لماذا فاجأكم بوراك؟
مهى كنعان
أثارت زيارة الممثل التركي بوراك الى بيروت والحشد الكبير الذي كان في استقباله الكثير من ردود الفعل المنتقدة والساخرة، فمشاهد الفتيات وهن يستمتن لالتقاط صورة معه وبعضهن أصيب بالاغماء انتشرت كالنار في الهشيم على مواقع التواصل وقوبلت بالتهكم والاستهزاء ووفي بعض الأحيان بالشتم.
لا شك ان الحشد الذي جاء ليشاهد بوراك أثناء افتتاحه لذلك المحل التجاري كان كبيراً وغير متوقعاً لدرجة أنه استفز العديد من الاقلام لكي تكتب عن تلك الظاهرة. لكن الموضوعية تقتضي القول إن هذه الظاهرة ليست بغريبة وهي تحدث في أكثر الدول تطوراً وتخلفاً، لا بل الغريب أن لا تحدث في ظل النجومية اللافتة التي يتمتع بها الممثل بوراك والشعبية العابرة لحدود بلده وشاشاته.
الغريب في الموضوع أن ذاكرة اللبنانيين قصيرة ومقارباتهم للظواهر الطبيعية يعتريها الكثير من الاستنتاجات والتعليقات غير الطبيعية فهل نسينا افتتاح محلات “الماكدونالدز” في تسعينيات القرن الماضي في بيروت وكيف اصطفت الناس لساعات طويلة بانتظار شرائح الهمبرغر الأميركية الوافدة من بلاد العم سام. وهل نسينا بالأمس القريب الحشد الهائل الذي سُجّل في محلات في جبيل نتيجة إعلان تلك المحلات عن تنزيلات غير مسبوقة وسقط بنتيجته جرحى.
ما لا يعرفه الذين انتقدوا زيارة بوراك ولا يريدون الإقرار به أن في لبنان شرائح واسعة من الناس لا تهمها السياسة ولا تعنيها بشيء، وهذه الشرائح لا تشارك في التظاهرات والتحركات التي يحرك معظمها السياسيون ويتحكمون بها. والذي غاب عن هؤلاء أن ظاهرة عشق الفنان والتهافت لاتخاذ صورة معه والبكاء عند رؤيته ظاهرة موجودة وليست بجديدة وتحصل في كل دول العالم وتعتبر عادية وطبيعية يعبر فيها الشخص عن حبه للمثل أو الفنان، فيبكون ويصرخون والبعض يغمى عليه.
في معرض التعليقات الكثيرة المنتقدة لزيارة بوراك تمنى البعض لو أن هذه الحشود قامت وبنفس الحماسة بالتظاهر من أجل المطالبة بحقوقها المهدورة وما أكثرها، وهي لا تبدأ بحل مشكلة الكهرباء والمياه ومعالجة النفايات ولا تنتهي بحل مشكلة السير وأزمة البطالة والاستشفاء والتعليم وغيرها الكثير من المطالب التي تطول لائحتها. لكن يبقى السؤال الأكبر الذي قد تكون الإجابة عليه مقدمة لمعرفة لماذا استقبلت كل تلك الجموع بوراك وهو ماذا حققت كل تلك المظاهرات والتحركات والاعتصامات التي تقوم بها جموع اللبنانيين والتي تحصل بشكل يومي، إذ يكاد لا يمر يوم في لبنان إلا ونشهد فيه إعتصاماً هنا أو إضراباً هناك، وذلك للمطالبة بحقوق ما، وإلى أين أفضت تلك التحركات؟ الجواب قد يكون ما شهدناه في حفل بوراك والدموع التي ذرفت على مذبح استقباله.
ما عبّرت عنه الصور المتواترة من حفل استقبال بوراك تشي بأن الناس يئست من السياسة ومظاهراتها ومن السياسيين ونجوميتهم فراحت تفتش عن مظاهرات أُخرى بلا سياسة ونجوم آخرين أكثر صدقاً، المطلوب منهم شيء واحد هو ابتسامة وصورة.
المفارقة أن قسماً كبيراً من الذين انتقدوا الحشد في استقبال بوراك وطالبوه بالتظاهر دفاعاً عن الحقوق المهدورة والمطالب المسلوبة لم يحرك ساكنا إبان المظاهرات المطلبية من حراك مدني وغيره، ولم يشارك فيها إلا قلة قليلة.
لا شك أن الحشد في استقبال بوراك كان مجنوناً وصاخباً لكنه يبقى أقل صخباً وجنوناً مما نشهده في حياتنا اليومية، ولا شك أن الناس التي تجمعت في استقباله وذرفت دموعاً والبعض أغمي عليه يبقى أكثر صدقاً وتعبيراً من الكثير من تحركات «الدم» المتنقلة التي تملأ البلاد يأساً وتخريباً.