لبنان الصحّيّ يستنفر طواقمه ومستشفياته.. تضامن وطنيّ بمواجهة الجريمة

على الرغم من أنّ الرزنامة اللبنانيّة مليئة بتواريخ الأيّام التي حفرت عميقًا في ذاكرتها الدمويّة، إلّا أنّ الـ17 من أيلول (سبتمبر) 2024 سيبقى الأكثر إيلامًا وإجرامًا. ففيه اختبر اللبنانيّون نوعًا جديدًا من الأحداث لم يعهدوها من قبل، وهم الذين جرّبوا حروبًا واجتياحات ومعارك داخليّة وانفجارات واغتيالات وتصفيات، إلى أكبر انفجار عرفه العالم بعد هيروشيما وناكازاكي، انفجار الرابع من آب (أغسطس) 2020 في مرفأ بيروت.

ما عاشه اللبنانيّون أمس، كان أقرب إلى الخيال منه إلى الواقع، يشبه فيلمًا “هوليوديًّا” من أفلام الخيال العلمي، وهو ما عاينّاه من “ڤيديوات” وصور وأشرطة تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعيّ والمحطّات والمواقع الإخباريّة.

كانت أصوات سيارات الإسعاف وهي مسرعة تشقّ طريقها نحو المستشفيات، المشهد الذي ساد وطغى في بيروت والمناطق اللبنانية بعد ظهر أمس، مترافقة مع نداءات متكرّرة للتبرّع بالدمّ على منصّات التواصل الاجتماعي، التي سرعان ما لبّاها شبّان من كلّ حدب وصوب متوجّهين نحو مراكز التبرع والمستشفيات. أمّا عدّاد أرقام الإصابات الذي كان يرتفع كلّ دقيقة فهو ما تابعه اللبنانيّون حتّى ساعة متأخّرة من الليل، قبل أن يستقرّ على ما هو عليه.

سيارات الإسعاف والحشود أمام المستشفيات هما المشهد الذي طغى في بيروت أمس

اللافت في الحدث الذي كان بمثابة صدمة استغرقت وقتًا كي يستفيق اللبنانيّون منها، هو استجابة المستشفيات السريعة للحدث ومواجهته، وهو ما أثبتته الساعات القليلة التي مرّت بعد انفجارات “البيجر”. واللافت كذلك حال التضامن الشعبية التي سجّلتها معظم المناطق اللبنانيّة مع المناطق الأكثر ضررًا، من استقبال للحالات الصحّيّة، إلى حملات التبرّع بالدم وغيرها.

مئات الإصابات

يمكن الجزم أنّ استنفارًا وطنيًّا صحّيّا وشعبيًا جامعًا غطى لبنان من أقصاه إلى أقصاه منذ اللحظات الأولى للحدث الكارثيّ الكبير الذي طاول مختلف المناطق اللبنانيّة في وقت واحد، فشرّعت جميع المستشفيات أبوابها وغرف العمليات والطوارئ وطواقمها الطبّيّة والتمريضيّة، فيما هرع المواطنون إلى التبرع بالدم وسط إجماع وطني على التضامن واستنكار الجريمة جملة وتفصيلًا.

كانت حصيلة الضحايا من شهداء ومصابين كبيرة جدًّا، بجراح متفاوتة، منها الحالات الحرجة، خصوصًا لجهة وقوعها في لحظات متقاربة وعلى جميع الأراضي اللبنانيّة.

12 شهيدًا وما بين 2750 و2800 جريحًا هي آخر حصيلة لعدد الإصابات الناتجة عن تفجير الـPagers أمس، وفق وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض، والذي أعلنها خلال مؤتمر صحافي عقده بعد ظهر اليوم بعد جولة على المستشفيات لمعاينة الإصابات التي توزّعت على الشكل الآتي: 750 في الجنوب و150 في البقاع و1850 في بيروت. وذكر الأبيض أن هناك 300 مصاب بحالة حرجة.

12 شهيدًا وما بين 2750 و2800 جريحًا هي آخر حصيلة لعدد الإصابات الناتجة عن تفجير الـPagers أمس، وفق وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض

وأشار إلى أنّ “بعض الحالات تمّ نقلها من البقاع إلى سوريا ومنها إلى إيران” مؤكّدًا أنّ “أكثر من 90 في المئة من الإصابات تواصل علاجها في لبنان”، موضحًا أنّ “الإصابات تركّزت على منطقة الوجه واليدين، ولا تزال هناك إصابات حرجة بعد إجراء 460 عمليّة جراحيّة للمصابين”.

ولفت إلى أنّ “القطاع الصحّيّ أدّى عملًا جبّارًا وتمكّن من تقديم ردّة فعل مسؤولة من دون الالتفات إلى الماديّات. إنّ حجم الضربة كان كبيرًا جدًّا والمستشفيات استقبلت عددًا هائلًا من الجرحى وفي وقت قصير من دون إنذار، فوصل العدد إلى ما يقارب 2800 جريح”. وأضاف الأبيض: “إنّ ما حدث كان اختبارًا كبيرًا لخطّة الطوارئ التي وُضعت مسبقًا”.

وكان قد أشار أمس إلى أنّ “التنسيق كان كبيرًا جدًّا بين غرفة الطوارئ التابعة لوزارة الصحّة العامّة وبين الأجهزة الإسعافيّة والمستشفيات والأطبّاء، حيث حصل تواصل سريع بين الوزارة والشركاء من اللحظات الأولى للحادث ما أتاح للوزارة توزيع المرضى على المستشفيات”، منوّهًا بأهمّيّة التعاون مع نقابتي الأطبّاء والمستشفيات في هذا المجال.

النبطية

على نحو المناطق اللبنانيّة الأخرى، استقبلت مستشفيات النبطية مئات المصابين بعدما استنفرت طواقمها التمريضيّة والجراحيّة وغرف عمليّاتها التي بقيت تعمل منذ الأمس وبشكل متواصل.

وأكّدت مديرة مستشفى النجدة الشعبيّة اللبنانيّة في النبطية (مستشفى الدكتور حكمت الأمين) السيّدة منى أبو زيد أنّ “المستشفى ومنذ اللحظات الأولى للعدوان استنفر جميع طاقاته وعناصره وأطبائه وممرّضيه ضمن الخطط والإجراءات التي سبق وأجرينا تدريبات عليها مباشرة في أعقاب الحرب التي بدأت منذ الثامن من تشرين الأول العام الماضي. لقد فتحنا غرف العمليّات مع استنفار كامل الجهاز الطبّيّ أو ممّن التحق بخطّة الطوارىء المرسومة سلفًا ونجحت بشكل لافت بمساهمة الجميع”.

مديرة مستشفى النجدة الشعبيّة اللبنانيّة في النبطية (مستشفى الدكتور حكمت الأمين) السيّدة منى أبو زيد

وأضافت في حديث إلى “مناطق نت”: “لقد استقبلنا أمس عشرات الإصابات وخضع عديد منها إلى عمليّات جراحيّة سريعة، وخرج بعضهم بعد تلقّي الإسعافات اللازمة، وحوّلنا كذلك بعض الحالات الحرجة إلى مستشفيات تخصّصيّة، وبغية إفساح المجال أمام تطوّر الأحداث وبقاء المستشفى بجهوزيّته التامّة لاستقبال أي طارئ”.

ونوّهت أبو زيد بتعاون المواطنين “إذ كان لافتًا تهافت المواطنين على التبرّع بالدم ممّا شكّل اكتفاء مطلوبًا في غرف العمليّات التي لم تتوقّف منذ الأمس عن مواصلة العمليّات الجراحيّة… اللازمة. لذلك قمنا بتأجيل عمليّاتنا الباردة وأخلينا عديدًا من الغرف والأسرّة لإبقاء المستشفى في حال استنفار دائم وجهوزيّة كاملة”.

أبو زيد: استقبلنا أمس عشرات الإصابات وخضع عديد منها إلى عمليّات جراحيّة سريعة، وخرج بعضهم بعد تلقّي الإسعافات اللازمة

البقاع

أبدت مستشفيات البقاع على امتداد محافظتي بعلبك- الهرمل والبقاع جهوزيّة تامّة تجاه الحدث الأمنّي الكبير. واستقبل مستشفيا دار الحكمة ودار الأمل الجامعيّ في محيط مدينة بعلبك عددًا كبيرًا من المصابين.

“مناطق نت” جالت على مستشفيات البقاع وتحدّثت إلى مدير “مستشفى دار الامل الجامعيّ” السيّد علي علّام فقال: “إنّ الجهوزيّة كانت تامّة إن لجهة الكادر الطبّيّ من أطبّاء عظام وعيون وجراحة عامّة، أو لجهة الكادر التمريضيّ بالدوام الليليّ والنهاريّ”. وأشار إلى أنّ “المستشفى استقبل حوالي 53 إصابة، استدعت 15 منها عناية فائقة، فيما العمليات الجراحيّة في المستشفى لا تزال مستمرّة حتّى الساعة، لا سيما مع أطبّاء العيون والعظام” .

أمّا بالنسبة إلى توفير الدمّ وحملات التبرّع، يقول علّام: “بالطبع بفضل بنك الدمّ الموجود في المستشفى وعمليّات التبرّع المستمرة من أهلنا في المنطقة الذين لم يبخلوا أبدًا، استطعنا تحقيق اكتفاء ذاتيّ من دون الحاجة إلى بنك الدمّ الخاصّ بالصليب الأحمر اللبنانيّ.” ولفتت الإدارة إلى أنّ الأمور “كانت تحت السيطرة وأنّ المستشفى لديه خطّة طوارئ لحالات الحروب يستعين بها في مثل هذه الحالات”.

من جهته نفى مدير مستشفى بعلبك الحكوميّ الدكتور عبّاس شكر أمام “مناطق نت” الشائعات التي سرت وأنّ المستشفى يناشد الأطبّاء في المنطقة للمساعدة، مؤكّدًا “أنّ الخبر عارٍ من الصحة، وأنّ المستشفى على استعداد لتلقّي حالات وإصابات من بيروت إذا لزم الأمر”، لافتًا إلى أنّ “المستشفى استقبل عددًا من الإصابات في اليد والوجه والفخذ وقدّم لها العلاجات اللازمة. إنّ غرفة العمليات استمرّت في العمل حتّى الصباح الباكر، والطاقم الطبّيّ كان على أهبّة الاستعداد”.

الهرمل

بدوره، كان مستشفى الهرمل الحكوميّ على أتمّ الجهوزيّة. يقول مديره الدكتور سيمون ناصر الدين لـ “مناطق نت”: “توزّعت الحالات على مستشفيات المنطقة، حيث استقبل مستشفى الهرمل الحكوميّ حالة واحدة تلقّت الإسعافات الأوّليّة اللازمة والعلاج اللازم”، مؤكّدًا جهوزيّة المستشفى الكاملة “حيث تمّ العمل منذ أكثر من خمسة أشهر على رفع الجهوزيّة لحالات الحرب بشكل عام، وقام المستشفى تحت اشراف وزارة الصحّة العامّة بعدّة مناورات، إضافة إلى جهوزيّة الكادر الطبّيّ والبقاء على استنفار لأيّ طارئ”.

واستقبل كلّ من “مستشفى المرتضى” و”مستشفى رياق” حالات عدّة وقدمت لها العلاج اللازم دون تسجيل أيّ إرباك. وسجّلت حتّى الساعات الأخيرة نداءات لبعض المستشفيات تعلن عن حاجتها إلى التبرّع للدم، منها مستشفى البقاع. الجدير ذكره أن منطقة البقاع سجّلت استشهاد مدنيّتين جرّاء هذه الجريمة، هما الممرّضة عطاء مبارك الديراني من بلدة قصرنبا، والطفلة فاطمة جعفر عبدالله البالغة من العمر ثماني سنوات من بلدة سرعين.

