لاح العلم الأحمر بلا مطرقة وبلا منجل! – المحامي كمال الحاف
بعيداً عن أرقام الذين شاركوا في التظاهرة وحجم التحرك الفيسبوكي الذي رافقها، عاد الحزب الشيوعي إلى المشهد السياسي في صورة لن تشكل إضافة على المشهد السياسي اللبناني أو تنتقص منه. حَضَن الرفاق بعضهم بعضاً وتشابكت أيديهم بعد فترة غياب طويلة تغيرت خلالها ملامح ووجوه العديد منهم وبالكاد تعرفوا فيها على بعضهم.
ردّد الشيوعيون الشعارات الرنانة نفسها التي حفظوها منذ زمن وعن ظهر قلب في الشوارع «الارستقراطية» للعاصمة بيروت، وخطب أمينهم العام الذي لم يكلف نفسه عناء تغيير بعض، لا بل معظم المصطلحات التي أصبحت «سمفونية» قديمة اعتادت جدران البنك المركزي ونوافذ العمارات الفخمة في شوارع الامبريالية سماعها.
بانفعاله المعهود شدَّد حنا غريب في كلمته أمام المتظاهرين على ضرورة محاربة الفساد، وهاجم السلطة الحاكمة واتهمها بالقضاء على ما تبقى من النظام الديمقراطي في لبنان، لكن خطابه لم يأتِ بأي جديد ولم يتميز عن خطب الزعامات الحاكمة التي بدورها تتخذ من الفساد والوضع الاقتصادي المتهالك شماعة تزيِّن بها خطاباتها الشعبية والشعبوية.
لم يستطع الحزب الشيوعي بعد انقضاء سبعة أشهر على إجراء الانتخابات النيابية والتي أظهرت هشاشة كبيرة في تنظيمه الداخلي، من لملمة جراحه من خلال تلك التظاهرة ولم يستطع إعادة رص صفوف المحازبين والمناصرين أو على الأقل إعادة بعث الروح الحزبية بمن فقدوا الأمل بحزبهم أولاً وبوطنهم ثانياً. ولسنا نبالغ ولم يكن خالد الهبر يبالغ حين غنى «أكتر من أيا زمان هيدا زمانك.. يا حزب الناس الموعودين وينو وعدك.. الناس اللي صارو منسيين كانوا عندك.. شبابك صاروا بمطارح وأنت بمطرح لوحدك.. عهدك قطعتوا لمين وينو عهدك.. وانت وحدك قاعد منك عارف إنو أكتر من أي زمان هيدا زمانك.
لاح العلم الأحمر في شوارع بيروت لكن بلا مطرقة وبلا منجل، وما كان يُلوَّح به هو رايات خنقتها العصي وأدمتها الجراح، فلا المطرقة عادت قادرة على طرق رؤوس الرأسمالين ولا المنجل باستطاعته حصد أعناق الفاسدين.. مجرد شعارات وخطابات رنانة لا تثمن ولا تغني من جوع. خطابات ملَّ منها المتظاهرون أنفسهم وهم وحدهم يبقون الأصدق بحناجرهم ومطالبهم، ويبقون بلا حزب وبلا رأس حربة ولا حول لهم ولا قوة.
ما مضى قد مضى وصار من الواجب على قيادة الحزب الشيوعي وقبل أن تنطلق إلى الشارع أن تبادر إلى ممارسة وظيفتها وأفكارها على نفسها قبل السعي إلى تطبيقها على الغير، فلن يصدق أحد أن من لا يواكب عجلة التغيير قادر على إحداث تغيير، ومن غير المعقول أن ترفع شعارات أنت بحاجة إلى تطبيقها داخلياً قبل محاولة تطبيقها على الوطن ككل. وإلا سيجد الحزب نفسه نسخة طبق الأصل عن أحزاب السلطة التي تتغنى بالشعارات وتمارس أبشع أنواع الفساد.
لاح الأحمر الشاحب في شوارع بيروت، مُسقطاً من مفكرته أساسية النقد الذاتي ومستثنياً إيديولوجية التغيير في النظريات الماركسية التي هي حجر الاساس في تنظيمه الداخلي، فالديالكتيكية المادية أرخت بظلالها على الحزب بصورة هزلية وانعكست أضدادها من خلال وجه زياد الرحباني الذي ما عاد يدرك إلى أي صف أمامي ينتمي واجتمعت أضدادها بحضور أسامة سعد وحبيب فياض وغيرهم.
لن يغر المحازبين الشيوعيين عدد الأعلام التي رفعت في شوارع بيروت ولن يغرها التحرك الصوري، فالشيوعيون المتعطشون إلى إعادة استرجاع دورهم في الحياة السياسية اللبنانية لن يرضيهم مظاهرة من هنا أو من هناك.
وإذا كان الظرف السياسي الذي يمر به العالم العربي بشكل عام ولبنان بشكل خاص يعرقل إعادة تموضع الحزب في الخارطة السياسية، فلا عذر للقيادة التي فشلت في إعادة ترتيب البيت الداخلي للحزب.
محقة هي مطالب الشيوعيين على الصعد كافة، ولكنهم سيبقوا بعيدين كل البعد عن تحقيق أي من هذه المطالب في ظل عجزهم عن تحقيق مطلب حزبي داخل حزبهم. فحالة التخبط التي يعيشها الحزب قد تكون سيف ذو حدين، وهو إما أن تتخذ القيادة قرارات جريئة تضع الحزب فيها على السكة الصحيحة. وإما قد تكون الكأس الأخيرة على أنغام السيدة أم كلثوم (عايزنا نرجع زي زمان قول للزمان إرجع يا زمان).