مبادرة شبابية في البترون لدعم النازحين “Bridge for Support”
مئات المبادرات الإنسانيّة تجول في معظم المناطق اللبنانيّة، حيث النزوح لم يترك مكانًا إلّا ووصله نظرًا إلى ضخامة أعداد النازحين الذين بلغوا أكثر من مليون و200 ألف نازح توزعوا على مختلف المناطق اللبنانيّة. بعض هذه المبادرات تقوم بها جمعيّات ومؤسّسات رسميّة وكثير منها فرديّة تعتمد على جهود شبابيّة وإمكانات متواضعة، لكنّها أسهمت كثيرًا في التخفيف من معاناة النازحين.
لم تستطع عيدة حنّا، شابّة من بلدة إدّه في البترون أن تبقى مكتوفة الأيدي أمام ما شاهدته من مآسٍ جرّاء انتشار النازحين في منطقتها، فبادرت مع مجموعة من الشابّات والشباب إلى إطلاق مبادرة إنسانيّة ملهمة لمساعدة النازحين ممّن فرّوا من ويلات الحرب. قبل نحو 25 يومًا، ومع وصول أولى دفعات النازحين إلى البترون، قرّرت عيدة وشباب وصبايا من البلدة تقديم يد العون “بدأنا بخمسة أشخاص فقط، ثمّ وصل العدد تدريجًا إلى 70 متطوّعًا يعملون على الأرض لمساعدة النازحين”، تقول عيدة لـ”مناطق نت”.
أولى الخطوات التي قامت بها عيدة وزملائها في المبادرة، هي فتح المدارس في البلدة لاستقبال النازحين وتوفير احتياجاتهم الأساسيّة مثل الفرش، المخدّات، والطعام. هذه الجهود انطلقت من خلال صفحة على “إنستغرام” أطلقوا عليها “Bridge for Support”، والتي أصبحت نافذة لتلقّي التبرّعات من أهل المنطقة وأصدقاء المبادرة.
تؤكّد عيدة أن الفريق لا يتبع لأيّ جهة سياسيّة أو حزبيّة، بل هم مجموعة من المتطوّعين الذين قرّروا بأنفسهم الوقوف إلى جانب النازحين. وتتابع حديثها لـ “مناطق نت”: “نحن سبعون شخصًا، كلّ منّا مسؤول عن جانب معيّن، هناك من يتولّى مسؤوليّة المدارس، وآخرون يتابعون المستودعات التي قدّمتها لنا جمعيّة صيادي الأسماك لتخزين المساعدات”.
وأشارت عيدة إلى أنّ بلديّة البترون خصّصت لهم مساحة في الحديقة العامّة لوضع الملابس التي تبرّع بها أهل البلدة، كي يتمكّن النازحون من اختيار ما يحتاجون إليه مجّانًا.
روح العطاء والتفاني
مبادرة الشباب والصبايا في البترون تُعتبر نموذجًا رائعًا للروح الإنسانيّة في ظلّ الظروف الصعبة. فالتجاوب في البترون كان كبيرًا، حيث لم يتلّقوا أيّ دعم سياسيّ أو مادّيّ، بل كانت المبادرات فرديّة بحتة. الشباب والصبايا يعملون بلا كلل لمساعدة حوالي 1200 نازح موزّعين على 13 مركز إيواء بين مدارس ومعاهد في المنطقة. هذه المبادرة التطوّعيّة تظهر التضامن الإنسانيّ الحقيقيّ بين اللبنانيّين، حيث يتعاون الجميع لتأمين الاحتياجات الأساسيّة للنازحين. وتؤكّد حنّا أنَّ المتطوّعين يتناوبون على الأدوار ليلًا ونهارًا، مما يعكس روح العطاء والتفاني في خدمة المجتمع خلال أصعب الأوقات.
جسر بين المتطوّعين والنازحين
من بين النازحين الذين استفادوا من هذه المبادرة كان حسين حمدان، الشاب الجنوبيّ الذي نزح من بلدة أرنون قضاء النبطية مع عائلته إلى البترون هربًا من القصف الإسرائيليّ العنيف. يقول حسين لـ “مناطق نت”: “عندما وصلت إلى البترون، فوجئت بمجموعة من الشباب والصبايا يعملون بجهد لمساعدة النازحين، ممّا دفعني للانضمام إليهم والمساعدة”.
