “هذه منطقة مشتعلة، وإسرائيل على الحدود، وفي الوقت نفسه، لن تستسلم المقاومة عند حدوث أيّ انتهاك. لا يمكنهم تسليم الجنوب على طبق من فضّة”. تضيف: “حتّى لو عادت الناس إلى حياتها الطبيعيّة، إلّا أنّ البلدة أصبحت كئيبة جدًّا، أشعر بالخوف والحسرة، ولا أريد أن أعيش التهجير مرّة أخرى، لذلك قرّرت عدم السكن في البلدة حتّى لو أعادوا بناء بيتي المدمّر”.

أمنيات

ترى سهام من بلدة الطيبة (مرجعيون) في حديث لـ “مناطق نت”: “أنّه على رغم التصعيد الكلاميّ الذي عبّر عنه مسؤولو حزب الله في حال عدم انسحاب اسرائيل من الجنوب بعد انتهاء مهلة الـ 60 يومًا، إلّا أنّهم لن ينجرّوا إلى معركة جديدة، بل سيقفون خلف الحكومة والجيش، لانّ الحرب كانت مكلفة للغاية على بيئته التي باتت في حاجة ماسّة إلى الاستقرار وإعادة التعمير وليس إلى أيّة مواجهة أخرى ربّما تزيد من معاناتهم وخسائرهم”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى