مبادرات فرديّة تتحدّى زمن الحرب في مدينة صور
في الوقت الذي نزح فيه معظم أهالي الجنوب نحو أماكن أكثر أمانًا هربًا من الغارات الوحشيّة الاسرائيليّة، قرّر عدد آخر منهم البقاء في بلداتهم، أو الانتقال إلى مدن جنوبيّة يعتبرونها آمنة، ولا سيّما مدينة صور، التي يمكن أن يتوافر فيها ما يصعب إيجاده في قراهم. أمام هذا الواقع، قرّر عدد من الشبّان الجنوبيّين في مدنية صور إطلاق مبادرات إنسانية لمساعدة المواطنين ممّن قرروا البقاء في المدينة أو النازحين إليها.
في اليوم الثاني لتوسيع الهجمات الاسرائيليّة، وتحديدًا الثلاثاء الـ 18 من أيلول (سبتمبر) الماضي، قرّر الشاب محمّد سعيد، القاطن في مدينة صور، القيام بمبادرة تهدف إلى التخفيف من الأزمة الإنسانيّة التي سرعان ما بدأت تظهر تباعًا. هكذا، قام سعيد إلى جانب زميله محمّد نصرالله بدايةً بتأمين وسائل نقل إلى بيروت لمن لا يقل عددهم عن 50 شخصًا يوميًّا وبشكل مجّانيّ.
مستمروّن حتّى انتهاء الحرب
سعيد وفي حديث لـ”مناطق نت”، قال إنّه قام “بنقل بعض المواطنين الذين أرادوا الخروج من البلدات المجاورة لمدينة صور ولا يملكون وسيلة نقل”، مضيفًا: “نقوم كذلك بإيصال مواد غذائيّة إلى بعض المواطنين ممّن قرروا البقاء في بلداتهم”. استمرت هذه الخطوة مدة أسبوعين إلّا أنّه “بعد ذلك لم يعد هناك حاجة لنقل المواطنين، فكُلّ من يريد أن يخرج تمكّن من ذلك”.
سعيد: قمنا بنقل بعض المواطنين الذين أرادوا الخروج من البلدات المجاورة لمدينة صور ولا يملكون وسيلة نقل. نقوم كذلك بإيصال مواد غذائيّة إلى بعض المواطنين ممّن قرروا البقاء في بلداتهم
مبادرة سعيد لم تنتهِ بل تحوّلت إلى مجال تأمين الأدوية والموادّ الغذائيّة. في هذا الإطار يقول: “في بداية الأزمة كانت المحال والدكاكين لا تزال تفتح أبوابها، والموادّ الغذائيّة متوافرة فيها، لكن مع تأزّم الوضع وتوسّع دائرة الحرب، لم يعد باستطاعة ما بقي من متاجر الاستمرار في فتح أبوابها وتأمين كمّيّات جديدة، إلّا بشكل محدود”. ويلفت سعيد إلى أنّ “بعض الموادّ الغذائيّة ارتفع سعرها كثيرًا، فمثلًا صندوق علبة التونا الذي كنت أشتريه بمبلغ 40 دولارًا ارتفع سعره إلى 80 دولارًا”.
ويُشير سعيد إلى “أنّنا خصّصنا مكانًا لتخزين الحصص الغذائيّة وتوزيعها على المواطنين، إذ بتنا نوزّع 100 حصّة يوميًا، كذلك نقوم بتأمين بعض الأدوية”.
ما ساعد سعيد على القيام بمبادرته، هو عمله في مجال تدريب الملاكمة “التاي بوكس”، إذ أقام من خلال ذلك شبكة علاقات اجتماعيّة واسعة، وهذا الأمر أعانه على تأمين التبرّعات التي يحتاجها. ويُقّدر سعيد المبلغ الذي تمكّن من جمعه حتّى الآن بنحو 30 ألف دولار، فضلًا عن الموادّ العينيّة والأدوية. ويلفت سعيد إلى أنّ هناك حوالي 30 عائلة عادت إلى المدينة إذ “لم تتمكّن من تحمّل أعباء النزوح”، موضحًا أنّه “مستمرّ في هذه المبادرة إلى حين انتهاء الحرب”.
