لاجئون سوريون نازحون في الطرقات: أين نذهب؟
في الوقت الذي لا يميز العدوان بين مدني وآخر، وبين لبناني لاجئ وأجنبي، لا يزال التمييز العنصري في لبنان مستمرًا حتى في اللحظة الأكثر حساسية. عديد من السوريين ممن نزحوا من بعض المناطق اللبنانية جراء الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على المناطق الجنوبية والبقاعية والضاحية الجنوبية، اشتكوا من رفض بعض مراكز الإيواء استقبالهم. أما عدد آخر فقد عبّروا عن مخاوفهم من اللجوء إلى مراكز الإيواء خوفًا من التعرّض لهم وسط توسّع واشتداد الحرب المتزامنة مع اشتداد الحملات العنصرية ضدهم من قبل جملة من البلديات.
“تعاملت مراكز الإيواء مع السوريين بعنصرية لا توصف” هكذا تستهل أم عادل (اسم مستعار) حديثها لـ “مناطق نت” موضحة أنها كلاجئة في بيروت لم تجد أي مركز إيواء يستقبلها وعائلتها، إذ إنّ فكرة أنهم سوريون كانت وحدها كافية لرفض مراكز الإيواء استقبالهم.
حتّى إن مفوضية اللاجئين للأمم المتحدة لم تتجاوب معها ولا مع غيرها من السوريين الذين اضطروا إلى النزوح بسبب العدوان، تقول أم عادل “بالنسبة إلى مجموعة كبيرة من السوريين المتواجدين في بيروت لم يصلهم أي دعم أو مساعدة من جهة الامم”. مشيرة إلى “أنّ بعض الناس لم يقبلوا أندماجنا معهم على رغم حجم الكارثة التي هجرتنا جميعنا بسبب الحرب، وعلى رغم أن العدوان طالنا كلنا من دون استثناء، إلا أن البعض عاملنا بعنصرية غير آبه بالظروف الصعبة والمتشابهة التي نمر بها”.
تقيم أم عادل مع عائلتها منذ عدة أيام في الطرقات، مثل كثر من العائلات اللبنانية والسورية، ممن ينتشرون على أرصفة الشوارع، مؤكدة أن “معظمهم من السوريين، بعد أن أصبحت مراكز الإيواء لا تتسع لهم، أو رفض البعض استقبالهم. لقد رفض مدير مدرسة بكفيا استقبال عائلتين سوريتين، قائلاً: لا نستقبل سوريين، خليهم يرجعوا على بلدهم”. بحسب أم عادل “من استطاع من السوريين العودة إلى سوريا فقد عاد”. متسائلة: “ولكن اللي مو قادر وين بدو يروح بهيك ظروف؟ الناس أطفالًا ونساءً منتشرون في الشوارع…”.
تصريحات عنصرية وتقصير في خطط الطوارئ
بحسب وحدة إدارة الكوارث، فقد ارتفع عدد النازحين الإجمالي في لبنان الى مليون و200 ألف شخص، ثمّة 160 الفاً و200 شخص مسجلون في مراكز الإيواء، جراء العدوان الاسرائيلي على لبنان. وعلى رغم الأعداد الهائلة من النازحين وتقصير الحكومة في وضع خطة طوارئ، لم يسلم السوريون من تصريحات وزراء الحكومة الذين لم يترددوا من جديد في إظهار التمييز والعنصرية ضد السوريين النازحين جراء هذا العدوان.
وإن كان تصريح وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار مجمّلًا ببعض التعابير على نحو “الأخوة السوريين”، إلا أنّ الاعتراف كان واضحًا بترك السوريين إلى مصيرهم في الشوارع، إذ قال: “إنّها مسؤولية كبيرة، ولبنان استضاف السوريين لمدة 11 سنة وكان المجتمع الدولي يساهم وساهم. واليوم لدينا اكتظاظ للبنانيين وعدم إمكانية إيجاد ايجارات للمنازل، والأخوة السوريين موجودون في الساحات”.
متابعًا: “تشاورت مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وتحدثنا عن حلول، وغدًا لدينا اجتماع مع ممثل المفوضية العليا للإغاثة لأن المسألة بحاجة إلى حالة طارئة، لأنه يمكن أن نتحول من حالة نزوح جديد إلى حالة وباء جديد، ليس السوريون هم من يسببون الوباء، إنما التواجد في الساحات لأيام من دون استحمام أو تبديل ملابس، هذا سيؤدي إلى أمراض سارية ومعدية، وبمكن أن توصلنا إلى الانتقال من حرب همجية مع اسرائيل إلى وباء يضرب لبنان”.