مستشفيات صيدا

يقول رئيس قسم الجراحة في “مستشفى حمّود – صيدا” الدكتور ناصر حمّود، لـ “مناطق نت”: “بالنسبة لنا ولغالبّية مستشفيات الجنوب، أصبح لدينا خبرة في التعاطي مع أي حدث كارثيّ، طبعًا بشكل متفاوت، ونحن منذ “قانا” وما بعدها وفي العام 2006 وحتّى بانفجار المرفأ في آب، أصبحت لدينا برامج معيّنة للتعاطي مع الكوارث الطبّيّة الجراحيّة”.

يضيف حّمود: “نحن كمستشفى كنّا في جهوزيّة تامّة، والطاقم التمريضيّ والإداريّ كانا جاهزين، وكلّ فرد يعرف مهمّته وما يجب فعله”. وعن الغرف وقدرة المستشفى على الاستيعاب، قال حمّود: “عندما بلغ عدد المصابين 90 مصابًا عمدنا إلى تحويل الحالات الوافدة إلى مستشفيات أخرى، وساعدناها في الوصول إلى مستشفيات في منطقة الشوف في جبل لبنان. كانت هناك ثلاثة مستشفيات في الشوف، خصوصًا أنّ المستشفيات في صيدا استقبلت أعدادًا كبيرة من الجرحى”. ولفت إلى أنّ “الإشكالية الكبيرة التي واجهتنا كانت متمثّلة في الناس المتحمّسين ممّن كانوا في حال حزن واضطراب، فضلًا عن الذين أحضروا المصابين إلى المستشفى”.

رئيس قسم الجراحة في مستشفى حمود في صيدا الدكتور ناصر حمود

وأردف حمود: “بالعودة 24 ساعة إلى الوراء، كان تعاطينا مع الموضوع جيّدًا جدًّا، ولا نزال إلى الآن نعمل، وبقينا حتّى الرابعة فجرًا ونحن نعالج المرضى في تسع غرف عمليّات، وكان الجرّاحون، وخصوصًا في اختصاصات العيون والأنف والأذن والحنجرة والعظم، وكذلك الجرّاحون العامّون يعملون جميعه من دون تعب، وكان هناك تعاطف وتعاطي إيجابيًّا جدًّا”.

وعن التبرّع بالدم أشار إلى أّن “الاستجابة كانت كبيرة. لدينا مركزان للتبرّع بالدم، ولم يكن هناك تقصير أبدًا، فهناك مواطنون حضروا مع المصابين، وهنالك قسم كبير منهم توجّه إلى التبرّع بالدم، ولم تكن أيّ مشكلة في هذا المجال”.

مركز لبيب الطبّيّ

يقول مدير العمليّات التشغيليّة في “مركز لبيب الطبّيّ” الدكتور محمد إبراهيم لـ “مناطق نت”: “كان عدد المصابين في البداية قليلًا، وخلال دقائق عدّة توافدت أعداد كبيرة من سيّارات الإسعاف وتوجّهت إلى الطوارئ مباشرة، حينها باشرنا بإفراغ الطوابق من المرضى الذين تعتبر حالاتهم باردة”. ويتابع إبراهيم: “مع وصول المصابين كانت هناك دعوات لحضور أطّباء الاختصاص فلبّوا النداء، وكان لافتًا للانتباه أنّ بعض المتطوّعين من الموظّفين والعاملين في المستوصفات خصوصًا حضروا كي يساعدونا، وكان هناك أيضًا متطوّعون من موظّفين وعاملين سابقين في المستشفى، وكلّ هؤلاء حضروا من تلقاء أنفسهم”.

ويلفت إلى أنّه كانت “هناك استجابة للتبرّع بالدم وبكمّيّات كبيرة”، ويرى إبراهيم أنّ “التحدّي تمثّل بمدى القدرة على معالجة عدد كبير من المصابين في وقت قصير، وقد خضنا هذا التحدّي بكفاءة عالية وجهوزيّة تامّة”.

