ماذا بعد حملة الـ 16 يومًا لإنهاء العنف ضد المرأة؟
اختتمت نهار الجمعة الماضي “حملة الـ ١٦يومًا لإنهاء العنف ضد المرأة”، وهي حملة عالمية تُنظّم سنوياً وتهدف لمناهضة العنف ضد المرأة، حيث تبدأ في الخامس والعشرين من تشرين الثاني وتنتهي في العاشر من كانون الأول، يوم حقوق الانسان. حيث يصادف هذا العام أيضًا، مرور ثلاثين عاماً للحملة التي بدأت عام ١٩٩١ وضمّت أكثر من ٦٠٠٠ منظمة في ١٨٧ دولة. وفي العام ٢٠٠٨ ومن خلال الأمم المتحدة، أطلقت حملة “اتحدوا” لإنهاء العنف ضد المرأة بحلول ٢٠٣٠ “(UNiTE Campaign)، في جميع أنحاء العالم. وتدعو هذه الحملة إلى اتخاذ إجراءات عالمية لزيادة الوعي وتحفيز المناصرة وخلق فرص للنقاش حول التحديات والحلول.
تستخدم هذه الحملة اللون البرتقالي للدلالة على مستقبل اكثر إشراقًا وخال من العنف ضد المرأة، إلا أن الواقع، يبدو أقل إشراقًا من ذلك، وخاصة في البلاد النامية. إذ وثّق تحالف بيجين، وهو تحالف نسوي لمنطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا، عددًا من القوانين والسياسات التي وُضِعت في بلدان كمصر ولبنان وسوريا والسودان وقطر، وعرض أيضًا كيف انتهت هذه القوانين وما الذي أعاق تقدمها. ثم عرض التحالف تجربة تونس كمثال لتجربة جديدة يمكن الاستفادة منها، وقدم توصيات لانهاء العنف ضد المرأة.
الحملات في لبنان
محليًا، ركزت الجامعة اللبنانية الأميركية مع بعض المؤسسات كالاسكوا، على العنف الالكتروني ضد المرأة، والذي ازداد بنسبة ٢٣% في العام ٢٠٢٠. أما جمعية “كفى” فقد قامت بإعادة نشر فيديو يتحدث عن القانون الموحد للأحوال الشخصية، من إعداد الأختين ميشال ونويل كسرواني، وهما فنانتين معروفتين بطرحهما المميز للقضايا السياسية والاجتماعية. يذكر أنّ “كفى” تعمل على إعداد قانون موحد للأحوال الشخصية لتجعله على جدول خطط المجموعات المعارضة في الانتخابات النيابية.
من ناحيتها قامت جمعية “أبعاد” باطلاق حملة “#دايما_وقتها” للتشديد على حماية النساء والفتيات، خصوصًا في الأزمات، إذ ارتفعت نسب العنف ضد المرأة كثيرًا خلال فترة الحجر الصحي ومنذ بداية الأزمة الاقتصادية. وتهدف هذه الحملة إلى إلغاء مبدأ أولوية القضايا، باعتبار أن أمور النساء، وخاصة العنف، هي أولوية حتى في الأزمات.
وأجرت “أبعاد” دراسة تبين أن النساء نسيت حاجتها للحماية في ظل الوضع، ولكن ٩٤.٧% من النساء تشعر أنها بحاجة للحماية خارج المنزل. لكن حتى داخله لا تشعر النساء بالأمان، إذ تم خلال ٢٠٢١، إجراء ١١٨٥ إتصال للخط الساخن المخصص للتبليغ عن العنف، لكن “أبعاد” تعتبر أن ٩٠% من النساء المعنّفات لا تبلغن، لذا بحسبة مبسطة، وحسب أرقام “أبعاد”، فهناك حوالي الـ ١١،٨٥٠ امرأة تعرّضت للعنف خلال العام ٢٠٢١ أي حوالي ٣٢ امرأة يوميًا. وترجح النساء عدم اتصالهن لاهتمامهن بالمحافظة على الأولوية وهي حماية الأسرة وتأمين احتياجاتها من غذاء ودواء.
وشاركت بحملة أبعاد “بالأولوية ما في أفضلية” عدد من النساء المؤثرات، من نادين وناتالي اللواتي يمتلكن صفحة coffee break، للممثلتين ستيفاني عطاالله وأنجو ريحان، الكوميدية شادن فقيه وعارضة الأزياء نور عريضة. إذ تم تسويق الرقم الخاص بأبعاد لحماية النساء والتبليغ عن العنف وحث النساء على الكلام.