أما وزير البيئة فقد صرح بعد اجتماع لجنة الطوارئ الحكومية، أن الحكومة السورية رفعت القيود، وعلى السوريين العودة إلى بلدهم. تبدي أم عادل خوفها وقلقها من العودة إلى سوريا “عندما خرجنا منذ 13 سنة من سوريا، خرجنا خوفًا على أولادنا من الحرب، هلق نرجع نسلمهم للنظام؟ أولادنا أصبحوا في سن الخدمة، وإذا عدت إلى سوريا يعني تسليم أولادي للموت، لأن الخدمة اليوم في سوريا والموت واحد. حتى اليوم لا يوجد استقرار تام في سوريا أو تحديد مدة الخدمة. لذلك هناك عديد من السوريين متخوفون من العودة إلى سوريا، وفكرة العودة إليها هي أشبه بالرعب الكثيرين منا”.
بحسب وحدة إدارة الكوارث، فقد ارتفع عدد النازحين الإجمالي في لبنان الى مليون و200 ألف شخص، ثمّة 160 الفاً و200 شخص مسجلون في مراكز الإيواء جراء العدوان الاسرائيلي على لبنان
ماذا عن مفوضية اللاجئين في لبنان؟
بحسب أم عادل، “فقد تواصلت كما عديدين مع مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في لبنان، وكان جواب المفوضية بأنه تم رفع أسمائهم وسيتم التواصل معهم قريبًا”. ولكن “نحن اليوم نفترش الطرقات، متى سيتم التواصل معنا؟ لا نعلم، لا نزال في الشوارع منذ أكثر من أربعة أيام ولغاية الآن لم يتواصل معنا أحد من جهتهم”.
تشير مصادر في داخل غرفة الطوارئ والعمليات في بلدية بيروت إلى “أنّ جميع مراكز الإيواء تستقبل السوريين النازحين من المناطق المعرّضة للعدوان الإسرائيلي”. في المقابل، تؤكد مصادر مطلعة في مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في لبنان “أنّ هناك تفاوتاً في استجابة مراكز الإيواء، فيستقبل بعضها النازحين بينما يرفض البعض الآخر ذلك، ويعتمد ذلك على الجهة المسؤولة عن كل مركز. لذا، تُفضل المفوضية أن يتواصل النازحون مع الخط الساخن 04726111 قبل التوجه إلى مراكز الإيواء، مما يسهل عليهم معرفة المركز المناسب لاستقبالهم”.
ويلفت المصدر إلى أن “معظم مراكز الإيواء التي تستقبل اللاجئين تقع في شمال لبنان، من طرابلس إلى عكار”. ويشير المصدر أيضاً إلى أهمية التنسيق مع الحكومة اللبنانية، “إذ لم تُعتمد المدارس كمراكز إيواء من قبل المفوضية، بل تم وضع خطة طوارئ تحدد مراكز معينة لاستقبال النازحين. وبالتالي، ينبغي على الراغبين في الحصول على معلومات دقيقة حول مراكز الإيواء التواصل مع الخط الساخن التابع لوزارة الصحة على الرقم 1787”.
أما بشأن الخدمات المقدمة من قبل المفوضية، يوضح المصدر المطلع أنه “لم يتم تقديم أي مساعدات عينية تتعلق بحالات الطوارئ حتى الآن، ولكن سيتم البدء قريباً بتقديم المساعدات للفئات الأكثر حاجة، خصوصًت أولئك الذين فقدوا منازلهم. وفي الوقت الحالي، تعمل المفوضية مع عدد من الشركاء لإجراء تقييم للاحتياجات”.
بالنسبة للأشخاص الذين نزحوا سابقاً، يتم تقديم مساعدات لهم بشكل مستمر، تشمل أدوات التنظيف والفرش ومقتنيات المطبخ وغيرها. ووفقاً لبيان المفوضية، فإنه “منذ ال 23 من أيلول (سبتمبر) الماضي أُجبر أكثر من 118 ألف شخص على ترك منازلهم بحثاً عن الأمان من الغارات الجوية الإسرائيلية المكثفة”. وتعمل المفوضية على التنسيق مع السلطات اللبنانية والشركاء في المجال الإنساني لتلبية احتياجات النازحين في مختلف المناطق اللبنانية، بما في ذلك الجنوب وبيروت وجبل لبنان والبقاع والشمال.
وأكدت كذلك أنه “منذ يوم الاثنين ال 23 من أيلول الماضي، قدمت المفوضية وشركاؤها أكثر من 18,587 مادة إغاثية أساسية، بما في ذلك الفرش والبطانيات وأدوات المطبخ، استفاد منها أكثر من 13,400 نازح لبناني وسوري في جميع أنحاء لبنان”.
