لا مكان للسوريين في مراكز الإيواء!
لجأوا من سوريا إلى لبنان هرباً من الحرب، فكانت حربٌ أخرى تنتظرهم لتزيد من مأساتهم ومعاناتهم. هذه هي حال اللاجئين السوريّين الذين وجدوا أنفسهم يرزحون تحت الخطاب التحريضي والتهديد المستمر بالتهجير القسري في أيام السلم، والموت والدمار في أيام الحرب.
لم تستثنِ آلة القتل الإسرائيلية اللاجئين السوريين قسرًا إلى الجنوب، والنازحين منه تحت وطأة القصف، فقد بلغ عدد الضحايا منهم يومي الثلاثاء والأربعاء 62 لاجئاً سورياً بينهم 11 امرأة، و18 طفلاً. ليرتفع بذلك، عدد الشهداء السوريين في لبنان منذ بداية الحرب إلى 96 بينهم 14 سيدة و23 طفلاً، وإصابة 21 آخرين، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
معاناة مضاعفة
تزداد معاناة اللاجئين السوريين الذين يعيش معظمهم في حال من الفقر والبؤس، الأمر الذي جعل من مضاعفات الحرب أكثر صعوبةً وتعقيداً عليهم. وفي وقت أصرّ معظمهم على البقاء في القرى والبلدات الحدودية على رغم اندلاع المواجهات منذ الثامن من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، إلّا أنّ التصاعد غير المسبوق للمواجهات في الأيام القليلة الماضية لم يترك لهم خياراً سوى المغادرة.
لم تكن رحلة النزوح التي رافقت اللاجئين السوريّين من الجنوب خلال الأيام الماضية، أقلّ قسوة من رحلة اللجوء إلى لبنان، بل فاقتها ألمًا ومعاناة، وهذا ما تشهد عليه الطرقات، حيث لُوحظ كثير منهم ينزحون سيرًا على الأقدام، والسبب عدم امتلاكهم وسائل نقل وعدم قدرتهم على تغطية كلفها الباهظة في أيّام الحرب. ويُعاني هؤلاء من نقص في المأوى بسبب ارتفاع أسعار الإيجارات وزيادة الطلب عليه، وعدم تمكنهم أو رغبتهم بالعودة إلى سوريا خشية التعرض للاعتقال أو عدم القدرة على العودة إلى لبنان.
استنسابية رئيس البلدية
من جانبه، يوضح محافظ بعلبك ورئيس غرفة إدارة مخاطر الكوارث في مركز المحافظة في بعلبك، بشير خضر، في حديث لـ”مناطق نت” أنّ مسألة استقبال اللاجئين في مراكز إيواء تقع على عاتق البلدية التي يحق لرئيسها قبول أو رفض استقبالهم وفقاً لامكانات البلدية”.
ولفت إلى أنّه “في حال وجود تقصير من قبل البلديّات في استقبال النازحين السوريّين، فينبغي عليهم التواصل مع مفوضيّة اللاجئين، خصوصاً عندما يشعرون بأنّهم في مكان خطر أو يحتاجون إلى الانتقال من مكان إلى آخر”. ويضيف: “يتوجّب على النازحين السوريّين تخفيف الضغط عن البلديّات التي تعمل بإمكانات محدودة جدّاً”.
لم تكن رحلة النزوح التي رافقت اللاجئين السوريّين من الجنوب خلال الأيام الماضية، أقلّ قسوة من رحلة اللجوء إلى لبنان، بل فاقتها ألمًا ومعاناة، وهذا ما تشهد عليه الطرقات، حيث لُوحظ كثير منهم ينزحون سيرًا على الأقدام
موقف خضر المُلتبس يفتح الباب والصلاحية لرئيس البلديّة في أن يرفض استقبال سوريّين هاربين من آلة الحرب الإسرائيليّة، كما هي الحال في قضاء صور حيث ترفض وحدة إدارة الكوارث استقبال سوريّين في مراكز الإيواء، وإن كان تحت حجّة عدم القدرة ومحدوديّة الإمكانات، فضلاً عن إمكانية تذرُّع رؤساء البلديّات بـ”خصوصيّة المنطقة” التي يبرع اللبنانيّ بالتسويق لها.
آلية “غير مجدية” لإيواء السوريّين
وحول الآلية المعتمدة لإيجاد مأوى للاجئين السورييّن، لفت خضر إلى أنه “يجب على النازح أن يتواصل مع المفوضيّة، التي تتواصل بدورها معنا ومع البلدية من أجل تأمينهم في مراكز إيواء”. وأكّد أن “هناك مخيّمات ضمن بلدات تُعتبر غير خطرة، يمكن للاجئين النزوح إليها، وهناك عدّة جهات (دوليّة) تؤمّن ملجأ للنازحين السوريّين”.
فضلاً عن ذلك فإنّ اتّباع الآليّة التي أشار إليها خضر غير واقعيّ، إذ إنّ حالة الهلع وعدم اليقين والخوف من الاستهداف الإسرائيليّ لن تسمح للاجئين بانتظار الآلية البيروقراطيّة التي أشار اليها خضر.
وفي السياق، يلفت محامي حقوق الإنسان، محمد صبلوح، في حديث لـ”مناطق نت”، إلى أنّ “مفوضيّة اللاجئين طلبت من السوريّين اللاجئين – النازحين أن يقوموا بتسجيل أسمائهم، ولكن هناك تحدّياً كبيراً للقيام بذلك في ظلّ الأوضاع الراهنة”.
قانونية رفض استقبال السوريين
يؤكّد صبلوح أنّ “التعامل مع النزوح السوري يتمّ وفقاً لكلّ بلديّة وانتمائها السياسي، ولكن في محافظة الشمال لم نُسجّل سوى خروقات بسيطة وفرديّة، فمثلاً، مدير أحد المعاهد في الميناء رفض استقبال اللاجئين السوريّين بناءً على توصيات وزير الداخليّة، بحسب زعمه. إنّ هذه الخروقات سرعان ما تتمّ معالجتها”.
ويضيف صبلوح: “من الناحية القانونية، لا يحق لرئيس البلديّة أن يرفض استقبال النازحين السوريُين، فنحن نعيش في حال حرب وجميع الناس يجب أن تُعامل وفق الشرعة العالميّة لحقوق الإنسان”. ويوضح أنّ “رئيس البلدية الذي يرفض استقبال نازحين سوريّين يكون قد ارتكب جريمة بحقّ الإنسانيّة ويجب أن يُحاسب من قبل الدولة”.
مغادرة السوريين
من ناحية ثانية، يرى صبلوح أنّ “اللاجئ السوريّ المُقتدر مادّيّاً اختار العودة إلى سوريا في الوقت الحالي، أمّا المعارض فلن يعود إلى بلاده خوفاً من تعريض حياته للخطر”.
هذا الرأي لا يتوافق مع رأي خضر الذي يوضح أنّ ” معظم حركة النزوح باتّجاه سوريا قام بها لبنانيّون، هناك جزء من السوريّين الذين يملكون إقامات في لبنان قرروا الانتقال إلى سوريا في هذه الفترة في حين أنّ اللاجئين الذين لا يملكون إقامات لم يغادروا”.
محمد صبلوح: من الناحية القانونية، لا يحق لرئيس البلديّة أن يرفض استقبال النازحين السوريُين، فنحن نعيش في حال حرب وجميع الناس يجب أن تُعامل وفق الشرعة العالميّة لحقوق الإنسان
ويلفت خضر إلى أنّه “منعاً للفوضى، أعلنّا عن افتتاح عدد من مراكز الإيواء، وعندما استنفذت قدرتها الاستيعابيّة أعلنّا عن افتتاح عدد جديد، كما سنقوم بافتتاح مراكز جديدة وفقاً للخطة”.
المفوضيّة تتخوّف من “غياب الملاجىء”
من ناحيتها، لفتت المتحدثة باسم المفوضيّة السامية للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين، ليزا أبو خالد، في حديث لـ”مناطق نت” إلى أنّ “المفوضيّة تشعر بالقلق إزاء التقارير التي تفيد بحرمان أسر اللاجئين من الوصول إلى الملاجئ الجماعيّة”، وتؤكّد أنّ “المفوضيّة وشركاءها يعملان مع السلطات المعنيّة على إيجاد حلول عاجلة”.
وتضيف أن “الأعمال العدائيّة الراهنة – المقرونة بالأزمة الاجتماعيّة والاقتصاديّة المستمرّة – تخلق تحدّيات لجميع الفئات السكّانية والمجتمعات المحلّيّة، التي تستحقّ جميعها الوصول بشكل متساو إلى الأمان والكرامة”. وأوضحت أن “اللاجئين الذين فرّوا من وطنهم بحثاً عن الأمن والأمان يواجهون حاليّاً واقعاً صعباً مع اضطرارهم إلى النزوح مرّة أخرى في لبنان جرّاء الأعمال العدائيّة المستمرّة. فهذا النزوح المزدوج يؤدّي إلى تفاقم جوانب ضعفهم”.
وتؤكّد كذلك أنّ “مسؤوليّة دعم مبادئ العمل الإنسانيّ المتمثّلة في الحياد وعدم التمييز وعدم الإضرار في سياق المساواة في الوصول إلى المساعدات والمأوى الآمن تقع على عاتق جميع الجهات الفاعلة، بما في ذلك وصول اللاجئين من سوريا والجنسيات الأخرى”.