وعن الجهوزيّة التي سبقت الحادث الجريمة، يقول إبراهيم: “من البديهيّ أنّنا طوّرنا خطّة طوارئ تحسّبًا لأيّ تصعيد أو حصول حرب شاملة، والخطّة في الأساس كانت موجودة كما باقي المستشفيات، وكان يتمّ تحديثها بناء للوضع الذي نستعدّ له، سواء كانت حرب مخيّمات أو حوادث طرقات وكوارث طبيعيّة، وفي هذه الفترة كان التركيز على الحرب في لبنان، وكنا نحضّر أنفسنا داخل المستشفى، ونقوم بتدريب الموظفين في سائر المجالات، فضلًا عن تجهيز المستشفى بمعدّات طبّيّة وأدوية وسائر المستلزمات التي بحاجة إليها المستشفى”.

مدير العمليات التشغيلية في مركز لبيب الطبي الدكتور محمد إبراهيم

ويضيف إبراهيم: “كنّا كمركز طبّيّ قد وضعنا في خطتنا تأمين مخزون يكفي المستشفى في مـا لو استجدّ أيّ شيء إلى ما يقارب الثلاثة أشهر. وما حصل بالأمس بعد أن وصلنا الإنذار الأوّل عبر تسجيل صوتيّ من وزارة الصحّة بأنّ هناك حدثًا أمنيًّا في الضاحية وأنّ علينا رفع الجهوزيّة التامّة، قمنا على الفور بتعميم الخبر على الأشخاص المعنيّين في المستشفى، وبالفعل كنّا على أهبّة الاستعداد”.

مستشفى الهمشري

بدوره أعلن مستشفى الهمشري​ في مدينة صيدا حال الطوارئ ورفع الجهوزيّة الكاملة​ لكلّ الطواقم الإسعافيّة الفلسطينيّة “لتقديم الدعم إلى الأشقّاء اللبنانيّين.​ تمّ إرسال​ ثماني سيارات إسعاف إلى الجنوب، وتوجّه بعضها إلى منطقة النبطيّة والبعض الآخر إلى مدينة صور”.

وأشارت إدارة المستشفى إلى قيامها “بنقل مصابين من الجنوب إلى صيدا، حيث استقبلت المستشفى أكثر​ من​ 80 حالة، توزّعت بين متوسّطة وحرجة، وتركّزت​ في الأطراف والوجه. وتسبّبت إصابات الوجه​ في بعض الصعوبات أثناء التعامل​ مع الحالات، مما استدعى إجراء عمليّات جراحيّة لبعض المصابين،​ في حين​ تمّ التعامل​ مع حالات أخرى​ في قسم الطوارئ. ونظرًا إلى ارتفاع عدد الإصابات،​ تمّ تحويل بعض المرضى إلى مستشفيات​ في بيروت، بما​ في ذلك مستشفى رزق، كليمنصو، الجامعة الأميركيّة والرسول الأعظم”.

وخلصت الإدارة إلى أنّه “كان هناك تنسيق فعّال بين وحدة الإسعاف والطوارئ التابعة للهلال الأحمر الفلسطينيّ وبقيّة الفرق الطبّيّة العاملة​ في منطقة صيدا، مّما ساهم​ في تقديم خدمات طبّيّة سريعة وفعّالة. أمّا بالنسبة إلى حملات التبرّع بالدم، فقد كان الإقبال كبيرًا، وما زال الناس حتّى الآن يتواصلون ويأتون إلى المستشفى للتبرّع بالدم”.