78 % من المدارس والمعاهد الرسمية لا تزال مغلقة
تشارك الحاجة أم ياسر (اسم مستعار) تجربتها الصعبة، إذ نزحت مع عائلتها من الضاحية الجنوبية ولجأت إلى أحد مراكز الإيواء بعد أن تأكدت من جهوزيتهم لاستقبالها وعائلتها في منطقة بيروت. تقول أم ياسر لـ “مناطق نت”: “عندما وصلنا إلى المركز، اعتذروا عن استقبالنا، على رغم أنهم كانوا على علم بأننا عائلات سورية.” وتعبر عن انزعاجها وصدمتها من التمييز والعنصرية، إذ أبدى المركز استعداده لاستقبالها لوحدها، من دون عائلتها، كونها من الجنسية اللبنانية.
تشير الناشطة الاجتماعية آمال حرقص، خلال جولتها على مراكز الإيواء في الشمال، لـ “مناطق نت”، إلى أن “معظم المراكز التي زارتها تتبع للدولة”. وتوضح أن “هناك منعاً لوجود السوريين فيها، إذ إن الوجود السوري مرتبط بمفوضية اللاجئين في لبنان، وتظل هذه المراكز تحت إشراف الدولة، سواء كان ذلك من قبل الجيش اللبناني أو المحافظات أو البلديات. لذا، لا يمكن مخالفة القرار القاضي بأن هذه المراكز مخصصة فقط للنازحين اللبنانيين”.
أم ياسر: عندما وصلنا إلى المركز، اعتذروا عن استقبالنا، على رغم أنهم كانوا على علم بأننا عائلات سورية. إلا أنهم وافقوا على استقبالي كوني من الجنسية اللبنانية
تضيف حرقص: “عندما تتواجد عائلة سورية، يتم استقبالها إلى فترة قصيرة، كما حدث في إحدى المدارس في عكار، حيث استقبلهم مدير المدرسة ليوم واحد فقط بعد الحصول على الموافقة للسماح لهم بالمبيت مدة قصيرة إلى حين نقلهم إلى مكان آخر. لكنني لا أعرف إن كان قد تم استئجار مكان لهم، وهذا يعود إلى مسؤولية المفوضية”. وفي هذا السياق، تؤكد حرقص أن هناك عديدًا من المدارس في المنطقة لا تزال مغلقة حتى اليوم، دون معرفة السبب، وتستغرب: “لماذا لم يتمّ تحويلها إلى مراكز إيواء حتى الآن؟”.
من جهتها، تشير مبادرة سقف واحد إلى أنّ 78 في المئة من المدارس والمعاهد الرسمية لا تزال مغلقة، موضحة أن “أعداد النازحين من الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية تفوق قدرة استيعاب المدارس والمعاهد المفتوحة، والتي تمثل فقط 22 في المئة من إجمالي عدد المدارس والمعاهد الرسمية في لبنان (1475 معهد ومدرسة)”. وتؤكد المبادرة أن هناك أعداداً كبيرة من النازحين تُركت لمصيرها في الشوارع، داعية الجميع إلى “الضغط على الجهات الرسمية لتحمل مسؤولياتها في إيواء النازحين فوراً.”
خطط الطوارئ تقصي السوريين عنها…
في تحقيق أجراه أستوديو أشغال عامّة تحت عنوان “المشهد من أمكنة النزوح: ديناميكيات السكن في صور وعاليه”، والذي نشر في آخر عام 2023، يؤكد أن عديدًا من اللاجئات/ين السوريات/ين النازحات/ين من الجنوب، “يعانون هم أيضاً من الإقصاء بشكل مضاعف، إذ لا يتم شملهم في إحصاءات النزوح، ولا في خطة الطوارئ لإيوائهم.
بالنسبة للحكومة، فإنّ المؤسّسات الرسمية لن تكون قادرة على تقديم الخدمات إلى أعداد كبيرة من النازحين في ظل الأزمة الاقتصادية الحاصلة، ومراكز الإيواء لن تكون كافية للّبنانيين والسوريين على حدٍّ سواء، لكن خطة الطوارئ التي طوّرتها الحكومة، تضع المسؤولية المباشرة عن اللاجئين/ات السوريين/ات على عاتق المنظمات الدولية”.
مع تصاعد الحرب في لبنان، وارتفاع الأزمات الاقتصادية وزيادة إيجارات الشقق، تشير مصادر مطلعة إلى أن عددًا من السوريين قد أُخرجوا من منازلهم بهدف تأجيرها لعائلات أخرى بأسعار أعلى. يترافق هذا الاحتكار مع أشكال متعددة من التمييز ضد كل من السوريين واللبنانيين على حدّ سواء، وتشهد بعض المناطق حملات تحريض طائفية ومذهبية كما ضد السوريين، تصل أحيانًا إلى رفض تأجير شقق لطائفة معينة. وفي ظل هذه الأوضاع، يظل التساؤل قائمًا: من يحمي هذه الفئات من التحريض والعنصرية في ظل خطط الطوارئ التي ما زالت غير مكتملة، ولا قادرة على تغطية الاحتياجات الأساسية على رغم كل الكوارث التي شهدها لبنان على مر التاريخ؟