احتياجات كبيرة جدًا
ليس بعيدًا من سعيد، قام داني قبيسي بتوسيع مبادرته التي كان قد أطلقها قبل سنوات عدّة، وتتعلّق بتأمين الأدوية وتوزيعها مجّانًا على من يحتاجها. يقوم قبيسي بتأمين ذلك من شركات أدوية في بيروت وصيدا ونقلها إلى صور، ومن ثم يوزّعها بشكل مجّاني. ويلفت في حديث لـ “مناطق نت”: “إلى أنّ حال الناس التي بقيت في صور أو لجأت إليها فقيرة، إذ لا يمكنهم النزوح وتحمّل كلف الإيجارات، لذا من الصعب عليهم تأمين أدويتهم في هذه الظروف”، مضيفًا أنّه “يُحاول تأمين الأدوية المزمنة الخاصّة بمرضى السكّريّ والقلب والضغط بشكل مستمرّ”.
ويلفت قبيسي إلى أنّ “المحتاجين إلى تلك الأدوية كثيرون جدًّا، ولا تقلّ قيمتها عن 700 دولار يوميًّا، ومن أجل تغطية هذه النفقات نقوم بالتواصل مع أصدقاء يثقون بنا ويتبرّعون لنا”.
بالإضافة إلى ملف الأدوية الذي يتولّاه، يتعاون قبيسي مع مجموعة مؤلّفة من ثمانية أشخاص، تقوم بتوفير التبرّعات من أجل تأمين الموادّ الغذائيّة وتوزيعها على المحتاجين. وتمكّنت هذه المجموعة من توزيع من 40 إلى 50 حصّة غذائيّة يوميًّا، ويؤكّد قبيسي أنّ “الحصة الغذائيّة الواحدة تكفي لثلاثة أيّام تقريبًا، مع الإشارة إلى أنّ عدد أفراد العائلة لا يقل عن سبعة أشخاص”.
وعن كيفيّة نقل الموادّ الغذائيّة من العاصمة إلى صور، يشرح قبيسي أنّها “تتمّ من خلال الاستعانة بسائق باص يقوم بإيصال المواطنين الراغبين بالمغادرة إلى مناطق آمنة، ويقوم بتحميل هذه المواد إلى صور بشكل شبه مجّانيّ، وأقوم في بعض الأحيان بنقلها بنفسي في سيّارتي”.
بالإضافة إلى ملف الأدوية الذي يتولّاه يتعاون قبيسي مع مجموعة مؤلّفة من ثمانية أشخاص، تقوم بتوفير التبرّعات من أجل تأمين الموادّ الغذائيّة وتوزيعها على المحتاجين
مبادرة برغم النزوح
أمّا الصيدليّ حسن حجازي، فعلى الرغم من نزوحه إلى إحدى بلدات قضاء البترون، غير أنّه يُحاول قدر الإمكان مساعدة أهالي بلدته معركة بتأمين الأدوية للمحتاجين والمرضى. يشرح حجازي، لـ”مناطق نت”، أنه يقوم بالتعاون مع مساعِدته “التي قرّرت البقاء في البلدة بالتواصل يوميًّا لإعطاء الأدوية المناسبة وفقًا لحاجة المريض، وبشكل مجّانيّ عندما تقتضي الحاجة”.
كانت الآلية المتّبعة تقضي بفتح أبواب الصيدليّة ساعة في اليوم، إلّا أنّه “بسبب خطر التنقّل، قرّرنا أن نفتح بعد تجميع أكبر قدر من الطلبات ومن ثمّ إعطائها لطالبيها”. وما يساعد في ذلك هو عدم وجود عدد كبير من المواطنين في البلدة، إذ إنّهم لا يتجاوزون الـ 500 شخص. وفي بعض الحالات يتمكّن حجازي من إرسال الأدوية من بيروت إلى البلدة عبر أحد المتوجهين إليها.