لوحات تامر شريف… ألوان بعلبك بأزهارها
دائما، تُختصر الهوية الصغرى لبعلبك ببعد واحد وهو الأمن ومشتقاته (التهريب، الثأر، جرائم السلب والخارجون على القانون وهكذا). وفي مرات أخرى، يتم تذويب هذه الهوية بهويات كبرى سياسية ودينية وطائفية فتضيع فراداتها وتفاصيلها. بين الاختصار والتذويب يضيع الآخرون عن بعلبك وينتهون إلى العنوان الخطأ.
مع ذلك، الاختصار والتذويب هما على الورق، بخبر أو مقال أو إشاعة أو تعميم مغرض، لكن على الأرض لبعلبك حكايات أخرى، هي التي تصوّر تقاسيم بعلبك وملامحها. ومن أولى بهذا التصوير، غير فنانيها ومبدعيها وشعرائها وأدبائها.
رسم بلا ريشة وألوان
احترف فن الرسم، من دون ريشة ومن دون ألوان، حبه للطبيعة وحياته بين احضانها جعلاه ينزع إلى فن من نوع آخر ليس له مثيل هو الرسم بواسطة الزهور والرسم والتراب.. هو الشاعر الفرنكوفوني والرسام تامر شريف ابن بلدة اليمونة قضاء بعلبك.
شريف بدأ الرسم منذ طفولته، فكان يكتب أسماء الأشخاص بالورد الطبيعي بعد تجفيفه وتصميمه ووضعه بين لوحين زجايين. ولكن هذا الأمر لم يتحول إلى لوحات فنية إلا في العام ٢٠٠٦ خلال حرب تموز ، حيث بدأ شريف تطوير مهاراته واكتشاف الزهور المناسبة لصناعة لوحاته، وكانت ابرز تلك اللوحات لوحة جسدت صورة ملاك، ولوحة أخرى صورة “تشي غيفارا”.
يملك شريف رصيداً من الرسومات المتنوعة تجسد افكاراً وهواجس مختلفة. وفي حديث خاص لـ “مناطق نت” يقول شريف إن الريشة والالوان والمهارات اليدوية ليست مهمة بقدر أهمية الفكرة والخيال والإبداع في صنع أي لوحة معتبراً أن الرسام يرسم ما يحبه وما يتأثر به كقلعة بعلبك والخيل والريف والطبيعة.
الرسم بالزهور
يختار شريف أنواعا مختلفة من الزهور البرية والجبلية ككف مريم وأوراق الحشيشة وأوراق الكينا، وبعض الورود المنزلية كالجوري والغاردينيا والحمراية وأوراق الزنبق، بالإضافة إلى ريش الطيور. ويتولى شريف تنسيقها من حيث الأشكال والألوان لتجسد فكرةً تجول في ذهنه.
ويقول أن الزهرة هي النواة وصاحبة الفكرة، فهي بشكلها ولونها توحي باللوحة وبالتالي ينمو الموضوع من تلقاء نفسه. فالافكار تولد من خلال الازهار. الرسام عادة يضع الفكرة وينفذها أما بالنسبة لي فتأتي الفكرة متأخرة جداً. ويضيف شريف أنه يختار انواعاً محددة من الأزهار، فليست بحسب تجربته جميعها مناسبة للرسم. فالورود التي تحتوي على نسبة عالية من الماء تفقد لونها وتتفاعل مع المواد اللاصقة بشكل يؤثر على جودة اللوحة. من هنا فإن انتقاء الورود وطريقة تجفيفها اساسيان للمحافظة على الألوان دون الحاجة إلى أي مواد.
الرسم بالتراب
أما رسمه بالتراب فهو ابتكار حديث النشأة. بدأ شريف الاستعانة به منذ عام تقريباً وفي فترة لم يكن يملك فيها وروداً مجففة. أما كيف يرسم بالتراب، فيشرح قائلا، أنه يقوم بمزج التراب بالقليل من الماء، وهو غالباً ما لا يحتاج إلى ريشة للرسم، ويرسم بأصابع يده. وكنماذج للرسم بالتراب جسّد شريف مجموعة من الرسومات منها قلعة بعلبك بأعمدتها الستة، معبد جوبيتر، بعض البيوت الريفية.. وغيرها.
لوحات ثلاثية الأبعاد
هو فن متواضع لبيئة متواضعة من رجل متواضع يجسد الكثير من العظمة والجمال، هذا الفن الذي يقول شريف أنه يحاول دائماً تطويره والبحث عن جديد. فقد توصل اليوم إلى رسم لوحات ثلاثية الأبعاد كلوحة الحصان التي صنعها بألوان الورد الجوري. ولوحة الفتاة العارية الجالسة في وضعية التعبير عن الحزن والألم بألوانها الداكنة. وهذه الأخيرة يعتبرها شريف من أهم لوحاته ويضيف أنه عاجزٌ عن تكرارها. ويقول عنها أنها “هي أيضاً لوحة ثلاثية الأبعاد صنعتها من خلال طي وترطيب الكرتون واستخدام ألوان التوت البري العنّاب” لافتاً إلى أن هذه اللوحة اليوم أصبحت في سويسرا.
ويضيف “جهدت من أجل تعريف الناس بهذا النوع الحديث من الفن، فشاركت في العديد من المعارض في مدينة بعلبك وفي الجوار، في أوتيل بالميرا، وفي جمعية داري، وفي المركز الثقافي الفرنسي، ونادي اليمونة الثقافي”. وتابع “قمت ببيع العديد من اللوحات منها محلياً، ولكن معظمها للأجانب الاوروبيين بشكل خاص، وبعضها بعته أثناء زيارة للولايات المتحدة الأميركية”.
لقد كانت بعلبك بكل ما فيها ولا زالت بوابة للفن، كانت ملهمة للشعراء والرسامين وهي اليوم كذلك، كلما شاخت مع الزمن، كلما زادها التاريخ عظمة، فنٌ من نوعٍ آخر ولد ونما بين احضانها التي ستبقى الحاضنة لكل الفنون على اختلاف أنواعها.