لبنان قطعة سما .. لم تعد تنازعني إليه في الخلد نفسي !!
ميرنا دلول
مناطق نت – البقاع الأوسط
وطني لو شغلت بالخـلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي
شهد الله لم يغب عن جفوني شخصه ساعةً ولم يخلُ حسي
أكثرت ضجّة السـواقي عليه وسؤال اليـراع عنه بهمـس ..
أحمد شوقي
شرّع الانهيار أبوابه لاستقبال الوافد إليه بسرعة جنونية، وافدٌ كان يقال له فيما مضى “وطن النجوم” و “درة المشرق”، إذ لم يعد هناك أي بنية سليمة تؤشر لإمكانية أن يقفل لبنان عائدًا إلى “سيرته الأولى” ..
لم تعد صرخات الموجوعين تصل إلى مسامع المُمسكين بإدارة البلاد، فـ “الشواهق” المرتفعة بين الناس وقيادتها ارتفعت بشكلٍ باتَ من المستحيل أن يتردّدَ صداها في أروقتهم، وضربَ الإرباك مفاصلَ الوطن فأصبح كـ “ورقة خريف” سقطت من غصنها لتتقاذفها رياحُ اليأس المميت بالرغم من أننا على أبواب الربيع ..
زلزالٌ مدمّر، موتٌ سريري بطيء، احتقانٌ ممزوج بالقهر والذل، أرجاءٌ متشحة بسواد “دخان الإطارات”، جريانٌ بلا طائل خلف “لقمة” ممزوجة بالدم، فقدانُ أيّ حسّ مسؤول، في مئويته الأولى لم يعد “لبنان” بلد الرسالة، بل تهاوت ركائزه، نظاما ومؤسسات وواجهة لمشرق كان يفتخر بهذا البلد الصغير أن يكون “بوابة” تربطه بالغرب، ولم يعد “مرقد العنزة” مطمع المقيم والمغترب ..
لبنان الذي اسموه “طائر الفينيق” لم يعد قادرًا على النهوض من رماده، خسر صورته وهويته ودوره في ملتقى الحضارات، وشعبه يراقب بـ “قهر ممزوج بالغضب” انهيار قطاعاته واحدا تلو آخر، السياسي والاقتصادي والجامعي والصحي والاستشفائي والمالي والاجتماعي والأمني وحتى القطاع الأخلاقي، الذي يجب أن يبقى قائمًا كثقب في جدار “التعنت” عسى ولعل ..
لم يشهد هذا “البلد الصغير” عبر تاريخه أزمة سياسية – أخلاقية كالتي شهدناها منذ أيام، سقوط مريع في دوامة مفرغة تتقاذفه رياح المطامع والأحلام الأنانية، وبدا هيكله “الهش” على صورته الحقيقية، مجموعة طوائف وضعها الانتداب في قالب “وطن”، معتقدًا أن بوسعها التعايش والتآلف وابتكار نمط خاص ومميز للحياة في هذه الرقعة الجغرافية من هذا الشرق، وبدلا من البحث عن القواسم المشتركة التي بينها، سعت إلى ممارسة شتى ضروب “الإلغاء” للآخر، فلم تقم له دعائم “دولة” حقيقية ترتّب أساسيات التعاطي، فهوى نحو قاع سحيق ..
كيف يمكن أن تعوّل على قيادات ضربت عرض الحائط كل القيم حتى لغة التواصل؟، وكيف يمكن أن تفكر لوهلة أنها قادرة على اجتراح الحلول وهي تمارس طغيانًا ولا ترى إلا أدائها هو الصواب؟، وهل من الممكن أن يمتزج الماء بالزيت في تركيبة واحدة ؟..
قال الرئيس الراحل فؤاد شهاب يوما “شو بيقول الكتاب” وكان يعني الدستور، حتى هذا الكتاب بات تأويله حسب المزاج والأهداف، وباتت مواده مسرحًا لتفسيرات متباينة الهدف منها تطويعه لمصلحة شخصية، فضربوه في العمق ونزعوا عنه صفة “المرجع” لمعالجة الإشكاليات القائمة، وباتت شرعة “القطعان الطائفية” هي المسيطرة، وهيهات أن تجد قواسم مشتركة يبنى عليها المسار الطبيعي للخلاص ..
أسقطوا لبنان – ولم يسقط – في بحر هائج من النزاعات في لحظة إقليمية مفصلية، حيث لا راعٍ يجمع ولا رادعٍ يمنع، فتشلّخت أوصاله بين هذا وذاك، بين شرق وغرب، بين رئاسة كان المفروض منها أن تُحسن قيادة السفينة وسط الأنواء، ورئاسة تبحث عن توازن مفقود يعيد للبلاد شيئا من استقرارها ..
أمام ما أظهرته “معركة اللوائح” – بالمناسبة هي معركة جديدة كليًا – ما عاد بوسعنا إزاء هذا التناتش المرير إلا أن نقول ” ضيعانك يا لبنان ” ..