الأرقام لا تنخفض
لكن الأرقام لا تنخفض، رغم كل الحملات والأرقام الساخنة والاعلانات والفيديوهات المخصصة والمنشورات والبرامج التلفزيونية، وكل المؤتمرات والجمعيات والبيانات التي تصدر، لا تنخفض أرقام العنف في لبنان، وذلك يعود جزئيًا لفكرة أولوية القضايا وجعل النساء يعتقدون أن الكلام عن تعنيفهن وقتلهن عليه الانتظار حتى يعود الوضع الاقتصادي إلى الانتظام، ولكنه يعود أيضًا إلى غياب دور الدولة في هذا الموضوع. إذ أن النساء في معظم الأحيان، بعد تبليغها عن التعنيف، تعود إلى منزل معنفها بعد أن يمضي على ورقة في المخفر، ليعود أعنف بعدها إلى المنزل.
وفي ظل التعطيل القضائي المتمثل بالاضرابات المستمرة والتوقف عن العمل والسير البطيئ للقضايا، تفضل النساء الحفاظ على أسرتها و”السترة” حتى لو سيؤدي ذلك إلى قتلها. من ناحية أخرى، فإن تركيز الجمعيات عملها في المركز، وابتعادها عن الاطراف أدّى إلى ضعف كبير في إحداث أي تأثير واستجابة لسكان الأرياف حيث تسود أنماط وسلوكيات بعيدة عن المساواة، تصل إلى ما يُعرف بجرائم “الشرف”، أي قتل النساء.
ولكن تبقى هذه الجمعيات، المؤسسات الوحيدة التي تحاول تأمين الأمان للنساء وتمكينهن ومحاولة إشراكهن بالقرار، ليتخذ العنف ضد النساء طابعًا مجتمعيًا. لكن المطلوب هو تكثيف الجهود من أجل إعادة تقييم بعيد المدى للأولويات ووضع القضايا التي تدور حول العنف القائم على التمييز الجنسي وعدم المساواة، على درجة الأهمية نفسها والترابط مع الحقوق الاقتصادية المعيشية والسياسية.
بعبارة أخرى، يجب على الجميع أن يحشد، لاستئصال الآليات القمعية القديمة وتعزيز مجتمع عادل وحر يقوم على المساواة والعدالة في الفرص والحقوق بين جميع الفئات في المجتمع. يجب علينا أن لا نقبل بالتطبيع مع العنف أو التحرش، وأن لا نقبل برؤيته على شاشات الإعلام كمحاولة لتلطيف صورة المعنِّف او المتحرِّش، يجب أن لا نسأل النساء عمّا كانت تلبس او أي ساعة كانت في الخارج، يجب أن نصدق الناجيات، جميع الناجيات.
دور الدولة
وبقدر ما هو مهم أن يشارك المجتمع بأكمله للمطالبة بوقف العنف ضد النساء وتحويله من شيء خاص إلى قضية سياسية، فعلى قدر تلك الأهمية تكون المطالبة بتعديل النصوص والقوانين التي تبت في أمور النساء، وهي تبدأ عند إقرار قانون موحد للأحوال الشخصية يخلص النساء من المحاكم الدينية والروحية، ويمنحهنّ محاكمات مدنية عادلة. المطلوب عدم حرمان المزيد من النساء أطفالهن، وإعطائهن حقوقهن بالميراث، وإعطاء أبنائهن الجنسية ليتمتعوا بكامل حقوقهم كمواطنين.
المطلوب حماية النساء من التحرش في أماكن العمل، والمدارس والجامعات والأماكن العامة، وتطبيق القوانين التي تحميهنّ من العنف الأسري وجرائم الشرف. المطلوب فرض قوانين تمنع التمييز الجندري في أماكن العمل، وتحمي النساء من الطرد التعسفي بسبب الحمل والولادة، وتحمي رواتبهن ومستحقاتهن، وإلغاء نظام الكفالة لرفض استعباد المزيد من النساء المهاجرات. المطلوب حماية النساء القاصرات من الزواج المبكر، ومنع زواج النساء بالقوة. إذ لا يمكن لمجتمع أن ينهض دون مشاركة نصفه في ذلك.