الشباب والصبايا يعملون بلا كلل لمساعدة حوالي 1200 نازح موزعين على 13 مركز إيواء بين مدارس ومعاهد في المنطقة. هذه المبادرة التطوعية تظهر التضامن الإنساني الحقيقي بين اللبنانيين
بفضل مبادرة حسين، تمّ تشكيل فريق من النازحين أنفسهم، يعمل بالتعاون مع المتطوّعين لتقديم المساعدات بشكل أفضل. “نحن الجسر بين المتطوّعين والنازحين، نساعد في توزيع المساعدات ومتابعة احتياجات العائلات”، يضيف حسين.
ويعبّر حسين عن إعجابه بسرعة استجابة المتطوّعين لأيّ طلبات، إذ يتمّ توزيع الأطعمة والمستلزمات عبر نظام دقيق ومُنظّم. “نواجه أحيانًا نقصًا في بعض المواد، مثل مياه الشرب، لكنّ الفريق يعمل بسرعة لتأمينها”. يشيد حسين بروح التضامن لدى أهل البترون والقرى المجاورة الذين يسارعون إلى تلبية النداء.
يروي حسين حادثة أثرّت فيه كثيرًا، بعد أن تعرّض أحد النازحين إلى إصابة في المدرسة وكسر ذراعه، ممّا استدعى نقله إلى مستشفى البترون. بفضل تعاون المتطوّعين ووزارة الصحّة وإدارة المستشفى، تمّ إجراء عمليّة جراحيّة له بكلفة 400 دولار، من دون أن يتحمل المريض أيّ كلف.
المبادرة الإنسانيّة في البترون لا تقتصر على المساعدات المادّيّة فقط، بل تمتدّ إلى توفير الأدوية والعلاجات الطبّيّة لمن يحتاجها من النازحين. “الفريق الطبي تمكن من جمع كميات كبيرة من الأدوية، وأيّ نقص يتمّ تأمينه بسرعة”، يضيف حسين.
شهادة من رحلة النزوح
رحلة حسين إلى البترون كانت مليئة بالمخاطر، إذ اضطرّ إلى الفرار من قصف عنيف استهدف مدنيّين في الجنوب. يروي حسين: “في يوم نزوحنا، كان القصف شديدًا، وغارات العدو الإسرائيليّ كانت تتساقط على طول الطريق من النبطيّة إلى الغازيّة. رأيت بعيني 25 غارة خلال مسافة 20 كيلومترًا”. لكن على رغم كلّ الصعوبات، استطاع حسين الوصول إلى البترون، حيث وجد في أهلها ملاذًا آمنًا وروح تضامن لا حدود لها.
علي محمود عيد، أحد سكّان الضاحية الجنوبيّة لبيروت، نزح أيضًا إلى البترون مع عائلته بحثًا عن الأمان. يقول علي لـ “مناطق نت”: “عائلتي تشتّتت، بعضهم في مراكز ببيروت، والبعض الآخر معي هنا في البترون. نزحنا بسبب الخوف الشديد على أطفالي”.
على رغم كلّ شيء، يعبّر علي عن امتنانه لأهل البترون الذين استقبلوه وأسرته بترحاب كبير، وقدّموا لهم كلّ ما يحتاجونه من فرش وحرامات وأدوات تنظيف “لم ينقصنا شيء، والخدمات التي تلقّيناها كانت إنسانيّة جدًّا”، يضيف علي.
“يلي بيخرج من داره بقل مقداره”
وعلى رغم ترحيب أهل البترون به وبعائلته وتقديمهم المساعدات اللازمة، إلّا أنّ عليًّا يعبّر عن رغبته في العودة إلى بيته. “أتمنّى المغادرة من هنا، مع شعوري المتعاظم وكأنّني في ضيعتي الثانية، لكن كما يقول المثل: ‘يلّي بيخرج من داره بيقل مقداره’. على رغم كلّ التعاطف والمحبّة، لا شيء يضاهي بيته وأشغاله وحياته في مكانه الصحيح.”
في ختام حديثه، يشدّد علي محمود عيد على أهمّيّة الوحدة والتضامن بين اللبنانيّين، قائلًا: “نحن اللبنانيّين يجب أن نكون يدًا واحدة، الوعي والمحبّة هما أساس كلّ شيء، ولا يوجد فرق بين لبنانيّ وآخر.”