“عامل” وخطّة ما بعد الضربة

من ناحيته، يلفت رئيس “مؤسّسة عامل الدوليّة” والمنسّق العام لـ”تجمّع الهيئات الأهليّة التطوّعيّة اللبنانيّة والعربيّة”، كامل مهنّا، في حديث لـ”مناطق نت” إلى أنّ “الحادث كان مفاجئًا جدًّا للجميع، لا سيما المستشفيات والمؤسّسات الإنسانيّة، وجاء في وقت يمرّ فيه لبنان بظروف اقتصاديّة ومعيشيّة صعبة، وهذا ما انعكس على جميع المؤسّسات”. وقال: “إنّ لبنان لديه تجارب غنيّة جدًّا مع حالات الطوارىء على مختلف الصعد”، مضيفًا أنّ “مؤسّسة عامل هي بالأساس مؤسّسة طوارئ أنشئت بعد القصف الإسرائيليّ العام 1987، وبالتالي فإنّ ثقافة الطوارئ متجذّرة في المؤسّسات الإنسانيّة وخصوصًا الكبيرة منها، مع الإشارة إلى أنّه جرى استهداف مركزنا في الخيام خمس مرّات ومركزنا في العرقوب مرّتين، وقمنا بترميمها”.

رئيس مؤسسة عامل الدولية كامل مهنا

ويوضح مهنّا أنّ “الجمعيّة قرّرت وضع خطّة لمتابعة الجرحى لأنّ هناك على الأقّل 2800 حالة تحتاج إلى تغيير الجروح ومتابعة طبّيّة. إنّ هذه الخطّة تشمل زيارة منازل المصابين وغيرها من الخطوات”. وأكّد مهنّا أن “هناك ضعفًا في الإمكانات، فضلًا عن انخفاض عدد الأطبّاء المتخصّصين بالعيون، إذ إن كثيرًا منهم غادروا لبنان، وهذا من أصعب الأمور التي وجهناها، لكن أعتقد أنّ هذا الموضوع جرى التعامل معه ومعالجته خصوصًا مع وصول مجموعة كبيرة من الأطباء اللبنانيّين والعراقيّين”.

ويتحدّث مهنا عن “التعاون مع بقية المؤسّسات الإنسانيّة ووزارة الصحّة العامّة ووزارة الشؤون الاجتماعيّة بشكل يومي” موضحًا أنّ “الخطّة الوطنيّة لم تكن لتتعامل مع الاستهداف الإسرائيليّ المفاجئ إذ إنّه لم يحدث مثيل له في التاريخ، وهو جريمة حرب وإرهاب. إنّ وقوع نحو ثلاثة آلاف ضحيّة في وقت واحد أمر ليس من السهل أن تتمكّن أيّ دولة من التعامل معه ومواجهته، لذا أريد أن أحيّي روح التضامن بين اللبنانيّين”.

الشمال يتضامن بالدم

شهدت مناطق طرابلس وعكار والمنية حملات شعبية واسعة النطاق للتبرع بالدماء لمصابي “مجزرة البيجر”. واتخذت في كثير من الأحيان الطابع العفوي. ففي عكار استقبل المستشفى الحكومي في حلبا المئات من المتبرعين القادمين من مختلف المناطق، وتحديدًا من عكار العتيقة ووادي خالد. واستمر العاملون في المستشفى بعمليات سحب الدم إلى ساعات متقدمة من الليل، وإلى حين نفاذ أكياس الدم.

أيضًا في المنية، احتشد المتبرعون أمام مستشفى الخير، وانتظروا إلى أن يحين دورهم للتبرع، والأمر نفسه تكرّر الأمر في طرابلس. كما نظمت القوى الشعبية في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين حملات للتبرع بالدماء، حيث توجّه هؤلاء إلى مستشفى الهلال الأحمر الفلسطيني.

من جهة أخرى، انتقلت فرق إسعاف من طرابلس إلى بيروت للمشاركة بالأعمال الإغاثيّة، وانضمت الطواقم الطبية التابعة لجمعية المسعف اللبناني إلى باقي الفرق العاملة على مستوى العاصمة بيروت. وتكرّر الأمر مع فرق الدفاع المدني، حيث انتقل فريق عكار العتيقة للمشاركة بالأعمال في بيروت.

كما نُظمت مجموعة من الوقفات التضامنية في مدينة طرابلس، حيث تجمّع العشرات أمام مدخل مرفأ مدينة طرابلس للتعبير عن استنكارهم للجرائم الاسرائيلية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى